نستشف من تعليقات العاهل الأردني في البيت الأبيض -وهي الأقل من دبلوماسية والأقرب إلى غمغمة تفهم على الوجهين- أن ثمة خطة مصرية تُعَدّ للرد على تهديدات ترامب بتهجير سكان غزة، أو تنظيف القطاع كما يحلو له أن يقول. ولنا أن نفهم أيضاً أن تلك الخطة وإن كانت مصرية، فهي خطة العرب جميعاً، أو على الأقل الحلفاء الأقرب للولايات المتحدة من بين الدول العربية، حيث يحيل الملك الأردني إلى اللقاء المزمع في السعودية لتقرير هذه الخطة. ويشير بهذا إلى القمة العربية الطارئة التي ستنعقد في الرياض. ويظهر أن عبد الله تحاشى أي مواجهة مع الرئيس الأميركي على الهواء، مفضلاً أن يكون الحديث في الغرف المغلقة وبين مسؤولين في الإدارة الأميركية على دراية بالمنطقة، وبالطبع أن يكون الحديث باسم العرب لا باسم بلد واحد. وبدلاً من الردود الخشنة، انبرى الملك الأردني في إغداق الثناء على ترامب، وهو أمر يسعده بالتأكيد، ووصفه بأنه الرجل القادر على جلب الاستقرار وتحقيق السلام في المنطقة. وفي السياق نفسه، شدد على أن أي خطة عربية ستكون معنية بالعمل مع الولايات المتحدة لا معارضتها، وذلك لتحقيق "مصالح" الجميع. وعاد الملك الأردني ليقول على منصة إكس ما لم يقله أمام وسائل الإعلام في واشنطن، مشدداً على رفض التهجير وعلى خيار حل الدولتين. ولعل ذلك التعقيب كان معنياً بقطع الطريق على إساءة تفسير تصريحات الملك غير الحاسمة في البيت الأبيض.من جهته، كرر ترامب طرح خطته الجنونية بشأن غزة، وإن سحب تهديده السابق بخصوص قطع المعونة عن مصر والأردن. ومن الصعب الحكم على نوايا الرئيس الأميركي، أي إن كانت تلك خطة يتصور بالفعل إمكانية تحقيقها، أم هي مجرد قنبلة دخان ترمي إلى تحقيق الضغط الأقصى على حماس ودول الجوار. الواضح أن ترامب يريد أن يحل المعضلة الفلسطينية مرة واحدة وللأبد بتصفيتها، أو على الأقل يعتقد أنه قادر على ذلك. ولعل ما يهدف إليه في النهاية هو استبدال حل الدولتين بحل الدول الثلاث، أي بإلقاء مسؤولية غزة على مصر وتقسيم الضفة بين إسرائيل والأردن، وهي خطة كانت ماثلة في النكبة وصارت أمراً واقعاً حتى حرب 67.إسرائيلياً، فشلت حكومة نتنياهو في تحقيق الأهداف المعلنة لحربها في غزة، لا قضاء على سلطة حماس ولا استعادة للرهائن. وتحولت مشاهد إطلاق سراح الرهائن من غزة إلى استعراضات أسبوعية مهينة لتل أبيب، أو كما يقول بن غفير صارت إسرائيل بعد اتفاق إطلاق النار أضحوكة الشرق الأوسط. ينتشي اليمين الإسرائيلي لخطة التطهير العرقي التي يروجها الرئيس الأميركي، لكن الحكومة الإسرائيلية التي فرض عليها وقف الحرب، والتي لا تملك أي خطة لليوم التالي في غزة تظهر مستسلمة تماماً للإدارة الأميركية، وفي انتظار الصفقة التي سيعقدها ترامب مع الدول العربية.إذاً هل ينتظر الجميع الخطة المصرية؟ بلا شك تشعر القاهرة أكثر من غيرها بالخطر من تهديدات ترامب. فإجبار سكان غزة على النزوح، يعني بالضرورة اندفاعهم عبر الحدود المصرية نحو سيناء. وبذلك من المفهوم أن يكون الرد مصرياً بالأساس. والأرجح هو أن الخطة المرغوبة أميركياً تقتضي تولي الدول العربية إدارة غزة بالنيابة عن إسرائيل، ومن المفهوم أن تلعب القاهرة دوراً رئيسياً في ذلك المخطط بحكم الحدود المشتركة والتاريخ الطويل من التنسيق الأمني مع إسرائيل في القطاع. والواقع أن مصر لعبت هذا الدور بالفعل لوقت طويل، حيث قامت بإدارة المعابر لصالح إسرائيل لعقود.
الغائب في كل هذا هو الفلسطينيون. لا يمكن لأي خطة عربية أن تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية من دون موافقة سلطة الأمر الواقع في غزة. وإعلان حماس مؤخراً عن تعليق إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين يؤكد هذه الحقيقة. هكذا، ستحدد الخطوة التي ستقررها حماس يوم السبت 15 شباط مصير اتفاق وقف إطلاق النار وربما مصير المنطقة كلها.