في بلدٍ ينوء تحت وطأة أزماته المتعددة، تتفاقم معاناة اللبنانيين مع مرض السرطان الذي بات يتفشى بوتيرة مقلقة. فوفق وزير الصحة العامة السابق، الدكتور فراس الأبيض، "عدد الإصابات وصل إلى مستويات خطيرة"، إذ استقبلت الوزارة 90 ملفاً جديداً لمرضى السرطان في غضون أسبوع واحد فقط. الأرقام الرسمية تؤكد أن لبنان يسجل واحداً من أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة، حيث وثّقت الوكالة الدولية لبحوث السرطان أكثر من 13 ألف حالة جديدة خلال عام 2022 وحده، انتهت حياة أكثر من 7 آلاف منهم. أرقام مرعبة تكشف واقعاً صحياً يئنّ تحت وطأة الإهمال والفساد، وترك المرضى يواجهون مصيرهم وسط أزمة اقتصادية تضاعف معاناتهم اليومية.معركة مرضى السرطان اليوميةوسط هذا الواقع القاتم، يبرز بصيص أمل مع مبادرة أطلقها مركز "باربارا نصار"، الذي كرّس جهوده ليكون صوت مرضى السرطان وملجأهم. فالمركز، الذي يفتتح أبوابه في منتصف الشهر الحالي، يُعدّ الأول من نوعه في لبنان للعناية التلطيفية والتكميلية لمرضى السرطان البالغين. وقد جاءت هذه الخطوة الطموحة بعد سنوات من العمل الجاد والاستعداد، لتجسّد حلم باربارا نصار، الناشطة التي كرّست حياتها لدعم مرضى السرطان ورفع الوعي بمعاناتهم قبل أن تخسر معركتها مع المرض، كما أكد هاني نصار، مدير المركز، لـ"المدن".رحلة مريض السرطان في لبنان تتحول إلى معركة يومية مفتوحة على كل الجبهات. تبدأ مع كلفة العلاجات الباهظة ولا تنتهي عند فساد يطال حتى الأدوية. ففي بلدٍ يعيش انهيارًا شاملاً، يُصبح تأمين العلاج نضالاً يوميًا، حيث تُباع الأدوية التي تصل كهبات ومساعدات في السوق السوداء، فيما يقف المرضى في طوابير طويلة أو يبحثون عن "واسطة" للحصول على جرعاتهم المنقذة للحياة.ورغم إطلاق وزارة الصحة منصة "أمان" لتنظيم توزيع الأدوية عبر مكننة حديثة، يبقى التحدي الأساسي في غياب التمويل الكافي. إذ تحتاج الوزارة إلى أكثر من 300 مليون دولار شهريًا لتغطية احتياجات المرضى، وهو مبلغ يفوق إمكاناتها الحالية، ما يترك العديد من المرضى أمام خطر الموت بسبب عدم استكمال العلاج.رعاية شاملة للمرضىمبادرة "مركز باربارا نصار" قد تخفف من معاناة مرض السرطان، أو تساعدهم في رحلتهم المستعصية لتلقي العلاج، حيال الفوضى العارمة على المستوى الرسمي. لكنها خطوة غير كافية من دون إيجاد حلول رسمية مستدامة للمرضى. وحول هذه المبادرة الجديدة يشرح هاني نصار أن المركز سيقدم رعاية شاملة للمرضى.ويلفت نصار إلى أن "إصابة أي فرد بالعائلة بمرضى السرطان يؤدي إلى حالة من الارباك والضياع وتصبح العائلة بحاجة للإرشاد والتوعية والمساعدة". وانطلاقاً من هذه الحاجة وُلدت فكرة المركز الذي لن يكتفي بتقديم رعاية شاملة للمرضى، بل الأمر يتجاوز العلاج الجسدي ليشمل الدعم النفسي والاجتماعي، من خلال التوعية والإرشاد، وهذا أحد أهداف المبادرة.سيفتتح المركز رسمياً في منتصف شباط، كما أكد نصار، شارحاً أنه بالتعاون مع مستشفى أوتيل ديو، كلية الطب في جامعة القديس يوسف، ومؤسسة "LM Swiss"، سيستقبل المركز المرضى يوميًا. وسيقدم خدماته مجانًا أو بتكاليف رمزية، بحسب حالة المريض. وبالتالي سيكون المركز ملاذًا للمرضى الباحثين عن بصيص أمل في مواجهة التحديات.أقسام المركز وتحديات الاستدامةوشرح نصار تفاصيل هذه المبادرة ومرافق المركز، التي ستكون شاملة موزّعة على أربعة طوابق:
عيادات طبية متعددة الاختصاصات تقدّم خدماتها بأسعار رمزية.
صيدلية لتأمين الأدوية اللازمة للمرضى.
مساحات نفسية واجتماعية تستقبل المرضى وأسرهم للتثقيف والإرشاد.
جلسات علاج بالفنون والموسيقى والتنفس، مثل اليوغا والرقص.
مركز للتدليك والعناية بالعطور (أروما تيرابي) والعلاج الفيزيائي.
متجر لبيع الأشغال اليدوية التي ينتجها المرضى.
هذا ويطمح القيّمون على المركز إنشاء قاعة محاضرات ومتحف خاص بمرض السرطان، بالإضافة إلى استوديو للبودكاست وورش عمل تعليمية. وسيكون هذا المركز بمثابة "بيت الكل" كما يقول نصار وليس مركزاً طبياً فحسب. بمعنى آخر "هو مساحة أمل وشجاعة، تُعيد للمرضى جزءًا من كرامتهم التي استنزفتها المعاناة، وبمثابة خطوة متقدمة في ظل أزمةٍ خانقة، لتجسيد قوة التضامن والتكاتف الإنساني في لبنان". لكن هذا الإنجاز، يواجه تحديات في الاستدامة، أي إيجاد التمويل اللازم والمستدام لمواصلة هذه المبادرة الإنسانية، وإن كان القيّمون عليه لن يستسلموا.