2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo وسط موجة الصقيع.. هذا ما تقرر بشأن المدارس غدًا logo وزير الخارجية جدد المطالبة بانسحاب إسرائيل الكامل وغير المشروط logo شو الوضع؟ الأنظار إلى جلسة الثقة غداً... ومن بعدها إلى أفعال الحكومة! logo "لو كنت اعلم"... اعترافٌ غير مسبوق من حماس عن "7 أكتوبر" logo معلومات صادمة عن "وراثة نبيه بري" ووثيقة داخلية للحزب تُعلن "النهاية".. علي الأمين: تحضّروا للمفاجآت logo بسبب "آدم"... قرارات "عاجلة" من المؤسسات التربوية في الضنية! logo "أعداؤنا لن يتركونا"... دعوة من الحاج حسن لبيئة "المقاومة" logo بالفيديو: نصرالله وصفي الدين على دبابة روسية!
"جددنا حبنا ليه؟"... محاسبة الإرث الكلثومي
2025-02-07 12:25:53

نظم مركز "سيداج" في القاهرة جلسة بحثية بعنوان "جددنا حبنا ليه؟"، نقب خلالها الباحثان كريم جمال وفريديرك لاغرانج، في خفايا السيرة الموازية لأم كلثوم؛ تلك السيرة الوطنية التي جعلتها في الوعي الشعبي بمثابة هرم من أهرامات القومية العربية. وأيضاً في ما تبقى من إرثها الفني وتأثيراته الممتدة حتى اليوم.الدور والسياسة والرمز، هي المحاور الأساسية لكلمة كريم جمال. فعلى مدار سنوات حياتها الطويلة، لعبت أم كلثوم أدواراً عديدة في التاريخ المصري الحديث، واختلفت وتنوعت صور حضورها بما يناسب المرحلة ورجالها. لكن بعد 1967، وبعدما "تشربت دموع النكسة"، تلبستها روح فنية متخمة بالأمل وقادرة على قهر المحنة، وزاد على طغيان حضورها كأهم صوت نسائي في تاريخ العروبة حضور سياسي ووطني، إذ تقدمت أم كلثوم المشهد الفني، وجندت سلاحها وهو صوتها، ليبرز وجودها في ساحة المعركة كرمز للإرادة المصرية الجسورة التي أبت أن تحطمها الهزيمة، وكنموذج للفنان الذي لم تكسره الشدة ولم تسكت له صوتاً. فهبّت واقفة وراء المجهود الحربي تجوب الكرة الأرضية من مشرقها إلى مغربها، في محاولة للبعث وإعادة الروح إلى "أوزوريس" ذلك الإله المتجسد في الشعب الذي منحها هالات القدسية والعصمة، وهو ما فصّله كريم في كلمته وتتبعه في كتابه "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي".الرمز السياسيفي البدء أدهشه الحضور والتأثير الكبير والممتد لأم كلثوم لدي أجيال لم تعاصرها، رغم التطور المتلاحق الذي جرى منذ رحيلها قبل 50 عاماً. كباحث، فكّر في علاقتها بالسلطة وتجاوبها مع الحركة السياسية في مصر عموماً، وعلاقتها بالنخبة أيضاً، قبل ثورة يوليو وبعدها. لكنه، أثناء العمل على الكتاب، اكتشف أن الفترة التي كانت فيها أم كلثوم أكثر التصاقاً بالسلطة فعلاً هي الفترة التي أعقبت هزيمة 67، حيث ازداد وعيها بالأفكار التي تدور داخل الدولة المصرية من أجل صد العدوان والوقوف في وجه العدو، بل كانت أفضل من أجاد تجسيد هذا المشروع في وجهة نظره، وهو ما كان محل تساؤل جديد حول فكرة الرموز: "فلو لم تكن أم كلثوم رمزاً مهماً ومؤثراً في المجتمع فهل كانت ستنجح في تحريك الشعوب العربية؟".يدفع كريم جمال بحثه بخطوة جديدة للأمام بالنظر في مسألة الرموز التي جسدتها أم كلثوم، فهل كانت تجسيداً للصعود الطبقي والعصامية في المجتمع المصري، بالنظر لصعودها من قاع المجتمع لقمته في سنوات قليلة لتصبح أهم امرأة عربية في القرن العشرين؟ أم هي رمز للمرأة المصرية التي خرجت بعد ثورة 19 وكان لديها دور في تغيير شكل المجتمع المصري؟ أم هي رمز للقومية العربية بمعناها العام والشامل، باعتبارها الصوت الذي جمع كل الطبقات والأطياف العربية؟ كان البحث عن إجابة هذه الأسئلة أحد الدوافع الأساسية لإتمام جمال كتابه، إضافة إلى البحث في صلاحية أم كلثوم وقدرتها على القيام بما قامت به. فلم يكن يهدف لتقديم رؤية نقدية ولا رصد لعملية جمع الأموال لدعم المجهود الحربي فحسب، بل الغرض الرئيسي والحقيقي هو البحث وراء سعي أم كلثوم لإعادة ترميم العلاقات العربية العربية ونجاحها في هذا المسعى. حيث نجحت، بالتحديد في رحلتي المغرب وتونس، في إعادة العلاقات مع النظام المصري، بعد خلافات شديدة أخفقت المساعي السياسية في حلها. وهو ما دعا كريم للبحث العميق في مدى تأثيرها ودورها الاجتماعي والسياسي في مرحلة ما بعد النكسة، خصوصاً أن رحلات أم كلثوم لم تتوقف عند الحفاوة الرسمية، بل تخطت ذلك إلى احتفاء شعبي غير مسبوق، جعله يعتقد أنها أيضاً كانت تحتاج لتلك الرحلات لترى بنفسها التقدير والمحبة العربية في تلك المرحلة المتأخرة من عمرها.رحلة باريسيتوقف كريم جمال عند رحلة باريس باعتبارها مفتاحاً لتلك السنوات، متتبعاً الشعوب العربية التي جاءت من أقصى المغرب العربي إلى باريس بالملابس الوطنية المميزة، لتعلن نجاح المسعي قبل حتى أن تبدأ أم كلثوم في الغناء: "الدقائق الأولى لحفلة باريس توحي وتؤكد بأن أم كلثوم كانت في الذهنية العربية رمزاً لمصر المنتصرة، لا مصر المهزومة"، وشعرت الجاليات العربية الحاضرة بالقوة المصرية المتجسدة في أم كلثوم وتفاعلت معها بشكل كبير. وهو ما لمسه الباحث شخصياً في حديثه مع أحد الحضور الذي ما زال يتذكر الحفلة رغم مرور كل تلك الأعوام: "قال لي إنه شعر وكأن كرامته ردت إليه". أزالت أم كلثوم مرارة الهزيمة وأعطت الجميع أملاً كبيراً في العودة والانتصار "جسدت بقاء الشعب المصري واستمراريته بعد الهزيمة وقدرته على تحدي المحنة بكل أشكالها".من ناحية أخرى، صالحت تلك السنوات الباحث نفسه، مع تلك المرحلة من حياة أم كلثوم، يفسر بأنه كمعظم "السميعة" كان يميل للغناء الكلثومي في مرحلة الأربعينيات والخمسينيات بحكم الذائقة الموسيقية، وبحكم أنها كانت في أوج عنفوانها وأكثر قدرة على الغناء بشكل متفرد، وكان يتحسس من أغنياتها الأخيرة، لا سيما في عقد الستينيات، ربما لأنها تقترب من الخفة والإيقاع الراقص بعض الشيء، "لكني عندما استمعت بتمعن لتلك التسجيلات، خصوصاً في رحلاتها للمغرب، شعرت بأن لديها طبقات صوتية أعمق وكأن أداؤها أكثر تأثيراً حتى من أدائها القديم نفسه"، ربما تأثر كريم كذلك بنبل الهدف وسعي أم كلثوم الحثيث لتحقيقه رغم العمر المتقدّم.
مُساءلةاختار فريديرك لاغرانج أن يجيب على التساؤل الذي اختير عنواناً للجلسة "جددنا حبنا ليه؟". قال: "جددناه لأنه ليس للعاشق على معشوقه من سلطان ولا على افتتانه به من رادع". غير أن هذا الحب المتجدّد لا يمنع في نظره من مساءلة المعشوق واستجوابه وهو ما قام به بالفعل في كلمته. يسأل: "ألم يحن الوقت لتُلقى على الإرث الكلثومي، سواء في جزئه الفني أو جزئه الأسطوري المتعلق بشخصيتها العامة، نظرة ناقدة، بهدف رصد ما أتت به بفضل عبقريتها الفنية وحنكتها الاجتماعية، وأيضاً تحديد الطرق المسدودة التي تمثلها من ناحية أخرى الظاهرة الكلثومية، ومحاولة فهم لماذا وصلنا لما نحن فيه من غياب لفن موسيقي راق مجمع عليه، وما مسؤوليتها هي ومجايليها في ذلك؟".مُساءلة الإرث الكلثومي لم تبدأ الآن بعد مرور 50 عاماً على وفاتها، بل بدأت، بحسب لاغرانج، مباشرة عقب نكسة 1967، حين اتهمت بأن تخديرها للجماهير بأغاني الغرام والهيام وأكاذيب البروباغندا الناصرية كان سبباً مباشراً في الهزيمة. في كتابه "الهوى دون أهله"، سفّه المفكر اللبناني حازم صاغية من وصفها بـ"أفيونة الشعب"، وتناولها بنقد لاذع لخّصه لاغرانج في كونها اعتبرت تجسيداً لترييف المجتمع المصري في قيمه ومراجعه الفكرية والجمالية والأيديولوجية. ينقل عن صاغية قوله إن أم كلثوم تحولت في عهد عبد الناصر إلى مغنية بلا منافس، بل مغنية الشعب كله "فلقد أنشأ النظام الناصري توحيداً للأذواق والرغبات نكب المدينة الكوزموبوليتانية التي عرفت بها قاهرة العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات". والمفارقة أن أم كلثوم ارتفعت، بمساعدة النظام، عن الشعب الذي يفترض أن تتحدث باسمه وتعبّر عنه.درسيتفق لاغرانج مع صاغية في مسألة استنفار وتجنيد النظام الناصري للفنانين من أجل تمجيد الإنجازات الحقيقية والمفترضة، لكنه يرى أن أم كلثوم لم تصل لما بلغه غيرها من تملق، رغم أنه يعود فيستشهد بأغنية "على باب مصر" ليقول إن ما بها من "شطط" يجعل حكم صاغية على أم كلثوم بكونها متأرجحة بين الأيقونة التي بلغت السماء والموظفة المطيعة، قاسياً، رغم صوابه! في رأيه أن حادثة منعها المؤقت من البث الإذاعي، العام 1952، كانت كفيلة بإقناعها بأنه لا حيلة للفنان مهما بلغ من الشهرة والنفوذ، أمام السلطة السياسية، "واستوعبت الدرس". لكنه رغم ذلك يرى أيضاً أن ما وصلت إليه أم كلثوم في تلك المرحلة من تماه مع النظام الناصري جعلها ليست مجرد موظفة، بل أحد رموز الدولة لا بد من مراعاته والاستماع إلى كلامه. وهو ما تؤكده إشارة كريم جمال في كتابه عن سنوات المجهود الحربي، بالتحديد استقبال عبد الحكيم عامر لها قبل المعركة بأيام معدودة: "ما الذي يدفع القائد الأعلى للقوات المسلحة في لحظة حرجة تقتضى منه كل دقيقة من وقته، أن يفسح شيئاً من هذا الوقت الثمين من أجل مقابلة فنانة، إن لم تكن قد أصبحت أكثر من مجرد فنانة، بل شخصاً لا يمكن صده مهما كانت الظروف ضاغطة".يستعين لاغرانج بكاتب لبناني آخر هو فادي العبدالله، لتفنيد حجة صاغية حول تجسيد أم كلثوم لمسألة ترييف المجتمع المصري. إذ يرى العبدالله أن إتمام بناء المشروع القومي الذي تمثله أم كلثوم، وهو مشروع ذاتي وجماعي في آن، يسبق بسنوات عديدة وصول عبد الناصر لسدة الحكم. في الوقت نفسه، كانت ثمة مصالح مشتركة بينها وبين النظام في إبقائها على القمة الإعلامية والاستفادة الواضحة من التطورات التقنية: إنشاء الإذاعة والتلفزيون..إلخ. فأم كلثوم بالتالي ليست منتَجاً ناصرياً، بل هي منتج ثقافي ذاتي وجماعي وليد ذلك العصر الليبرالي الكوزموبوليتاني الذي سبق الجمهورية. صحيح، كما يذكر العبدالله، أنها اعتمدت على شبكة من الأعيان الريفيين يعرفونها منذ مراهقتها كمنشدة تواشيح، كما استندت إلى أعيان قاهريين من أصول ريفية كعائلة عبد الرازق، لكن ذلك لا يعد ترييفاً للثقافة الموسيقية أو حتى السلوكيات الاجتماعية، بل على العكس، "أم كلثوم هي تلك الفتاة التي تخلصت في خلال سنوات قليلة وبحنكة نادرة من السلطة الأبوية أو الأخوية، وصارت ترتدي البنطلون في صور التقطت في الثلاثينيات، وأخذت تتعلم الفرنسية".الطريق المسدودفي النهاية، يلخص لاغرانج مآخذه الشخصية على أم كلثوم "الأيقونة والظاهرة" في ثلاث نقاط. الأولى هي "الانغلاق المواضيعي في الغزل المجرد من الزمان والمكان"، وهي في نظره حقيقة لا يمكن إنكارها، فباستثناء الأغاني الوطنية والدينية، أغاني أم كلثوم عاطفية تحاور معشوقاً غائباً لا اسم له ولا مكان ولا جنس! تخاطبه المطربة متكلمة بصيغة المذكر، وهو أيضاً مبني بصيغة المذكر، ليس بغية تحديد الانتماء الجندري للطرفين، بل من أجل محوه كلياً حتى تصلح الحالة لكل متلقٍّ، مهما كان أصله وسنّه وجنسه وجنس معشوقه، حتى يستطيع المستمع أن يتعرف في الحالة الوجدانية الموصوفة على أصداء من تجربته الوجدانية الخاصة، لأنها من العام والشائع الإنساني بحيث يعيشها الجميع، فتصير هذه المواقف كالمرادف الوجداني للملابس الجاهزة في مقابل الملابس المفصلة.المأخذ الثاني هو ما أطلق عليه "محو التاريخ الذاتي". ففي رأيه، لم تهتم أم كلثوم بتوثيق فنها. وبينما يغني معظم الفنانين العالميين مقاطع من بداياتهم كلما تقدموا في العمر، أصرت هي على محو تاريخها وعدم العودة إلى الخلف. بالطبع لم تكن إمكانياتها الصوتية لتسمح لها في الستينيات أن تغني كنوز زكريا أحمد، كما كانت تؤديها العام 1940، أو أدوار داوود حسني، أو حتى أغنيات القصبجي. لكن، رغم ذلك، لا يظن لاغرانج أن العائق الصوتي هو العنصر الأهم في هذا الخيار، فما حال دون أداء الألحان القديمة في نظره هو مشروع أم كلثوم الموازي للمشروع الحداثي للدولة نفسها، حيث "أي التفاتة إلى الماضي هي بمثابة إفلاس فني وعجز إبداعي".أما المأخذ الأخير فهو "الطريق المسدود". فيرى عصر أم كلثوم كعصر الخلفاء الراشدين. قمة تاريخية وعصر ذهبي، تسبقه جاهلية ويتبعه تدهور مستمر يُجبر المرء دائماً على أن ينظر إلى الوراء لتوسم بصيص الأمل ولإيجاد القدوة التي يتمثل بها. ويدخل في ذلك حنين إلى ماض كان له مستقبل مشرق. أما وقد امحت اليوم أوهام الغد المشرق، فقد صارت أم كلثوم المثل الأعلى، ناهيك عن كونها مادة تربوية تتمرن عليها الأصوات الشابة، "لكن إن كان حاضرنا متدهوراً كما يقول الخطاب الشائع، أليست هذه القمة ما يعيق النظر إلى ما ورائها؟ ألم يحن الوقت حتى يتوقف تقليد أم كلثوم في حرفها، وأن تُقلّد في روحها ومسيرتها لتقديم مشروع بديل؟". المشروع الكلثومي برأيه قد يكون قدوة فعلاً، لكن في مسيرته وليس في مُنتَجه الذي يجب أن يترك لصاحبته.__________________كريم جمال: كاتب وباحث موسيقي. درس الموسيقى العربية وحصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية من جامعة الإسكندرية. صدر له "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي" وشارك في كتب عديدة أخرى، وصدر له مؤخرا كتاب "سلوى: سيرة بلا نهاية".فريديرك لاغرانج: أستاذ الدراسات العربية في جامعة السوربون بباريس. تشمل اهتماماته البحثية، تاريخ الموسيقى في مصر المعاصرة، وعلم اللهجات العربية، والرواية العربية الحديثة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top