شهدت العاصمة الايرانية طهران أمس الاثنين، مسيرات شعبية لإحياء ذكرى انتصار الثورة الاسلامية عام 1979، وسط الحصار الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران منذ اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي خلال ولايته الاولى في نهاية 2018.
سبق تلك المسيرات الشعبية توقيع الرئيس ترامب مذكرة رئاسية تشدد العقوبات على إيران، وتكلف الجهات المعنية في الادارة الأميركية بمكافحة المشاريع النووية والصاروخية وصناعة الأسلحة الايرانية، ما ترك أثره على سوق العملة الصعبة حيث سجل سعر الدولار ارتفاعاً ملحوظاً يفوق 10 في المئة.
الوضع الخطير الذي تعيشه الجمهورية الاسلامية دفع الحكومة إلى تشجيع عامة الشعب، للحضور في المسيرات الشعبية وتوحيد الصفوف أمام التهديد الأميركي، علماً أن شرائح واسعة من الشعب الإيراني، خصوصاً النساء والشباب، لا تخفي استياءها من السياسات الثقافية والاقتصادية التي ينتهجها النظام وأدت إلى فرض قيم ومعايير ثقافية بينها فرض ارتداء الحجاب، وتداعيات اقتصادية تتمثل في التضخم والركود والبطالة.
وشهدت المسيرات الشعبية التي انطلقت يوم الاثنين الماضي، ظواهر ملفتة منها تواجد إيرانيات لا يرتدين الحجاب أكدوا خلال تلك المسيرات على حقهن في اختيار الزي وحرية الحجاب. ومن بين تلك النساء اللواتي شاركن في مسيرات ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، واخترقن إحدى المحظورات الحكومية، أبدعت إحداهن بأسلوب فريد في إبداء معارضتها لقانون الحجاب الإلزامي، حيث أنها إذ حملت بيدها اليمنى علم بلادها، حملت بيدها اليسرى صورة لصحيفة "إطلاعات" الإيرانية، يعود تاريخها إلى بداية انتصار الثورة الإيرانية، حيث عنونت: "لا إلزام على الحجاب"، نقلاً عن آية الله طالقاني، الرجل الثاني بين قيادات الثورة بعد الإمام الخميني، والذي قام بتطمين المرأة الايرانية بأن الثورة الإسلامية لا تريد إلزامها بارتداء الحجاب، وذلك بعد أيام من إعلان انتصار الثورة.
جات تطمينات الطالقاني حينها، بعد نشر شائعات حول إلزامية الحجاب وخاصة العباية التي تغطي كافة الجسم أو "تشادور"، ما أثار صدمة لدى النساء غير المحجبات، علماً بأن الكثير منهن قد شاركن في المظاهرات ضد نظام شاه إيران وطالبن بإسقاط النظام البهلوي وإحلال الدولة الإسلامية مكانه. حينها قام الطالقاني بتطمين النساء من أن النظام الجديد الذي يقوده الإمام الخميني، لن يلزم السافرات بارتداء الحجاب، فضلاً عن "التشادور" الأسود، على الرغم من أن رجال الدين وعلى راسهم قائد الثورة الايرانية، يعتبرون أن حكم الحجاب من الاحكام الضرورية للاسلام، ولكنهم حريصون على احترام حقوق المرأة. أثارت تصريحات الطالقاني شكوك أوساط من الثوار حتى استفسروا الإمام الخميني الذي رد عليهم بأن وجهة نظر السيد الطالقاني صحيحة.
لكن بعد وفاة الطالقاني في العام 1979، قررت الحكومة في العام 1982، منع غير المحجبات من دخول المباني الحكومية، إعداداً لمنعهن من الخروج من منازلهن بغير الزي الشرعي. أثار ذاك القرار الحكومي الذي تم إعلانه من قبل هاشمي رفسنجاني خلال خطبة صلاة الجمعة، سخط النساء في العاصمة الايرانية اللاتي أطلقن مظاهرات احتجاجية كبيرة ولكنهن لم يحصلن على مطلبهن، ولم تتابع مطالبهن حتى من قبل المثقفين اليساريين، لأن إيران كانت حينها منشغلة بالدفاع عن نفسها ضد الغزو العراقي، وتلك الأجواء الحربية العسكرية السائدة ساعدت في تهميش المطالب الثقافية، ومنها حرية اللباس.
وتم تحويل القرار الحكومي هذا في السنوات الأخيرة، إلى قانون الحجاب والعفاف المثير للجدل، الذي امتنع رئيس الجمهورية عن تعميمه، وبقي معلقاً بين الأرض والسماء خوفاً من تداعيات تنفيذه التي يمكن أن تتحول إلى انتفاضة عارمة، النظام بغنى عنها، في ظل الأزمات المتراكمة الاقتصادية والسياسية داخلياً وخارجياً، بدءاً من الحصار الاقتصادي، مروراً بأزمة المشاركة السياسية، وصولاً إلى أزمات السكن والمياه والتلوث البيئي وغيرها من الازمات المتشابكة التي تعاني منها إيران.