بدا لافتاً جداً استقبال المرشد الإيراني علي خامنئي، لوفد حركة حماس، السبت الماضي، في نفس يوم تنفيذ الدفعة الخامسة من تبادل الأسرى في غزة وتشكيل الحكومة الأولى لعهد السيادة والاستقلال، وبالتالي الإعلان رسمياً عن نهاية حقبة الوصاية الإيرانية على لبنان. الزيارة التي يبدو أنها أعدت على عجل وتحت غطاء الاحتفالات في إيران بعيد تأسيس الجمهورية، رغم انشغال قيادة حماس بملفات ضاغطة عديدة، سعت طهران منها إلى استعادة أو للدقة المكابرة والإيحاء باستمرار تأثيرها الإقليمي ومن بوابة القضية الفلسطينية العادلة وبشكل أوسع، وكما أعرف العقلية الإيرانية عن قرب فقد بدا الاستقبال حتى ردّاً على جولة الرئيس السوري أحمد الشرع الإقليمية التي شملت الرياض وأنقرة، وستشمل قريباً عواصم إقليمية ودولية مؤثرة أخرى، وتدفق الوزراء والمسؤولين على دمشق وتوالي اللقاءات الثنائية والعربية والإقليمية والدولية حول سوريا الجديدة التي لا مكان لإيران فيها.
بوضوح، أرادت إيران استخدام صورة اللقاء دعائياً وعلى طريقتها التقليدية للقول إنها لا تزال تحتفظ بتأثيرها وثقلها الإقليمي وحاضرة وشريكة فيما تصفه حماس بالانتصار - قال رئيس الوفد الفعلي ومن يدير الحركة والمفاوضات خليل الحية شيئاً كهذا لخامنئي -، وأنها ليست معزولة رغم كونها باتت بعيدة جداً وغير حاضرة لا في مفاوضات ومساعي التهدئة والهدنة بغزة، بعدما حاولت ودون نجاح كبير فعل ذلك العام الماضي "بداية الحرب" زمن وزير الخارجية السابق وجولاته المكوكية حسين عبد اللهيان، ولا تملك كذلك أي حضور أو تأثير على سيناريو ومعالم اليوم التالي للحرب، وعملية إعادة الإعمار العملاقة والضخمة بغزة، ولا الأفق والمسار السياسي للقضية الفلسطينية ولا حتى مواجهة خطة دونالد ترامب التهجيرية الملقاة أساساً على عاتق الفلسطينيين والعرب. وعلى العكس فقد أكدت الحرب بمجرياتها ومآلاتها المؤقتة والمرحلية والاستراتيجية، عجز إيران عن حماية غزة ومنع الإبادة الجماعية فيها - لم تنضم حتى إلى دعوى جنوب إفريقيا في لاهاي – ومواجهة مشروع الترانسفير الترامبي رغم خطاب النصر المزعوم.
في العلاقة بين إيران وحماس، تجب الإشارة إلى عداء البيئة العربية الإسلامية الداعمة لحماس، لإيران لتخليها عن غزة – وحتى عن ذراعها الإقليمي بلبنان - كما لموقفها العدائي والمتشنج والمهووس تجاه سوريا الجديدة والمتغيرات فيها إثر سقوط حليفها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، باعتباره العامود الفقري في الإمبراطورية الفارسية التي تمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، مروراً ببغداد ودمشق.
قبل الانتقال إلى البعد أو الجوهر والهدف الإقليمي للصورة الدعائية، بدا لافتاً غياب عضو الهيئة القيادية الخماسية العليا لحماس، رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، عن الصورة، كون طهران غير مرحبة باستقباله، وعليه ما كان يجب أن يذهب الوفد بدونه مع التذكير بما تعرض له عند زيارته لبيروت إثر العودة لممارسة مسؤوليته التنظيمية عام 2021، حيث رفض أمين عام حزب الله السابق حسن نصر الله، استقباله مع ضوء أخضر لمنابر الحزب والآلة الإعلامية للتنكيل به وشيطنته، بحجة دعمه الثورة السورية والثورات العربية بشكل عام.
في لبنان أيضاً، يبدو الغياب الإيراني مدوٍ، حيث لا جولات ولا حضور في مفاوضات وتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار ومشاورات انتخاب الرئيس جوزف عون وتسمية رئيس الوزراء نواف سلام - اعتبرها حزب الله كميناً له - لدرجة أن نائب وزير الخارجية وحيد جلال زادة، تسلل خلسة للمطالبة بإيواء النازحين السوريين المؤيدين لنظام الأسد، والذين يحمل بعضهم الجنسية الإيرانية، بعدما قام نظام الأسد الساقط بتجنيسهم بشكل غير شرعي أو قانوني.
بموازاة ذلك، تنأى الحكومة العراقية والجماعات المسلحة المُشغلة إيرانياً، بنفسها، ولا قدرة لها على مواجهة أميركا دونالد ترامب ونجدة طهران أو حتى تشكيل متنفس لها، بينما لا تبدو ورقة الحوثيين جادة وقادرة على فعل ذلك، في ظل ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية عليهم، خصوصاً بعد توقف إطلاق النار في غزة، وإعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية من قبل إدارة ترامب الجمهورية، ضمن سياسة الضغط الأقصى ضد إيران، علماً أن هذه الأخيرة كانت استفادت من فترات حكم الحزب الديمقراطي، خصوصاً زمن باراك أوباما، والاتفاق النووي لإقامة الخط والهلال الذي كان بتغطية وحماية أميركية في العراق، وروسية في سوريا.
في الأخير باختصار وتركيز، لا جدال في كون إيران محجمة ومحاصرة ومعزولة إقليمياً، ويأتي استقبال وفد حركة حماس تحت الضغط، ويمثل استغلالاً موصوفاً لقداسة القضية الفلسطينية وعدالتها، وهروباً يائساً إلى الأمام، وتنفس صناعي لترويج مزاعم إن التأثير الإيراني الإقليمي كما هو، والتصرف كأن شيئاً لم يكن، بدلاً من التوقف والمراجعة واستخلاص العبر والاعتراف بالأخطاء التاريخية والاستراتيجية بالدول العربية التي تبجحت طهران ذات مرة بالسيطرة عليها ضمن تقاسم ضمني وحتى صريح للنفوذ مع الشيطان الأكبر، غير أن ما نسمعه للأسف في الإعلام من تبجح وأن إيران لا تزال حاضرة ومؤثرة، يؤكد انفصامها المعتاد والتقليدي حتى عندما كانت تصف "بغداد" بعاصمة الإمبراطورية الفارسية - التي تحتل أربع عواصم عربية -، بينما تقول الآن إن أميركا تتحكم بسمائها وأجوائها وسهّلت الغارات والهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضدها، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، علماً أن أميركا تتحكم كذلك بحجم وكمية الدولارات التي تباع يومياً في أسواقها.