لم ييأس كثير من الوسطاء من محاولات بذل جهود لإقناع رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، خلال فترة الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا التي امتدت من 31 تشرين الأوّل عام 2022 عندما انتهت ولاية الرئيس السّابق للجمهورية ميشال عون حتى 9 كانون الثاني 2025 حينما انتخب العماد جوزاف عون رئيساً، في موازاة توجيه نصائح له من أجل نيل موافقته على انتخاب رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، موضحين له أنّ الزعيم الزغرتاوي هو الضمانة الوحيدة له للحفاظ على مواقع تيّاره في السّلطة وحصصه فيها، ونفوذه السياسي، إلّا أنّ باسيل عاند كلّ الوساطات والمساعي التي اصطدمت برفضه العدول عن رأيّه.
تشبث باسيل بموقفه الرّافض إنتخاب فرنجية ومعه رفضه إنتخاب قائد الجيش جوزاف عون، أوصله في نهاية المطاف ليجد نفسه خارج السّلطة للمرة الأولى منذ العام 2008 بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نوّاف سلام تأليف الحكومة في 13 كانون الثاني الماضي، قبل تأليفه حكومته السبت الماضي في 8 كانون الثاني الفائت، ليجد باسيل نفسه وتيّاره أبرز الخارجين منها.
لكنّ باسيل الذي لم يكن الوحيد من الخاسرين بين الأحزاب والتيّارات المشاركة في حكومة سلام، وجد نفسه بعد ولادة حكومة العهد الأولى بلا أيّ حليف سياسي له، سواء مسيحياً بسبب الخصومة السّياسية بينه وبين معظمها، من القوّات اللبنانية إلى الكتائب فالمردة، أو على الصعيد الوطني بعد تخليه عن حليفه الوحيد حزب الله، في حين إرتفع بينه وبين بقية القوى السّياسية الأخرى، من حركة أمل وتيّار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي، جداراً عالياً من الخلافات والعداء السياسي، خصوصاً في الفترة التي تربّع فيها التيّار البرتقالي عبر الجنرال ميشال عون على سدة الرئاسة الأولى بين العامين 2016 و2022.
مسار التيّار البرتقالي السّياسي في السّنوات الأخيرة لم يوصله فقط إلى نقطة وجد نفسه فيها وحيداً بلا أيّ حليف سياسي، إنّما أوصله هذا المسار لأسباب مختلفة إلى أن يشهد إنقسامات داخلية أدّت إلى ابتعاد أو إبعاد 4 نواب من كتلته عنه، وابتعاد نوّاب وكوادر وشخصيات وفئات واسعة من جمهوره وقاعدته عنه، في فترة شهدت تبادلاً قاسياً من حملات التشهير والإنتقاد بين القيادة والقاعدة التي لم يترك بعضها ستراً مُغطّى.
إنتقال باسيل وتيّاره إلى موقع المعارضة للحكومة، التي وصفها بـ”المجحفة”، للمرّة الأولى منذ 16 عاماً ،ستكون تجربة سياسية جديدة له، نظراً لخسارته مكاسب السّلطة التي استفاد منها لتمتين وضعه السياسي، والحكم عليها سلباً أو إيجاباً يبدو سابقاً لأوانه. لكنّ باسيل الذي سيخوض إبتداءً من اليوم الإستحقاقات الإنتخابية، نيابيّة وبلدية ونقابية وغيرها وحيداً بلا أيّ حليف، يعرف مسبقاً أنّ نفوذه وتأثيره وحجم كتلته النيابية سيشهد تراجعاً، وأنّ السّلاح الوحيد الذي سيخوض به أيّ إستحقاق إنتخابي مقبل هو تصوير نفسه على أنّه في موقع “الضحية”، عدا عن استغلاله فشل حكومة سلام والتصويب عليها عند كلّ دعسة ناقصة لها، عساه يحافظ على ما بقي من قوته السياسيّة أو يُقلل الخسائر الكثيرة التي تنتظره.
موقع سفير الشمال الإلكتروني