2025- 02 - 12   |   بحث في الموقع  
logo الرئيس عون والحريري بحثا في الأوضاع logo ياسين جابر يتسلم “المالية”: شكرا بري logo موسكو ترفض عرض زيلينسكي لتبادل الأراضي: هذا مستحيل! logo دنماركيون يردون على عرض ترامب شراء غرينلاند: "لنشترِ كاليفورنيا" logo طرد مراسل "أسوشييتد برس" من فعالية في البيت الأبيض logo "مونديال الحلم والإرث": كواليس كأس العالم في قطر logo بعد 20عاماً على إطلاقها..."يوتيوب" تنافس قنوات التلفزيون logo إيران تعفو عن صحافيتين كشفتا مقتل مهسا أميني
هامش من سيرة الآغا خان: البحث عن "الأمير الذهبي"(1/3)
2025-02-12 12:25:53

لا أذكر متى عرفتُ في طفولتي أني إسماعيليٌّ! لكن أهمَّ ما ثبت هذه الفكرة في رأسي كتابٌ تداولناه أنا وإخوتي حتى بَلِيَتْ جلدته وتشققت، ثم اختفت، حمل عنوان "الأمير الذهبي"، يحكي سيرة الأمير علي سلمان خان (13 يونيو 1911 – 12 مايو 1960) نجل السلطان محمد شاه، الآغا خان الثالث. لم يكن الكتاب يحمل أيَّ نوعٍ من الشرح الديني أو العقائدي، بل كان يحكي سيرةَ شخصيةٍ مغامرةٍ، دُربت في حقول الدبلوماسية، إذْ كان سفيراً لباكستان في الأمم المتحدة، ورياضياً فارساً، عاش حياةً صاخبةً. كان وليًّا لعهد الإمامة الإسماعيلية منذ العام 1927، لكن وصيةَ والده حَرَمَتْهُ منها حيث نَصَّتْ على أن يتولاها الحفيدُ كريم شاه، ابنُ عليٍّ من السيدة جوان بربارا يارد بولد، ابنةِ المليونير الإنكليزي شرستون. أكثرُ ما كان يلفت انتباهي في ذلك الكتاب، الذي ما زال محفوظاً في مكتبة أحدِ إخوتي، أنَّ الأميرَ كان يذهب في رحلاتِ حول العالم، مثل أي مغامرٍ، بالإضافةِ إلى صوره في المناسباتِ الاجتماعية والسياسية.وفي هذا الجزء من الكتاب، كانت ثمة صورٌ من لقائه مع أهالي مدينة سلمية في خمسينيات القرن الماضي. وحسبما قيل، فإن علاقةً كبيرةً نشأت بين الأمير وبين هذه المنطقة الإسماعيلية تاريخيًّا، فَدَرَجَ أن إسماعيلِيَّتَها يُلقِّبونه بعلي السلموني، ولعلها تفسِّر طلبَه في وصيته أن يُدفن فيها، وهذا ما حصل بعدما توفيف في حادثِ سيرٍ صاعقٍ! كان هذا أولَ تماسٍّ معرفيٍّ بيني وبين شيءٍ من الإطار الرسمي الإسماعيلي، رغم أني كنتُ في الصيف، حين نغادر دمشقَ إلى قريتنا المفكر الشرقي، أذهب مع إخوتي برفقة أبي وأمي وجدي وجدتي إلى المسجد "الجمعة" كي نصلي صلاةَ العشاء. وفي كل مرةٍ كان المصلون، وبمن فيهم نحن، يأتون بتقدُماتٍ من محاصيل أراضيهم أو من طبخِ بيوتهم كي تتمَّ المزاودةُ عليها من قبل الحاضرين في سبيلِ ابتياعها، وتقديمِ الثمن للمسجد.حفظتُ الدعاءَ الإسماعيليَّ في سنوات طفولتي، لكني لم أصبح مؤمناً كما ينبغي. ورغم أن كثيراً من الأقران في العائلتين الكبيرتين، لجهة أبي وأمي، ظلوا على علاقةٍ مع الدين، وبَقُوا يترددون على "الجمعاتِ" (المساجد الإسماعيلية كما تسمى) في كل مكانٍ يذهبون إليه، ويقرأون الفرماناتِ التي تأتي من مركز الإمامة، تحمل توجيهاتِ الإمامِ الحاضرِ شاه كريم الحسيني، إلا أني انقطعتُ تماماً عن الأمر على مراحلَ، كان آخرها ما تسببتْ به أعراضٌ سياسيةٌ سوريةٌ، أصابت المجتمعَ الإسماعيليَّ السوريَّ بشكلٍ عامٍّ، كما أصابت الأقلياتِ الأخرى.لكن البدايةَ جاءت من والدي نفسه، الذي عاش تحولاتٍ سريعةً بعدما سُرّحَ من عمله كسائقٍ في وزارة الداخلية، إذ انطلق في الحياة بعيداً من خدمة الدولة، ثم انكفأ فجأةً عن الشغف بها، ثم قرر في وقتٍ لاحقٍ أن يُقيم مسجدَنا العائليَّ في بيتِنا. وهكذا صرنا نذهب في ساعةٍ محددةٍ للوضوء، ثم ندخل واحداً بعد الآخر إلى الغرفةِ التي طُلِيَتْ بلونين، الأبيضِ والأخضر، وندفع المبايعةَ ونأخذ حبةَ سكاكرَ مقابلَها. الصلاةُ في البيت كانت كئيبةً، ولم نستعدْ فيها بهجةَ الطقوس التي كنا نشعر بها في مسجدِ القريةِ المسقوفِ بالقرميدِ الأحمر، والذي زُرِعَتْ على جانبي فسحته أشجارُ العنبِ والرمان. بينما هنا، في حيِّ المخالفاتِ الذي نسكنه، وهو في الأصلِ جزءٌ من غوطةِ دمشقَ، شُلعَت الأشجارُ من مكانها، ورُدِمَتِ السواقي، ونُصِبَتْ جدرانُ البلوك، وصُنِعَتِ البيوتُ الضيقةُ! هذا كلُّه لا يؤدي حكماً إلى انقطاعٍ بين الطفلِ الذي كنتُه وبين الانتماءِ إلى الطائفة، بل إن وقتاً قصيراً مضى على مغامرةِ أبي الإيمانية، جاء بعده الحدثُ الذي سيقلب أحوالَنا، أي وفاته المباغتةُ بعد تعرضه لأزمةٍ قلبيةٍ. صرنا بعده عائلةً منكوبةً بمعيلِها، الذي ترك لها دُكَّانةَ سمانةٍ صغيرةً، وزوجةً كان عليها أن تُربِّيَ ثمانيةَ أولادٍ وحدَها، من دون أن يساعدَها أحدٌ، فقررت ألا تستسلم، ومضت بهم إلى النجاةِ طوال سنواتٍ لاحقةٍ، قبل أن تكتشف أن ابنَها البكرَ بدأ يُمارس طقوسَ الانتماءِ السياسي المعارضِ، مثل أخيها المعتقلِ بتهمةِ الانتماءِ إلى حزبِ البعثِ الديموقراطي (تيار صلاح جديد)، وابنِ أخيها ضابطِ الدفاعِ الجوي، المسجونِ بالتهمةِ ذاتها، لكن بلونٍ مختلفٍ، هو اليسارُ الجديدُ، والذي كان في طليعته حزبُ العملِ الشيوعي الذي تأسس في العام 1980 بعدما كان اسمُهُ رابطةَ العملِ الشيوعي. وبعدما غرقتِ العائلةُ في هذا المصير، سيظهر أن جزءاً كبيراً من "السلامنة" الإسماعيليين قد ظهرت عندهم الأعراضُ ذاتُها. نعم، أخذتنا السياسةُ كلُّنا، بعيداً من العقيدةِ الدينية، ولم أفكر في أيِّ وقتٍ من الأوقات أن أتعاطى معها بمنظارِ دراستِها، لأني هكذا وجدتُ نفسي في ذلك الوقتِ من مرحلةِ الشبابِ بعيداً منها. لكن بقيتْ في ذاكرتي صورةٌ راسخةٌ عن الأميرِ عليٍّ ومغامراتِه الجذابةِ، وسيرته مع الجميلاتِ، إذ كان الزوجَ الثالثَ للممثلةِ الأميركية ريتا هيوارث! هذه الصورةُ أستطيعُ الآن، فيما أستعيدُ التفاصيلَ، أن أجزِمَ بأنها كانت ودودةً جداً لديَّ. فهذا الرجلُ هو أميرٌ حاضرٌ في تاريخِ جماعتي، في وحين لم يملك الآخرون شيئاً مشابهاً. كما أن واحدةً من أعظمِ الهباتِ التي سَرَتْ ربما عبر الجينات، ذلك التعلق الآسر بالقراءة، والبحث عن تفسيراتٍ مختلفةٍ لكل شيءٍ يحيطُ بنا. وأظن أني، ورغم عدمِ إيلائي لقضيةِ الإيمانِ أهميةً في حياتي، لم أشعرْ بالاستياء من كوني وُلِدتُ إسماعيلياً، بل إن هذا حَمَلَ لي بؤرَ إثارةٍ عديدة، تبدأ بتصورٍ شائعٍ عن "السلامنة" بأنهم مثقفون، وصولاً إلى كونهم يتعاطون السياسةَ كمِلحٍ يومي، أدى في وقتٍ ما إلى حدوثِ انشقاقٍ بينهم وبين العقيدةِ ذاتِها.في العام 2008، جاء الأميرُ (البرنس) شاه كريم الحسيني، الذي توفي قبل أيام، إلى سلميةَ كي يُلاقيَ أبناءَ طائفته. وحين تدارسنا الأمرَ، قررت زوجتي أن تصطحب الطفلين كي يحضرا المناسبة. ومن بين ما روته لي في ما بعد، أن الصغيرَ تيمَ، المولعَ بالحكاياتِ الأسطوريةِ الطفوليةِ وبأفلامِ شركةِ "بيكسار"، جلس ينتظر بين الجموع، وحين مرَّ الآغا خان، مباركاً كلَّ من جاء إلى الميدانِ الواسعِ، وقف ابني بين المطرقين، بعدما أفلتَ من يدِ جدتِه، كي يشاهد الأميرَ، الذي رآهُ وابتسم له، تاركاً في عقلِه ذكرى لطيفةً عن البلادِ التي سيهربُ منها بعد ثلاثِ سنواتٍ، بعيداً من الكارثة.


المدن



كلمات دلالية:  ها الأمير لكن هذا كي كما بعيدا أي
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top