ضرب الثقة بين روسيا وإيران
نجحت أمريكا نجاحاً باهراً في ضرب الثقة بين إيران وموسكو بالرغم من توقيع تعاون وشراكة إستراتيجية بين موسكو وطهران، إلا أن الإتفاق ينص أن هناك تعاون وشراكة إستراتيجية بين إيران وروسيا وإن إيران وروسيا لن تساعد أو تدعم أي دولة تعتدي على إحدى الدولتين!! فهو لم يشر إلى دفاع إحدى الدولتين عن الأخرى في حال تعرّضت لهجوم، ما يشير إلى أن الإتفاق هو ضجيج إعلامي لا غير ربما تستخدمه روسيا لكسب المزيد من الهداية من أميركا ...
وإذا ما استطلعنا عن ما يقال في المحاضرات الجامعية والندوات السياسية في مراكز الفكر والتحليلات المنشورة في الصحف المحافظة التابعة للسلطة في إيران، فأنه ينظر بريبة لهذا الإتفاق، ويرى الكثير من المفكرين أن روسيا هي عنوان الخيانة ، فروسيا هي دولة معادية لإيران تاريخياً، ووقفت ضد الشعب الإيراني في الثورة الدستورية في 1905 ،وحرمت إيران بالقوة من أراضي كثيرة جداً : تركمنستان، داغستان، أفغانستان ، أذربيجان ، أرمينيا ، جورجيا، كلها كانت أراض ايرانية لغاية 1828 ،لما وقعت مع روسيا معاهدتين الأولى 1813 والمعاهدات الثانية معاهدة تركمان في 1828 ، حيث تنازلت إيران عن ربع مليون كم 2 بعد هزيمة عسكرية . وأخيراً إتفاقية بحر قزوين، كما دعم الروس صدام حسين ضد إيران، لذلك يقولون في إيران أن بوتين هو الوريث الشرعي لروسيا القيصرية والسوفيتية ويسير على النهج ذاته مع إيران إلى حد الآن.
فقد كانت إسرائيل تضرب إيران في سورية أسبوعياً ولم تقم روسيا بحمايتها. كما دعم بوتين ممر زانجيزور الذي يهدد مصالح إيران الإستراتيجية، كما وقف مع اردوغان في أذربيجان ضد إيران وبالتالي هو خائن، بحسب الصحف المحافظة الإيرانية. كما نشر موقع خبر أونلاين وهو موقع تابع لعلي لاريجاني المستشار الأعلى للمرشد، مقالة تقول ان إيران يجب أن تتوقع من روسيا الخيانة في أي وقت...
أما بالنسبة للشرخ بين إيران والصين، فهناك الآف المقالات والعديد من الدراسات العلمية منشورة في جامعات رسمية تشدد على ضرورة ألا تسمح إيران لنفسها بان تكون مجرد محطة في محور استراتيجي تقوده الصين، فموقعها الجيوبوليتيكي يجعلها من أهم نقاط طريق الحرير، فكيف لايران ان تسمح لنفسها بأن تكون دولة عادية في المحور الأوراسي الذي يضم الصين وروسيا. ففي لحظة الحقيقة وجدت إيران نفسها وحيدة أمام اسرائيل التي دافع عنها دول الناتو، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا علنا ورسميا. بالمقابل عندما قامت اسرائيل بالعملية ضد إيران، فإن المحور الأوراسي لم يكلف نفسه حتى ببيان إدانة لا من الصين ولا من روسيا بالرغم من أن إيران هي عضو رئيسي في هذا المحور، وقد فوجئ الإيرانيين وصدموا من مواقف روسيا والصين.
إيران تضاهي أمريكا دهاءً وذكاءً وحنكة
تتشابه إيران وامريكا باعتمادهما بشكل كبير على مراكز الفكر إذ أن أكثرية الرؤساء في إيران هم أصحاب مراكز فكر، كذلك في أمريكا فإن سياستها تضعها مراكز الفكر، لذلك حينما استشعرت إيران بأن مرحلة ترمب هي إهداء الصين وروسيا الهداية مقابل إخضاع إيران، قامت من تلقاء نفسها بالخضوع للأمريكي ريثما تنتهي فترة ترامب لتعود بعدها إلى سياستها التوسعية، ما يعتبر خطوة ذكية من إيران تحاول الالتفاف بها على أمريكا.
إذ أن أكثرية المسؤولين الإيرانيين يؤيدون التفاوض المباشر، وليس الغير مباشر كما حصل سابقاً، مع أمريكا وعلى رأسهم فريق الرئيس بزشكيان الذي وعد في البرنامج الانتخابي له بضرورة الانفتاح على العالم وطبعا منهم الشرق والغرب. و نائب الرئيس الأول محمد رضا عارف وهو من أكبر كبار الإصلاحيين، و نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق و مهندس الاتفاق النووي في 2015 ،فهو ينادي صباحاً مساء بأن الحل الوحيد لحل كل المشاكل الإيرانية وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية التي تؤرق الناس هو التفاوض مع أمريكا، وأيضاً وزير الخارجية عباس عراقجي وهو كبير المفاوضين في الاتفاق الأول، أما الذي يرفض التفاوض أو يتحفظ عليه بشكل أو بأخر ويضع شروط صعبة جدا، فهو الحرس الثوري و جماعة تجار العقوبات اللذين برزوا في إيران في أواخر 20 أو 30 سنة، وقد جنوا ثروات كبيرة من هذه العقوبات و السوق السوداء للنفط، فكان تجار العقوبات من المسؤولين يشترون النفط الإيراني بأبخس الأثمان من ثم يتم تهريبه إلى العراق على ظهر البغال لبيعه هناك، وكما في إيران كذلك في أمريكا فهناك طبقة من السياسيين المتقاعدين قد استفادوا جداً من هذه العقوبات، إذ أنهم كانوا يشترون النفط الإيراني حيث يتم إستبداله في عرض البحر ليباع في أمريكا، وقد كشفت صحيفة نيو يورك تايمز مستندات رسمية تشير إلى دخول سفينة نفط إيرانية إلى أمريكا في عز الحظر الأمريكي على النفطي الإيراني !!! ومن المثير للدهشة أنها تبرر دعوتها للمواجهة مع أمريكا بالقول ان امريكا دولة ظالمة وهي تمول وتعطي إسرائيل السلاح وتقتل الاطفال، أي انها تتلطى تحت شعارات إنسانية لتغطي السوق السوداء النفطي التي تستفيد منه.
لذلك سوف ترضخ إيران لأمريكا مؤقتاً لحين إنتهاء ولاية ترامب، وأبرز ما يتداول به في إيران عن التفاوض والرضوخ لأمريكا خلال حكم ترامب وتجنيب إيران كأس العقوبات وربما الضربات العسكرية هو:
تجميد البرنامج النووي وعدم تصدير المسيرات والأسلحة لكوبا وفينزويلا وروسيا، أما البرنامج البالستي فقد تضرر بشكل كبير جراء الضربة الإسرائيلية، إذ أن المسؤولين الإيرانيين يرون أنهم باتوا يمتلكون الأسرار التقنية لتصنيع القنبلة النووية كما هو الحال مع اليابان وألمانيا فهم قادرون على تصنيع قنبلة نووية في أقل من أسبوعين إذ أنهم يمتلكٌون الأسرار التقنية لكن لا يمتلكون القنبلة النووية.
إلا أنه بعد فترة ترامب وحين تبدأ الحرب على الصين فمن المؤكد أن تستغل إيران هذه المرحلة لإعادة بناء امبراطوريتها، إذ أن الرئيس المقبل سوف يكون عنوان حكمه، الحرب بالوكالة على الصين، ومن أبرز مهامه منع التحالف الإيراني الصيني، فهل تلجأ أمريكا لسياسات الخطف وطلب الفدية مع إيران، إذ أنها خطفت منها سورية، فهل تعيدها مقابل تعاون إيراني أو عدم دعم إيراني للصين خاصةً تزويدها بالطاقة برياً مقابل إعادة ما خطف منها؟
ألم تساعد أمريكا مصر السادات على إعادة سيناء لمصر في حرب 1973 كما فصلنا في كتاب "أكثر ما يرعب أمريكا ليست الصين ولا روسيا" معتمدين على ثلاثة مراجع أبرزها روبرت دريفيس في كتابه " لعبة الشيطان" ومذكرات الفريق الشاذلي وشهادة طيار روسي على قنات RT. إلا أن السادات تميز بذكاء حاد، أما إيران فطمعها يكاد يلامس الغباء، أما أبرز الأوراق التي تمتلكها إيران بوجه أمريكا فهما اثنتان لا غير:
أولهما تشكيل ضغط على إسرائيل من خلال حزب الله، حماس، والحوثي وبالتالي إغراق أمريكا في المنطقة، ما يشكل عبء عليها يمنعها من التفرغ للصين، فقد قلنا في كتاب "أمريكا وروسيا القطب الواحد، إبداع في صناعة الأعداء والأصدقاء" أن أمريكا من بعد اكتشاف تقنيات استخراج النفط الصخري وتربعها عل عرش إنتاج النفط في العالم ، وهي تبحث سبيل للانسحاب من الشرق الأوسط ، وقد قامت بتسليمه لروسيا على نار حامية ، لعدة أسباب ابرزها: أن روسيا تقف على مسافة واحدة من إيران وإسرائيل لا بل تميل لإسرائيل وبالتالي تضمن مصالح إسرائيل وقد سلمتها سورية لذلك ،و قد عرضنا وثيقة تثبت طلب أوباما من المخابرات الأمريكية دعم المخابرات الروسية في سوريا ... ، وإغراق روسيا بمشاكل الشرق الأوسط مع إمكانية تفجير داعش وغيره بوجهها في حال تمردت على أمريكا، وثالثاً لتقف في وجه الصين إذ ما ارادت الصين الدخول إلى الشرق الأوسط أو لزرع الشقاق بين الصين وروسيا في تقسيم إرث أمريكا في المنطقة. ما معناه أن تسليم المنطقة لروسيا على نار حامية كان خطوة عبقرية قامت بها أمريكا على كل الصعد.
إلا أن روسيا وفي سبيل التخفيف عن حربها مع أوكرانيا قامت بضخ كمية أسلحة وتقنيات لإيران والتخطيط لطوفان الأقصى الذي كان حاجة ماسة لإيران لوقف التطبيع السعودي الإسرائيل بالرغم من نفي إيران ذلك والقول بأنها تفاجأت بالطوفان واحرجت، فقد هددت إيران السعودية قبيل التطبيع بأنها سوف تجعلها تدفع ثمنا كبيراً لذلك، وقد كشف الصحافي الاستقصائي الأمريكي الشهير Woodward،
Bob في كتابه الجديد "WAR” أن الأمير محمد بن سلمان قال لبلينكن، أنا أريد دولة فلسطينية في مقابل التطبيع مع إسرائيل. فرد عليه بلينكن: يا سمو الأمير! الإسرائيليون يعتقدون أنك غير جاد في المطالبة بدولة فلسطينية، وأن ما تقوله مجرد كلام، فقل الحقيقة، هل فعلا أنت تريد دولة فلسطينية كشرط للتطبيع مع الإسرائيليين؟ فقال له التالي: أريد ليس مهما، وهو يضع يده على قلبه، يعني فكرة أريد دولة فلسطينية، هذه مسألة ليست مهمة، إلا انني أحتاجها، نعم لسببين: أولا أن 70 في المئة من شعبي أصغر مني، وهؤلاء لم يكونوا يهتمون بالقضية الفلسطينية ولا بالصراع الإسرائيلي العربي أو الفلسطيني، لكنهم بعد 7 أكتوبر بات هذا أكثر ما يشغلهم. السبب الثاني هو أن دول أخرى في العالم العربي والعالم الإسلامي تهتم بشدة بالقضية الفلسطينية، وأنا لن أخون شعبي... إلا أن ترمب ممكن أن يذهب بعيداً إذ أنه يهدد بضم الضفة إلى إسرائيل في حال رفضت السعودية التطبيع !!!
كما أن طوفان الأقصى كان حاجة صينية لإغراق أمريكا في المنطقة لئلا تتفرغ لها وتمنعها من إحتلال تايوان وتدجيجها بالسلاح، كما أنه كان حاجة ماسة لحماس لإيقاف الغطرسة الإسرائيلية اليومية وقضم الأراضي والحقوق الفلسطينية.
الا أن إيران تخطت الخطوط الحمر حين تآمرت مع الصين وروسيا على هندسة طوفان الأقصى، واستمرت جاهدةً لإغراق أمريكا في المنطقة وابتزازها. ولم تتصرف بذكاء وقناعة الرئيس السادات حين إكتفى بسيناء وذهب إلى التطبيع، فأطماع إيران كثيرة هي ولسوف نفصلها لاحقاً ... إلا أن الميدان أثبت أن أمريكا تفوقت بشكل كبير على روسيا والصين وإيران استخباراتياً وتكتيكياً وتقنياً و عسكرياً، فهي خططت لهذه المعركة منذ زمن ، فهي تدرك أن من يريد اغراقها في المنطقة عن طريق مسكها باليد التي تؤلمها أي إسرائيل، إذ أن من أبرز الأسلحة التي تلجأ إليها أمريكا هو الخنق الاقتصادي للبلد مع تشجيع الطبقات الفاسدة فيه، إذ أنه إذ ما إجتمع الخنق مع الفساد سوف يكون هناك هوة ساحقة بين المجتمع والسلطة، وبذلك تتم شراء الذمم بأبخس الأثمان ويتم خيانة السلطة انتقاما من الطبقة الفاسدة المسيطرة، فما عجزت عنه إسرائيل في 2006 قد حصلت عليه بسهولة الأن بعد اعوام من الخنق والفساد دفعت بيئة الحزب والحزب وإيران وسورية إلى التخلي عن معتقداتهم ، ونجحت أمريكا بقسم ظهر محور المقاومة، وسحبت مؤقتاً هذه الورقة من إيران، إلا ن إيران لن تتعب من إعادة إحياء محور المقاومة، فسياستها الخارجية قائمة على أيديولوجيتين، الأولى محور المقاومة والثانية ايديولوجية أم القرى. وقد سوق لنظرية أم القرى الفيلسوف والباحث الإيراني محمد جواد لاريجاني، وهو أخ علي لاريجاني، المستشار الأعلى للمرشد، وكان رئيس مجلس النواب الإيراني، ملخص هذه النظرية أن أم القرى هي الكعبة ويجب أن تكون لإيران بما أنها المدافع الأول عن مصالح العالم الإسلامي. كما أن هناك مؤتمرات في إيران وخطط خمسينية للسيطرة على الخليج. حتى أن البعض يذهب للقول إلى أن الهدف العميق لإيران هو أم القرى وتستغل محور المقاومة لذلك، كما أن حرب إيران على إسرائيل ليس هدفها إزالة إسرائيل انما وسيلة للضغط على أمريكا لتسليمها المنطقة وعلى رأسها الخليج ...فإصرار إيران على حل الدولة الواحدة حيث يتساوى فيها اليهودي والفلسطيني وليس حل الدولتين دليل على أن من يطلب المستحيل ليس هدفه حل للمشكلات انما بقاؤها للاستفادة منها...
هذا الطمع الإيراني دفع اميركا إلى خطف سورية من إيران وبالتالي عزل حزب الله، أما الحوثي فبحسب Reuters تستمر في دعمه عن طريق عمان، فل تكون سياسة أمريكا مع إيران الخطف من ثم طلب الفدية مقابل عزل الصين مستقبلا مع الرئيس القادم بعد ترامب، إذ أن إيران تمتلك ورقة ثانية لابتزاز أمريكا وهي قدرتها على تزويد الصين بالنفط والغاز برياً عن طريق باكستان وأفغانستان، بعيداً عن اساطيل أمريكا إذا ما لجأت أمريكا لسياسات تجفيف منابع النفط وغلق مضيق ملقا الذي يعتبر القصبة الهوائية للصين.
صحيح أن إيران سوف ترضخ لأمريكا إلا أن إيران لن تستكين قبل إنعاش محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله فهي تعمل على إستبدال تهريب السلاح برياً عبر سورية بضخ كمية كبيرة من الأموال المهربة جواً لشراء السلاح، كما أنها بدأت بدعم الاكراد في سوريا وقد كشف الأتراك عن صفقة ما بين إيران وما بين قوات سوريا الديمقراطية. فقد ذهب فد من قوات سوريا الديمقراطية للعراق وقابل وفد من إيران وتم الإتفاق على صفقة لتوريد ١٥٠٠ طائرة شاهد الإيرانية الانتحارية إلى قوات سوريا الديمقراطية وتزويدهم بمنظومة الدفاع الجوي التي زودت إيران بها الحوثيين ونجحوا من خلالها بإسقاط ال إم كيو 9 الأمريكية بطريقة فعالة.
وبذلك تفتح نافذة وورقة تتفاوض بها مع الأتراك ومن خلالها مع الشرع، إذ أن قوات سوريا الديمقراطية والعراقيين والإيرانيين قد يتغلبوا على الرصد التركي من خلال تفكيك الطائرات المسيرة الإيرانية وادخالها سورية من ثم تجميعها وقد يتم استخدامها لضرب تركية ما يسبب مشاكل جمة لأردوغان يدفعه للتفاوض مع إيران أضف إلى قرب إيران من الأخوان المسلمين.
)يُتبع (