2025- 03 - 13   |   بحث في الموقع  
logo بعد اختطافه من قبل العدو.. الجيش يتسلّم الجندي زياد شبلي logo التعيينات العسكرية والأمنية على طاولة مجلس الوزراء logo اكتشاف "تاريخي"... العثور على سفينة البشر الأولى! logo قطر تطلق مبادرة لدعم الكهرباء في سوريا logo للموافقة على اتفاق يُنهي الحرب... قائمة مطالب من موسكو logo رغم مقترح وقف النار... روسيا تعترض طائرات مسيرة فوق أراضيها logo قرار يُثير جدلًا واسعًا... ودعوة عاجلة للتراجع: "رزقنا مهدّد"! logo بوتين يخطط لتأجيج الصراعات العالمية!
في قبرص...متحف البربرية
2025-02-08 12:25:57

يستوقفني ضابط الجوازات القبرصي في مطار لارنكا، بعدما ختم جواز سفري البريطاني. يستعيده ويدقق فيه ويسألني إن كنت مصري الأصل، فأردّ بالإيجاب، ويردد هو اسمي الثالث، بطرس، مرتين بصوت منخفض ثم يغمز لي بعينه ويبتسم. أردّ بغمزة وابتسامة من باب التأدب، فيغمز مرة أخرى ويدعني أمر. أقول لنفسي: يبدو أني حظيت باستقبال أخوى أرثوذوكسي عند بوابة الجزيرة.تمتع الأقباط بحضور مستقر في قبرص بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. وتشير المخطوطات القبطية لكنيسة الإسكندرية، إلى عدد من الكنائس وثلاثة أديرة هناك، وأسقف قبطي بإسم الأنبا ميخائيل، لقبرص ومعها جزيرة ردوس. وعلى خلاف الموارنة الذين وصلوا إلى قبرص قبلهم مع الصليبيين المنسحبين من بلاد الشام، ارتفعت وتيرة توافد الأقباط مع استيلاء المماليك على الجزيرة. اختفى الأقباط القدماء من الجزيرة، بحلول القرن الثامن عشر، إذ لا يوجد ذِكر لهم في التعدادات العثمانية. بقى الموارنة إلى اليوم ويشكلون واحدة من الإثنيات الأربع المعترف بها رسمياً في قبرص، إلى جانب القبارصة اليونانيين والأتراك والأرمن. مثل الحجاج المسيحيين الأوائل الذين مروا بقبرص في طريقهم من أوروبا إلى القدس، أصل أولاً إلى لارنكا، العاصمة القديمة المطلة على البحر، ومنها انتقل إلى نيقوسيا، المركز الإداري اللاحق. ثمة شاطئ ملاصق لمطار لارنكا حيث يمكن رؤية المصطافين متمددين على الرمل من مسافة قريبة من شباك طائرة. أما نيقوسيا، المدينة الداخلية، فقد نقل القبارصة عاصمتهم إليها بعد الهجمات المتكررة من العرب على سواحل الجزيرة. "نيقوسيا آخر عاصمة مقسمة في أوروبا"، الشعار الذي يزين منشورات متحف المدينة لا يبدو واضحاً إن كان يشير إلى تلك الحقيقة من باب الحسرة أم من باب الاحتفاء. لسبب ما، ثمة جاذبية سياحية في مسألة التقسيم. أحد المقاهي الملاصقة لخط تقسيم المدينة، والذي ينصح كتاب الإرشاد السياحي بزيارته، يحمل اسم "برلين". لسبب ما، يحب السياح الأسوار، بيع قطع صغيرة من سور العاصمة الألمانية كان تجارة رائجة حتى وقت قريب. أتجول في متحف المدينة (الجانب اليوناني منها). السردية توزع اللوم على الجانبين بالتساوي وتخصص صالة لجهود مد الجسور بين الشطرين الشمالي والجنوبي. النغمة الهادئة والمتوازنة تعبّر عن ثقة في النفس. في النهاية، يحظى الجانب اليوناني بالاعتراف الدولي وبعضوية الاتحاد الأوروبي. المصالحة تعني رجوع الشمال إلى الدولة المعترف بها. من قاعة إلى أخرى، تتبدى إشارات لعلاقات المدينة العميقة بمنطقتنا. القديس تريفيليوس، أسقف نيقوسيا في القرن الرابع عشر وقديسها الحارس، درس القانون في مدرسة بيروت وهناك تحول إلى المسيحية. قبل سيطرة البريطانيين على الجزيرة، لم يكن هناك فروع سوى للبنك العثماني. في العام 1879، افتتح البنك الأنغلو-مصري، أول فروعه في العاصمة القبرصية. تأسست شركة الطيران القبرصية العام 1947، وكان أول مساراتها الجوية المنتظمة يصلها ببيروت وحيفا. من نافذة المتحف، أرى علم جهورية شمال قبرص، بهلاله الأحمر الكبير وخلفيته البيضاء، مرسوماً على جبل يطل على المدينة من شطرها الآخر. العلم نفسه الذي يضاء في الليل، سأراه مرات عديدة كلما دخلت المدينة من أحد محاورها السريعة. على جدران الجانب اليوناني، تتكرّر عبارات "الحرية لغزة" بالإنكليزية، مع ملصقات صغيرة عن فعالية في الجامعة تناقش تورط حكومة القبرصية في دعم الإبادة هناك عبر تسخير القاعدتين العسكريتين البريطانيتين للمراقبة وجمع المعلومات في القطاع وكنقاط تموين واتصال. في الجانب الآخر تحتفظ تركيا بعدد من القواعد العسكرية. أعبر إلى الجانب الشمالي من المدينة في يوم آخر. أبحث عن "متحف البربرية"، والذي كان بيتاً للطبيب التركي نيهات إلهان، وحيث قتلت أسرته في أحداث العنف الإثني العام 1963 وهي الأحداث المعروفة باسم "الكريسماس الدموي". هناك صورة لجثث أطفاله في حوض الاستحمام، صورة إيقونية للوحشية تتكرر في مواقع أخرى في الجانب التركي. والصورة نفسها موجودة في متحف "النضال الوطني" مقرونة بإشارات إلى "الجينوسايد" و"التطهير العرقي". ثمة متحفَين بالاسم ذاته في المدينة، واحد في الجانب اليوناني، والآخر في الجانب في الجانب التركي. في الليلة الأخيرة، يصحبني صديق مصري يقيم في الجزيرة منذ أعوام، في جولة مسائية. لم نلتقِ من قبل سوى مرة واحدة في لندن، لكن يظهر أنه يعرفني جيداً، أو على الأقل يعرف هوسي بالبيروقراطية. يعبر بي من الجانب اليوناني إلى الجانب التركي، ومن ثم نعود من هنا إلى هناك، أكثر من مرة في أقل من ساعة، وعند نقاط مختلفة. وفي كل مرة يتوجب علينا التوقف لفحص جوازات سفرنا مرتين، مرة لدى الجانب اليوناني ومرة لدى الجانب التركي.بعد المرور عبر واحدة من تلك النقاط، وعند الالتفاف إلى الخلف، يريني لافتة كبيرة تقول "جمهورية شمال قبرص إلى الأبد"، وفي نقطة أخرى ملصقات أصغر حجماً تقول "لن ننسي" وتطالب بالكشف عن مصير المفقودين من القبارصة اليونانيين منذ الغزو التركي العام 1974. نتمشى في المنطقة العازلة حيث تقيم قوة للأمم المتحدة، ويريني صديقي مقر مؤسسة خيرية تقدّم أنشطة مختلفة للأفراد من الجانبين، على الحائط ملصق يقول "دروس يوغا من أجل الوحدة". في نقطة أخرى، أنبوب بلاستيكي كبير يخترق جدار الأسلاك الشائكة ليسمح بعبور القطط بين الجانبين. فجأة، يمر بجانبنا شاب أشقر بملابس رياضية، ويعبر جرياً من جانب إلى آخر في ظلمة، ومن دون أن يوقفه أحد.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top