خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC والمستشرق Kirill Semenov المعروف بهدوء نصوصه، وانضباط آرائه في الإطار العام لمقاربة الكرملين لقضايا الشرق الأوسط، خرج عن لهجة نصوصه المعتادة ، ونشر على موقعه في فيسبوك في 6 الجاري نصاً كان صرخة حانقة بوجه صلافة ترامب ووقاحة مخططه، "ريفييرا غزة". لم يسبق أن تضمنت نصوصه ما يشير إلى أنه يكنُّ أي عداء لليهود، بل أشار في نصه إلى أنه سبق أن كان لديه في إسرائيل الكثير من المعارف "الذين لم يكن لهم أي علاقة بهذه الأرض". ورأى أن من الأفضل، ليس إبعاد سكان غزة من أرضهم، بل إبعاد أولئك الذين وفدوا من أوروبا وأماكن أخرى، وليأخذهم ترامب إليه، ويشيّد لهم "ريفييرا" في مكان ما في كاليفورنيا وسط الأوروبيين مثلهم، حيث سيكونون في مأمن، وليسوا محاطين بقبائل غريبة عنهم.أصدقاء المستشرق الذي أخرجته عن طوره وقاحة خطة ترامب، زفوا إليه البشرى بأنه قد ضمن لنفسه بعد هذا البوست صفة "معاداة السامية"، السيف المسلط على كل رأي يخرج عن طاعة السردية الإسرائيلية، كما أشار يوماً أحد زملائه في صحيفة الكرملين VZ.سيمينوف لم يكن، بالطبع، بصدد تحليل مبادرة ترامب ودلالاتها، وما قد تنطوي عليه من رسائل سياسية لهذه الجهة أو تلك، بل وجد، كما يبدو، أن فكرة- خطة ترامب بشأن غزة، هي من الغرابة واللاواقعية ما يجعل مناقشتها خارج أي مقاربة واقعية منطقية.تنوعت مقاربات الكتاب والمحللين لسلوك ترامب وتصريحاته ومبادراته، لكن أحداً لم ير في ما يصدر عنه لائقاً بمقام رئيس أقوى دول العالم. وثمة شبه إجماع، لا يشارك فيه الإعلام الإسرائيلي الموالي لحكومة نتنياهو، بأن سلوك ترامب، هو سلوك سمسار عقارات ناجح. فقد نشر في 6 الجاري محرر BBC الدولي لشؤون الشرق الأوسط Jeremy Bowen في موقع الخدمة الروسية للشبكة البريطانية، نصاً، رأى فيه أن خطة ترامب في غزة غير قابلة للتحقق، لكن سيكون لها عواقبها على الشرق الأوسط. ورأى المحرر أنه إذا قال ترامب بشيئ ما، فهذا لا يعني أنه صحيح أو أنه سيحدث بالتأكيد. وقال إن تصريحات ترامب تبدو في كثير من الأحيان أقرب إلى الأحاديث التي تفتتح بها مفاوضات العقارات، مما إلى التعبيرات عن السياسة الأميركية.موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نقل في 26 المنصرم عن هآرتس نصاً بعنوان "المعركة مع الحكومة الإسرائيلية التي لا يجب خسارتها". استهل كاتب النص Sami Peretz بتعداد الإرتكابات التي يرى أن الحكومة الإسرائيلية اعتمدتها نهجاً: اجتياح الأراضي، محاربة نظام تطبيق القانون، دعم المخالفين للقانون ومنح العفو لأولئك الذين يستخدمون العنف، الارتباط الوثيق بأصحاب المليارات، زيادة الجيش بشكل كبير، اختطاف الإنجازات من محققيها، وإلقاء اللوم عليهم في حالات الفشل، وإسناد مناصب القيادة إلى مرشحين غير مناسبين. ويقول إن كل هذا تضمنه خطاب القسم للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولم يكن يقصد به إسرائيل، بل ما ينوي القيام به في الولايات المتحدة. فكل ما قام به رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته وما خططوا للقيام به خلال هذه الفترة، بدأ ترامب القيام به، وبسرعة ووقاحة غير معروفة حتى لإسرائيل.موقع الخدمة الروسية في BBC المذكور، نشر في 5 الجاري نصاً تحدث فيه كيف يعمل ترامب على تقويض الآمال بالسلام في غزة والشرق الأوسط. قالت كاتبة النص Ksenia Gogitidze إن "مطوّر العقارات" السابق طرح فكرته بشأن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نتنياهو. وامتدح الأخير ترامب على "نمط التفكير غير التقليدي"، وقال بأنه جدير بالاهتمام، ورأى بأن فكرة ترامب "قد تغير التاريخ".
نقلت الكاتبة عن مدير مجلس التفاهم البريطاني العربي Chris Doyle قوله، إن أخطر ما في الأمر، ليس ما ينوي ترامب القيام به، بل أن نتياهو أصبح يعرف ما بوسعه القيام به، إذ يمكنه اسئناف تدمير غزة واجتياح الضفة الغربية. فلا شيئ يعترض طريقه. وبدلاً من أن تحتل الولايات المتحدة غزة، ستقوم إسرئيل نفسها بذلك.
لم يفصح ترامب كيف ينوي تحويل غزة إلى منتجع اسطوري. لكنه لم يستبعد استخدام القوات العسكرية لتنفيذ الخطة (وهو ما نفاه وزير الدفاع الأميركي لاحقاً في إطار سيناريو التخفيف من وقع صدمة الخطة).نقلت الكاتبة عن معلق في صحيفة Le Monde الفرنسية لا تذكر إسمه، قوله إن التاريخ لا يعني شيئاً لترامب حين يتحدث عن قطاع غزة. كما لا يعني شيئاً بالنسبة لـ"مطور العقارات السابق" الذي أصبح سياسياً، كل ما عاناه سكان غزة من حروب متناسلة ومآسٍ، وما يكنونه من مشاعر الإلتصاق بالأرض. فهو لا يرى على الأرض الفلسطينية سوى الخراب و"مساحة للهدم" ينبغي تحريرها من السكان "لدوافع إنسانية"، وتوزيعهم على البلدان الأخرى في المنطقة.
تتابع الكاتبة بالقول، حتى الآن ليس من الواضح مدى جدية ترامب، وكيف ينوي القيام بذلك. بعض المحللين يفترض أن اقتراحات ترامب المماثلة، هي جزء من التمهيد للمفاوضات، بانتظار اقتراحات الجهة المقابلة. ومن المهم بالنسبة لترامب توسيع اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية.ونقلت الكاتبة عن مدير قسم العلاقات الاستراتيجية في معهد واشنطن لدراسة الشرق الأوسط، فراس مقصد، قوله إن النزوح الجماعي للفلسطينيين من غزة تحت ستار إنساني، هو تكتيك تفاوضي ينتهجه ترامب، وهو محكوم عليه بالفشل. وبمثل هذه التصريحات، يبتعد ترامب عن أهدافه في الشرق الأوسط بتوسيع اتفاقيات إبراهيم.
تشير الكاتبة إلى مخاطر خطة ترامب على مصير المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين. ونقلت عن الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمجلس الإتحاد الوروبي Hugh Lovatt قوله إن جنون ترامب الجامح بشأن غزة لن يصل إلى نهايته. ولكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى أن يصبح الشعب أكثر دعماً لحماس، باعتبارها اللاعب الفلسطيني الوحيد القادر على مقاومة الخطط الأميركية للتطهير العرقي للشعب الفلسطيني. وينطبق هذا أيضاً على الضفة الغربية، حيث يشعر الفلسطينيون أن دورهم هو التالي بعد غزة.موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نقل في 6 الجاري عن الموقع الإسرائيلي الآخر Walla نصاً رأى في عنوانه أن خطاب ترامب عن "ريفييرا غزة" أذهل الشرق الأوسط. وكان أداء ترامب في المؤتمر الصحافي "مذهلاً حقاً"، إذ ترك الصحافيين الـ150 الموجودين في القاعة بحالة من الدهشة التامة.
استهل موقع Walla نصه بالإشارة إلى أن سفير إسرائيل في واشنطن، وقبل دقائق من دخول ترامب ونتنياهو قاعة المؤتمر الصحافي المشترك في البيت الأبيض، اقترب من الصحافيين الإسرائيليين، وبحماسة ظاهرة، وصف لقاء الزعيمين بكلمة واحدة "جنون". وكان السفير يعرف ما يقوله، إذ أن كلمة ترامب في المؤتمر الصحافي تركت 150 صحافياً وبعض أعضاء الوفدين الأميركي والإسرائيلي في حالة ذهول تام. وحتى نتنياهو الذي كان يرسم على وجهه ابتسامة متعجرفة، لكن بخفر واضح، قد فوجئ بالعرض (Show) الذي قدمه الرئيس لأميركي.
وتابع الموقع بالقول إن أولئك الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يعتبرون التصريح المكرر بشأن إجلاء الفلسطيننين من غزة زلة لسان أو نكتة، أدركوا الآن أنه خطة عمل واقعية للرجل الأقوى على سطح الرض.