85% من اللبنانيات عانسات.. فائض استهلاك ذكوريّ!
2025-02-07 19:55:55
ما زال صانعو المحتوى يستثمرون في القضايا الجدلية بهدف نيل الإعجاب ولو على حساب نشر مفاهيم مغلوطة، كذلك الفيديو الذي انتشر عن العنوسة في العالم على العربي على صفحة صانع "شلي شو" في فايسبوك.
جذب المنشور أكثر من مليوني مشاهدة، مما يستجدي مقاربة الموضوع من وجهة نظر اجتماعية تحاكي حقوق النساء أولاً بدل تصنيفهن، مقابل تعمية الجمهور عن حقيقة مفادها أن العنوسة "مصطلح" ذاب مع تطور الواقع الحياتي، وتساوي المرأة مع الرجل في الواجبات والمسؤوليات، وإن لازلت تناضل لنيل حقوقها.
ولم تكن فكرة "العنوسة" الا موضوعاً استهلكه الاعلام التقليدي بهدف جلب الانتباه واسترضاء العقلية الذكورية التي غالباً ما تعزو المشكلة في المرأة، غير أنّ فائض استهلاك هذه الفكرة انسحب أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي كونها موضوع يشجع الجميع على وضع "أنفهم فيه"، بصرف النظر عن مساهماتهم في تنمية المجتمع وتطوره.
وبالنظر الى الحياة اليومية في بلداننا، لا تدعى المرأة "عانساً" على سبيل الإطراء أو المديح، فعادة ما يطلق هذا المصطلح بداعي اتهام المرأة وتصفية دورها في المجتمع وتجريدها من كل الانجازات التي حققتها على الصعيدين الشخصي والعملي على اعتبار واحد: أنّها لم تقدم على الزواج بما يتناسب مع المعايير التي يحددها المجتمع. عن أي معايير نتحدث وعن أي مجتمع؟
العنوسة.. عرفاً
يفتتح الفيديو تعريفه للعنوسة على أنّها "نسبة النساء اللواتي تجاوز عمرهن الـ 35 ولم يتزوجن بعد." وفي بحث عن تعريف العنوسة، لا يمكن ايجاد تعريف واضح وثابت، اذ أنه وفي السنوات السابقة، كانت المرأة التي اجتازت عتبة الثلاثين من دون زواج هي من تستوفي الشرط الأساسي لتنادى بـ"العانس"، وفي حالات أخرى قد تكون المرأة قد دخلت في دائرة العوانس في عمر العشرينيات حسب ما ترى بيئات تقليدية.
والواضح أن تعريف "العنوسة" يتبدل بحسب التغييرات الديمغرافية وأنماط الحياة، لكن الثابت الوحيد هو أن عنوسة المرأة هي محط الاهتمام الدائم لا عنوسة الرجل. وكأن المرأة كائن منقوص ما دامت لا تستظل بالرجل، واذا ما أصبحت على اسمه، فتصبح "عانساً"، لا قيمة لها و لا دور مهم، ليتحول هذا المصطلح من تنميط الى تهمة. حتى ينشغل المجتمع بالبحث عن أسباب اعتزال المرأة "الحياة الزوجية"، فبدل أن يكون قرار عدم الزواج أو تأخيره أمراً شخصياً، يصبح مرتبطاً بعاهات شخصية ونفسيّة خاصة بها.
وعلى الرغم من استمرار استخدام مصطلح "العنوسة" في الثقافات العربية، إلا أنه ومنذ نحو عشرين عاماً، تم التوقف عن تداوله في بريطانيا ودول أوروبية أخرى spinster. فقد تم استبداله بتصنيف "غير متزوج" ليعبر عن الأفراد غير المتزوجين من دون أي تمييز بين الجنسين، لتتساوى النساء بالرجال من حيث الوضع العائلي. فالاعتقاد بأنّ "العنوسة" مرتبطة بسن الانجاب، لم يعد السائد بعد اليوم مع تطور تكنولوجيا الانجاب والتلقيح!
أرقام غير مسندة
بصرف النظر عن عدم دقة الأرقام التي نشرها الفيديو، حيث أظهر من خلال العد التنازلي بأن الدول الأكثر عنوسة هي الجزائر، تونس، سوريا والعراق بالمرتبة نفسها، والامارات، وعلى رأس هذه البلدان يأتي لبنان، من دون أن تنسب هذه الأرقام الى مصدر أو دراسة. وكانت هذه الممارسات انتشرت أخيراً في وسائل التواصل الاجتماعي حيث عمد الناشطون على استغلال منصاتهم لنشر احصاءات غير مسندة الى حقائق علمية على قاعدة أن المحتوى الذي يحقق أكبرعدد من التفاعلات قادر على التحلي بمصداقية!
الا أنّ خاتمة الفيديو التي أرجعت السبب في عدم زواج النساء الى "غلاء المهور وطلبات أم العروس" تعيد تسليع المرأة ورميها بالملام على اعتبار أنّها المسؤولة الوحيدة عن "عنوستها".
كان من الأجدر الاشارة الى غلاء المعيشة وارتفاع معدلات البطالة التي عادة ما تؤخر زيجات الرجال والنساء. لا يكفي ما قام به هذا من ترويج لـ"عنوسة" المرأة فحسب بل قدم أسباباً لهذا الظاهرة تبرء حكومات المجتمع وتضع المشكلة في المرأة!
المدن