تسرّبت معلومات عن الخسائر الإيرانية جراء الضربة الإسرائيلية على إيران في 26 أكتوبر 2024، ففي حين ظهرت في البدء أن الضربة كانت شكلية ولم تتخطى الخطوط الحمر الإيرانية، أي ضرب المفاعلات النووية ومحطات تكرير النفط الإيراني، إلا أن الضربة آلمت إيران كثيراً، خاصة أنها تعرضت لخيانة روسية كبيرة ربما كان السبب الرئيسي بمجيء ترامب رئيساً لأمريكا!
إذ قد سبق الضربة الإيرانية مفاوضات بين أمريكا وإيران عن طريق طرف ثالث وهو روسيا، حيث لجأت أمريكا لروسيا لإقناع إيران بالموافقة على ضربة إسرائيلية محدودة كرد على الضربات الإيرانية الأخيرة رداً على اغتيال هنية والسيد حسن نصر الله، وقد بررت أمريكا ذلك بأنه كان يجب على إيران الرد على إسرائيل باغتيال شخصيات كما ضربتها إسرائيل وليس بالصواريخ، فإسرائيل لم تضرب العمق الإيراني لكي ترد عليها إيران بضرب العمق الإسرائيلي، بالرغم من إفراغ إيران الصواريخ من حمولاتها المتفجرة، لذلك عرضت أمريكا على إيران القبول بقيام إسرائيل بضربة محدودة دون الرد، و قدمت لها أربعة وعود :
أولاً: عدم الاقتراب من المفاعلات النووية والمنشآت النفطية.
ثانياً: الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة ولبنان.
ثالثاً: رفع مجموعة من العقوبات الاقتصادية وتصدير شحنات إضافية من النفط الإيراني.
رابعاً: الإفراج عن بعض المليارات المجمدة في البنوك الأوروبية.
لكن بالرغم من ذلك رفضت إيران العرض الأمريكي لأنها لا تثق بأمريكا، فقد شعرت أن هناك فخ يُنصَب لها للسماح بالطائرات الإسرائيلية الدخول إلى الأجواء الإيرانية ومن ثم ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. لذلك لجأت أمريكا إلى بوتين للتوسّط بينها وبين إيران، و قد قابل بوتين الرئيس الإيراني شخصياً وقدم له ضمانات روسية للعرض الأمريكي عارضاً عليه أن تختار إيران المواقع الأربعة المزمع ضربها ، مقابل مكاسب جمة لإيران وأيضاً لروسيا في حربها على أوكرانيا، فكان رد الرئيس الإيراني أنه لا يعترض على مبدأ رد إسرائيل عل الصواريخ الإيرانية ، إنما المشكلة في عدم ثقته بأمريكا كوسيط ، لأنه يمكن أن تنصب له فخ وتقوم الطائرات الأمريكية بضرب إيران والمفاعلات النووية، لذلك عرض بوتين على الرئيس الإيراني أن تقوم إيران بإعطاء بوتين إحداثيات المواقع التي ستسمح بضربها وسوف يقوم بوتين بتفعيل الدفاعات الجوية في بحر قزوين لتشارك بصدّ أي هجوم يخرج عن الاتفاق، وضرب الطائرات الإسرائيلية في حال لم تلتزم بالاتفاق، وسوف تقوم روسيا بإعطاء إيران منصات دفاع جوي S300 إلى جانب المنظومات الموجودة لحماية المنشآت النووية والنفطية، وسوف تمدّ روسيا إيران بكل المعلومات الاستخباراتية من الأقمار الصناعية الروسية وأهمها تحركات القوات الإسرائيلية من قواعدها العسكرية وخط سير الطائرات الإسرائيلية التي ستضرب إيران و قدراتها التسليحية بمجرد انطلاقها من إسرائيل إلى حد الوصول لإيران... إزاء كل هذه الضمانات الروسية وجد الرئيس الإيراني العرض مغري جدا ووافق عليه.
لكن المفاجأة كانت أن روسيا لم تلتزم بوعودها، فقد سلمت إيران روسيا إحداثيات أربع مواقع عسكرية إيرانية لتقوم إسرائيل بضربها وهي منشآت يستخدمها الحرس الثوري لمراقبة الحدود العراقية، وقد سحبت إيران جنودها من هذه المواقع قبل إعطاء الإحداثيات لروسيا لتقوم إسرائيل بضربها. لكن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاق والأخطر من ذلك أن الدفاعات الجوية الروسية لم تتحرك لحماية إيران كما وعد بوتين! أما إسرائيل فقط ضربت بدل الأربع أهداف، عشرين هدف في قلب إيران بينها مصانع لتصنيع الصواريخ البالستية التي استخدمتها إيران لضرب إسرائيل.
وحين بدأ الهجوم بَلَّغت روسيا إيران بخط سير الطائرات وعددها، وهنا أدركت إيران أن الهجوم أكبر بكثير من المتفق عليه لأنها تبلّغت أن هناك مئة طائرة في الهجوم !! ولم تُفعّل روسيا دفاعاتها الجوية في بحر قزوين كما وعدت!
كما قامت إسرائيل بضرب الدفاعات الجوية الإيرانية لكي تتمكن من ضرب أهدافها في إيران بدون أي عائق، وقد استخدمت إسرائيل المسيرات التي اطلقها عملاؤها من داخل إيران تزامناً مع الضربات الإسرائيلية، فقد أطلق هؤلاء العملاء مجموعة من المسيرات لضرب أنظمة الدفاع الجوي الإيراني إذ أنها تطير على علو منخفض أقل من مدى الرؤية الخاصة بمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية، ففي حين كانت منصات الصواريخ الإيرانية تبحث عن طائرات الـ F-35 والـ F-15 التي أبلغتها روسيا بانطلاقها، قام العملاء بإطلاق طائرات مسيرة من داخل إيران لضرب منصات الصواريخ...
لذلك فشلت منصات الصواريخ الإيرانية في اعتراض الكثير من الصواريخ الإسرائيلية، لكنها نجحت في اعتراض بعض منها خاصة تلك التي كانت تزمع استهداف موقع للرادارات الذي يؤمن مصفاة عبادان للنفط وهي أكبر مصافي النفط الإيرانية، فقد أسقطت الدفاعات الإيرانية الصواريخ الإسرائيلية، وهناك موقع آخر فشلت إسرائيل في استهدافه وهو مصنع بيترو كيماويات، واستطاعت إيران إسقاط كل الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفته إلا أن هناك مواقع لم تستطع إيران حمايتها وهو موقع بارشين حيث يتم تصنيع الصواريخ متوسطة المدى، وموقع خوجير الذي يبعد 2 كيلو متر فقط من بارشين وهو مسؤول عن إنتاج الصواريخ بعيدة المدى كما أنه يضم الخلاطات المسؤولة عن إنتاج الوقود الصلب الخاص بالصواريخ البالستية، مع العلم أن إيران تعاني من مشكلة الخلاطات إذ أنها لا تُصنَع داخل إيران بل تستوردها من الخارج وبالتالي لو نجحت إسرائيل في ضرب الخلاطات تكون قد حرمت إيران من إنتاج الصواريخ لفترة طويلة، إلا أن الدهاء الإيراني توقّع الغدر الإسرائيلي فقامت إيران، كما يزعم بعض المسؤولين، بنقل الخلاطات الحقيقية إلى مواقع سرية قبل الضربة وثبتت مكانها خلاطات وهمية لكي لا تتعرض إيران لضربة كالتي تعرضت لها في 2020 حيث تعرضت إيران لانفجار مفاعل نطنز عبر هجوم إلكتروني، كما ضربت المنشآت الأخرى من خلال مسيرات اطلقت من داخل إيران، ومن بين الأهداف التي ضربت كانت خلاطات الوقود الصلب حيث اضطرت إيران لشراء خلاطات بعد فترة طويلة. إلا أن صحيفة فاينانشال تايمز ذكرت نقلا عن معلومات مخابرات من مسؤولين أمنيين في بلدين غربيين أن سفينتي شحن إيرانيتين تحملان مكونا لوقود الصواريخ ستبحران من الصين إلى إيران في الأسابيع القليلة المقبلة.ونقلت الصحيفة إن كمية بيركلورات الصوديوم يمكن أن تنتج 960 طنا من بيركلورات الأمونيوم، وهو ما يكفي لصنع كمية قدرها 1300 طن من الوقود، والتي يمكنها تزويد 260 صاروخا إيرانيا متوسط المدى.إلا أن بيركلورات الصوديوم يحتاج خلاطات لإنتاج الوقود الصلب ، ما يعني أنه بالفعل خدعت إيران الطائرات الإسرائيلية واستبدلت الخلاطات بخلاطات وهمية.
كما ضربت إسرائيل موقع شهروك على بعد 350 كم شرق طهران حيث يضم مكونات لإنتاج صواريخ بعيدة المدى، وبذلك ضربت إسرائيل صناعة الصواريخ البالستية ضربة موجعة، إلا أن وزير الدفاع الإيراني صَرّح أن كل مكونات الصواريخ هي تصنيع محلي ولذلك ممكن التعافي من هذه الضربة سريعا، إلا أن إسرائيل بدأت تخطط لضربة ثانية حسب تصريح نتانياهو بعدم نسيانه ضرب المفاعلات النووية ما يعني أن إسرائيل بضربتها الأولى تمهد لضرب المنشآت النووية، لذلك يرى المسؤولون العسكريون الإيرانيون ضرورة ضرب إسرائيل لمنعها من تكرار مهاجمة إيران النووية كما أن الاعتماد على روسيا لم يجدي نفعا، أما وزير الخارجية الروسية فقد أعلن عن شراكة استراتيجية شاملة بين موسكو وطهران وقد تم توقيعه فعلاً إلا أنه لا يتعدى الضجيج الإعلامي كما سنفصله لاحقاً.
الدولة العميقة الأمريكية
لا شك أن أمريكا هي من أهم الامبراطوريات على مر التاريخ ولا شك أن سياساتها وخطتها المعقدة لا يستطيع أحد فك شيفراتها إلا بعد أن يمر عليها عشرات السنين، ولا شك أن الدولة العميقة الأمريكية التي تتكون من جناحين، الجناح المالي حيث تجتمع فيه كبار الشركات الأمريكية التي تقبض على رقبة المال في أمريكا وفي العالم، حتى أن هناك شركات ك Black Rock تدير أكثر من 15 تريليون دولار من الأصول العالمية، و الجناح الآخر هو الجناح الفكري حيث يضم كبار ونخبة العباقرة والمفكرين، واللذين بتوجيه من الجناح المالي وبتحليل المعلومات التي تصل لهم من أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تكلف الخزينة الأمريكية ٨٠٠ مليار دولار سنوياً، يضعون خططا تمتدّ لعشرات السنين، إذ أن كل خطوة في المخطّط تحتاج سنين لتنفيذها، كمثال إنشاء داعش، أو خنق اقتصادي لبلد ما بهدف اخضاعه وخلق فجوة بين المجتمع والسلطة بهدف تحويل أكثرية شعبه إلى عملاء ضد السلطة ... كل هذه الخطوات تحتاج سنوات وربما عشرات السنين لإنضاجها، وقد تتغير الخطة بحسب رد فعل المستهدف، كمثال روسيا ، إذ أن موقف بوتين من الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية هو من قرر الرئيس الأمريكي المقبل، لذلك لو إستمر بوتين بنهج العداء لأمريكا لذهبت الرئاسة للديمقراطي واستمرت الحرب على روسيا، وبما أن بوتين تعاون مع أمريكا في الملف الإيراني ومن المرجح في الملف الصيني كما تعاون في الملف السوري والذي كان عبارة عن تسلّم وتسليم للسلطة، إذ أنه من الواضح أنه قد تم إستبدال سوريا بليبيا حيث تم نقل الاسلحة الاستراتيجية الروسية من سورية إلى ليبيا، وكما هو متوقع إعطاء روسيا الأقاليم الأربع الأوكرانية مقابل التنازل عن سورية و الإنتقال إلى الضفة الأمريكية، وبذلك تكون روسيا قد ضربت إيران ضربة ثانية موجعة، فمن الممكن القول أن بوتين بتعاونه مع أمريكا إختار بطريقة غير مباشرة الرئيس الأمريكي، فلو بقي بوتين معانداً لأمريكا ومسانداً لإيران لإغراق أمريكا في المنطقة ، لذهبت الرئاسة للديمقراطي لتستمر الحرب على روسيا و فتح المزيد من الحروب عليها كمثال جبهة البلقان و القوقاز و غيرها ، و من المثير للدهشة أن بايدن حتى أخر يوم من حكمه، زاد من الضغط الشديد على بوتين و روسيا، فقد أمر بإدراج كل من يتعاون مع النفط الروسي من موانئ و سفن و شركات على لائحة العقوبات الأمريكية، إضافة إلى تزويد زلينسكي بالصواريخ البعيدة المدى لضرب روسيا ، كل ذلك دليل قاطع أن هناك دولة عميقة تنسّق كل هذه القرارات، إذ أن هذه الضغوط على روسيا من قبل بايدن حتى آخر يوم من حكمه ليست عبثيّة، فبالرغم من أن ترامب سوف يلغي هذه القرارات بمجرد استلامه الحكم إلا أن ذلك يعطي زخماً كبيراً لترامب إذ أنه سوف يقبض ثمن إلغاء هذه القرارات من بوتين، لذلك قلنا أن هناك عقل واحد ينسق و يوزع الأدوار بين الرؤساء و ينتخب الرئيس بحسب سلوك المُستهدَف و يصنع شخصيات عديدة لرؤساء أمريكا يتم إختيار رئيس منها بحسب الظرف، وتجاوب أو عدم تجاوب المُستهدَف .
يُتبع