تتصدر الانتخابات الانتخابات الفيدرالية لمجلس النواب "بوندستاغ"، المشهد السياسي في ألمانيا. ويتزايد النشاط الميداني والزخم الانتخابي عند الأحزاب السياسية المتنافسة، مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث بات من السهل رؤية المندوبين الانتخابيين في الشوارع أو داخل المقاهي والحانات والمطاعم.
خلال نهاية الأسبوع، يجول المندوبون على الأبنية السكنية للتواصل المباشر (door to door) مع الناخبين. وشهد المشهد السياسي الألماني بلبلة على وقع إقالة المستشار الألماني أولاف شولتس، لوزير المالية وزعيم الحزب اللليبرالي الحر كريستيان ليندر، من حكومته، مما دفع البلاد باتجاه انتخابات مبكرة. ومرت حكومة "تحالف إشارة المرور" التي ضمت الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD)، حزب الخضر (GRÜNE) والحزب الديمقراطي الحر (FDP)، بالعديد من النكسات في السياسة الخارجية، بدأت بالغزو الروسي لأوكرانيا وصولاً لتنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحربه الجمركية المنتظرة، بينما تبدو النكسة الكبرى دولياً عند الكثير من الناخبين، هي المواقف الداعمة لإسرائيل في حربيها على غزة ولبنان، ومحاولة عرقلة عمل المحكنة الجنائية الدولية برفضها لتنفيذ مذكرة التوقيف الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
خيبة أمل
تظهر خيبة الأمل بوضوح عند الكثير من الألمان، بينهم الألمان من أصول عربية، الذين يرون أن بلادهم كانت متواطئة في حرب الإبادة في غزة، كما يصرّ باسل مخولي، عضو اللجنة الإدارية في حركة (MERA25 – Deutschland)، وهي الفرع الألماني لحزب (DieM25) الأوروبي، الذي أسسه الاقتصادي ووزير المالية اليونانية يانيس فاروفاكيس الذي كان من أشد المعارضين لخطة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل الاقتصادية في اليونان، عقب انهيار الأسواق العالمية.
وكان الحزب الذي شارك في انتخابات البرلمان الأوروبي في اليونان وألمانيا وإيطاليا، قد خاض انتخاباته حينها تحت عناوين العدالة الاجتماعية والإصلاح الديمقراطي وحماية البيئة. ويصرّ مخولي (حاصل على الجنسية الألمانية)، المولود في الأراضي المحتلة وهو من عرب الـ48، أن مقاربتهم للعمل السياسي تقوم على انحيازهم لحقوق الإنسان في العالم، وفي فلسطين، والتي ارتُكب فيها بحسب المحكمة الجنائية الدولية، حرب إبادة كما يشير. ويؤكد ان الحركة تعرف عن نفسها كيسارية تقدمية، وهي تقف مع حقوق الانسان بوجه اليمين المتطرف، ويعرّف عن قرارات اليمين بإعادة اللاجئين إلى بلادهم ب"عمليات التهجير".
عنصرية ضد العرب
يواجه العرب كما غيرهم من اللاجئين تزايداً في الخطاب العنصري من قبل الأحزاب المتطرفة اليمينية، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا الذي يتصاعد نفوذه في عدة أقاليم شرقي البلاد. ويتبى حزب البديل خطاباً يقلق الأحزاب الوسطية الألمانية باعتبارها شعبوية وتفضى إلى العنصرية والعنف.
ومنذ العام 2019، أعلنت الأحزاب بناء "جدار الحماية" الذي يوقف أي شكل من أشكال التعاون بينها وبين البديل واليسار، لكن تحالف الاتحاد المسيحي بشقيّه البافاري (CSU) والألماني (CDU)، بقيادة مرشحهم لمنصب المستشار فريدريك ميرتس، كسرهذا الجدار، بعدما مرّر اقتراحاً رفقة الحزب الديمقراطي الحر، بالتعاون مع حزب البديل اليميني، يهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية، مما دفع مئات الآلاف للتظاهر في مختلف المدن الألمانية اعتراضاً على هذا التعاون.
ويؤكد مخولي لـ"المدن"، أن الأحزاب التقليدية جزء من المشكلة، لأنها تخلق وهم التطرف لكل من يعارضها، حيث تُتهم حركتهم بـ"معاداة السامية" بسبب دعمها للقضية الفلسطينية. بينما تعتبر سلسبيل حمداش، ذات الأصول الجزائرية، والمرشحة في إقليم شمال الراين-وستفاليا، أن الاحزاب التي تصنف نفسها كوسطية، هي مشاركة بشكل كبير في زيادة الشرخ بسبب القرارات التي تبنتها في الحكومات السابقة، ومواقفها العامة من القضايا الخارجية الدولية وتعاملها مع ملفات اللاجئين وتصاعد نفوذ اليمين، وعدم رسمها لخطط واضحة لكيفية التعامل مع البديل سياسياً.
التصويت "الذكي"
لكن القضايا الأساسية للناخبين، لا تغيب عن بال الحركة، التي تتبنى التحوّل البيئي الأخضر عبر فرض التكلفة على المستهلكين الأعظم للبيئة وليس المواطنين أو الدولة، وترى أن رأس الأولويات هو قضية السكن في المدن الكبرى. وتشدد حمداش لـ"المدن"، على أن الحماية الاجتماعية يجب ان تشكل أساساً للعمل السياسي، حيث تتوافر الموارد للقيام بذلك عبر إصلاحات اقتصادية وضريبية.
تخاطب الحركة رغم حداثة نشأتها، المجتمع العربي في مناطق تواجدها على قدر إمكانياتها، من خلال توزيع المنشورات العربية أو التواجد في الأنشطة والمظاهرات والتجمعات العربية. وتدرك الحركة أن التعاطف العربي واسع معها، لكنها تدرك صعوبة اختيار الناخبين لهم بسبب "التصويت الذكي" كما يسميه الألمان، لقطع طريق مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) على حزب البديل اليميني وحلفائه، ولتضمن أن لها صوتاً في المجلس المقبل. ترفض حمداش المبدأ، وتؤكد أن الناخبين يجب أن يدركوا أن الأحزاب التقليدية لن تغيّر طريقة عملها وإدارتها للملفات، فـ"التوصيت الذكي" يضر بالأحزاب الناشئة ولا يفيد الأحزاب التقليدية التي هي بغنىً عن أصواتهم.
في السياق نفسه، تشدد المرشحة ذات الأصول الجزائرية، على أن المجتمعات العربية، وبالأخص الفلسطينية واللبنانية، لديها الكثير من الشكوك حول نوايا الأحزاب، والحديثة منها بشكل أكبر، نظراً لتلقيها عدة صفعات من الحزب الاجتماعي الديمقراطي وحزب الخضر. وتقول إن الألمان ذوي الأصول العربية، لديهم طموح برؤية أشخاص يشبهونهم، وليس فقط "البيض"، حيث ترى أن جميع المواطنين متساوون ولديهم نفس الحقوق بالدولة. بينما يصر مخولي على أنهم أوروبيون عرب، ويفتخرون بأوروبيتهم كما بأصولهم العربية.
تدرك الحركة صعوبة وصولها لـ5% من مجمل الأصوات التي تخوّلها دخول البوندستاغ، لكنها تناضل للوصول إلى 0.5% كي تتمكن من الحصول على دعم فيدرالي مالي يمكّنها من خلاله مأسسة عملها للانتخابات المقبلة. وكانت الحركة قد نالت 0.3% من مجموع الأصوات الألمانية في الانتخابات البرلمانية الأوروبية العام الماضي. وتتطلع للانتخابات البلدية المزمع عقدها في خريف العام الحالي، حيث تسعى للفوز ببضعة مقاعد على الصعيد المحلي. وتؤكد حمداش أنهم يعملون لإنشاء فرعٍ للحركة في هولندا أسوة بباقي الأفرع التي تم إنشائها.
الصورة تبدو مشحونة في كبرى دول الاتحاد الأوروبي، والمشهد الألماني يبدو مشوّشاً، ويمكن الجزم بأن نتائج انتخابات 23 شباط/فبراير، ستحدد مساراً جديداً للعديد من القضايا الدولية، كما الداخلية. بطبيعة الحال، يتخوّف الألمان من موجات من الخطاب العنفي والعنصرية في حال فوز اليمين، ويجزم معظم الناخبين كما الحركة الناشئة، بأن ديمقراطيتهم في خطر بحال استطاع اليمين زيادة حضوره في البوندستاغ.