قالت مصادر سياسية عربية لـ"المدن"، إن الوسطاء يكثفون جهودهم منذ مساء الاثنين الماضي، لحل الأزمة التي طرأت بعد إعلان كتائب القسام تعليق الإفراج عن دفعة المحتجزين الإسرائيليين السبت المقبل، حتى تلتزم إسرائيل بالبروتوكول الإنساني الوارد في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
الصورة تتضح الخميس؟
وأكدت المصادر المطلعة على حراك الوسطاء، أن الصورة لنتيجة الجهود الرامية إلى سد الفجوات بين حركة حماس وإسرائيل، ستتضح أكثر غداً الخميس، مشيرة إلى إمكانية نجاح الوسطاء في استئناف دفعات تبادل الأسرى بموجب المرحلة الأولى من الاتفاق.
مع ذلك، قدرت المصادر أن المخاوف بشأن انهيار اتفاق غزة في أي لحظة، هي جدية، خصوصاً مع تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستئناف الحرب حتى "هزيمة حماس نهائياً"، في حال لم تطلق سراح المحتجزين يوم السبت، بعد ساعات من توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحماس بـ"الجحيم"، إذا لم تفرج عن جميع المحتجزين في ذلك اليوم.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤول أمني، أن إسرائيل تنتظر نتيجة وعيد ترامب، بموازاة محاولتها من خلال صيغة تهديدها، إبقاء الباب مواربا أمام استكمال الإفراج عن المحتجزين المتبقين.
تأهب عسكري.. وأمني
وعلى الأرض، أعلن الجيش الإسرائيلي رفع حالة التأهب في المنطقة الجنوبية تلبية لطلب المستوى السياسي، وتم استدعاء واسع لقوات الاحتياط والخدمة الإلزامية، لتلتحق بالفرقتين 162 و143، المتواجدتين حالياً في "غلاف غزة"، استعداداً لاستئناف الحرب في أي لحظة.
وقال المراسل العسكري للإذاعة العبرية الرسمية، إن استعدادات الجيش لسيناريو عودة الحرب "جدية"، لكنه أقرّ أيضاً بأنه على الرغم من بيانات الجيش لعودة القتال، فإن الأمور تبدو وكأنها تندرج حتى الآن في سياق المعركة الإعلامية والنفسية.
ونوه المراسل العسكري في إفادته الصباحية، بوجود مشاورات في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي للمصادقة على "خطط عملياتية" في حال إعطاء الضوء الأخضر من قبل المستوى السياسي لعودة الحرب. وبينما لم تصدر في هذه المرحلة أي تعليمات من الجبهة الداخلية الإسرائيلية لسكان المنطقة الجنوبية، إلا أن هيئة البث العبرية، أشارت إلى إلغاء احتفالات كانت مقررة نهاية الأسبوع، تحسباً لأي طارئ.
في المقابل، أكدت مصادر فلسطينية في غزة لـ"المدن"، أن حركة حماس بدأت اتخاذ احتياطاتها العسكرية والأمنية، للتحضير لكل السيناريوهات.
استئناف التبادل.. مرجّح
ورغم ضجيج التهديدات الأميركية والإسرائيلية، استبعد محللون إسرائيليون انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في هذا الوقت؛ لأن إسرائيل تريد الإفراج عن بقية المحتجزين، كما أن حماس تحرص على المضي قدماً بالصفقة.
ورجحت قراءات سياسية إسرائيلية بأن ينجح الوسطاء في تنفيذ دفعة التبادل السادسة ضمن المرحلة الأولى للاتفاق، ثم سيليها 3 دفعات أخرى.
في حين، علق محلل الشؤون السياسية لهيئة البث العبرية على تهديد ترامب لحماس في حال عدم الإفراج عن جميع المحتجزين، بالقول إنه في نهاية المطاف وقعت الولايات المتحدة كوسيط على اتفاق دولي بخصوص جدولة أعداد المحتجزين في دفعات التبادل المقرّة.
كيف خرق الاحتلال البروتوكول الإنساني؟
وقالت حركة حماس إن تعليقها إطلاق دفعة المحتجزين المقررة السبت المقبل؛ أتى لأأن إسرائيل لم تلتزم بالبروتوكول الإنساني وفق ما نص عليه الاتفاق، فمثلاً لم تدخل أمس الثلاثاء إلى غزة، سوى 150 شاحنة مساعدات، أي خلافاً لما جاء في الاتفاق الذي نصّ على دخول 500 شاحنة. كما أنه لم يتمكن إلا 20 مريضاً وجريحاً من السفر للعلاج في الخارج، وليس 50 بموجب الاتفاق، واضطروا لانتظار موافقة جهاز "الشاباك" الإسرائيلي طويلاً.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال منع قبل يومين، والدة طفل مريض بالسرطان من مرافقته للخروج من خلال معبر رفح إلى مصر لتلقي العلاج؛ بحجة أمنية إسرائيلية، وهو ما يؤشر إلى تحكم تل أبيب بمن يخرج من المعبر.
إلى جانب ذلك، تلكأ الاحتلال في إدخال البيوت المتنقلة والخيم اللازمة للنازحين العائدين إلى شمال القطاع.
الحكاية.. بالمرحلة الثانية
لكن مصدراُ من حماس، أكد لـ"المدن"، أن أساس الأزمة متعلق ضمناً بالمرحلة الثانية التي تماطل إسرائيل بشأن الانخراط في المفاوضات المتعلقة بملفاتها، وسط محاولات نتنياهو فرض "مرحلة انتقالية" بين الأولى والثانية.
وأوضح المصدر أن القسام، أرادت بتعليق تبادل الأسرى، أن تضغط على تل أبيب وواشنطن لتغيير طريقة تعاملهما مع الصفقة، في ظل شعور حماس بأن نتنياهو ليس جدياً بالانتقال إلى المرحلة الثانية، وأن الضمانات الأميركية بالنسبة لاستمرار الصفقة قد تلاشت.
وشدد المصدر على أن تفجر الأزمة كان متوقعاً منذ اليوم الأول للهدنة، على قاعدة أنه "كلما اقتربنا من نهاية المرحلة الأولى"، ستنشأ مفاجآت وخلافات أكثر.
معركة الضغط.. والرسائل
ومعنى ذلك، أنه حتى لو تم تجاوز الخلاف الحالي واستُؤنفت دفعات تبادل الأسرى، فإن الفترة المقبلة حبلى بالتعقيدات الكُبرى، خصوصاً أن ملفات المرحلة الثانية للصفقة في حال بدء المفاوضات بشأنها، ستكون أكثر صعوبة؛ لأنها مرتبطة بأسماء أسرى ترفض إسرائيل إطلاق سراحهم، وأيضاً ملف إعادة الإعمار الذي يسعى ترامب إلى تسويفه، ناهيك عن ملفات أخرى مرتبطة باليوم التالي لغزة.
وبهذا المعنى، فإن معركة "المرحلة الثانية" قد بدأت فعلياً بين إسرائيل وحماس، باعتبارها "كلمة السر" للخلاف القائم حالياً، ولمصير الصفقة برمتها، خصوصاً مع إدراك حماس أن ترامب أراد من خلال طرح فكرته بتهجير سكان القطاع، أن يبتزها ويضغط عليها، للقبول بشروط نتنياهو المتمثلة بخروج كافة قياداتها من غزة، وتفكيك جناحها العسكري، وهو أمر ترفضه الحركة، وتحاول من خلال صور استعراضاتها العسكرية أثناء تسليم المحتجزين، أن تقول إنها "قوة عسكرية وسلطوية ما زالت باقية.. وستبقى في اليوم التالي لغزة".