سيطرت هيئة تحرير الشام، بعد محاولات شتى، على بلدة حويك السورية، المحاذية لحدود القصر اللبنانية. السكان في حويك هم لبنانيون، غالبيتهم من عشائر زعيتر ونون وجمل. وقد رفضوا تسليم السلاح عقب سقوط حكم الطاغية بشار الأسد.تسليم البلداتوقبل أشهر، عقدت اجتماعات بين الهيئة وممثلين عن العشائر الشيعية، وتمّ الاتفاق على عدم الظهور المسلّح من الطرفين في البلدة، إلا أن كل الاتفاقات باءت بالفشل. وبحسب مصدر سوريّ، فإنَّ العشائر خرقت الاتفاق أكثر من مرة، واستمرت بأعمال التهريب على الحدود من لبنان، وبمؤازرة مسلّحة، في اتجاه سوريا. مشيرًا إلى أنَّ الهيئة اتخذت القرار بفرض السيطرة على كل الأراضي السورية، وتحديدًا على الأطراف الحدودية، بما أنَّ العشائر التي كانت محمية من النظام السوري وعلى علاقة بالفرقة الرابعة أصبحت اليوم بلا أي غطاء ولا حماية.وأكد مصدر من عشيرة آل جعفر، وهو ياسين علي حمد جعفر، أنَّ الهدوء سيعود إلى المنطقة بسبب اتخاذ العشائر قرارًا بتسليم كل القرى السورية للدولة السورية، لافتًا إلى الاقتناع بفكرة أنَّ حزب الله تخلّى عنهم، ولن يدخل الأراضي السورية للدفاع عنهم، وأن القوة العسكرية للعشائر أقل بكثير من القوة التي تمتلكها الهيئة من دبابات وراجمات ومدفعية وطائرات بلا طيار وسلاح الجيش النظامي السوري. كل هذه العوامل تدعو إلى ضرورة تسليم كل القرى التي يسكنها لبنانيون للدولة السورية بما أنها سورية، وهي عشر قرى: حاويك، بلوزة، جرماش، العْصابة، الحرف، الصفاوي، مراح العيب، مراح البدوي، أكوم الحوراني، وادي العرايس.وقد تقرر أن يكون التسليم هذا عقب إنهاء تبادل المخطوفين بين الطرفين.تاريخ العشائر وتعلقها بالسلاحقبل أن يتسلم أديب الشيشكلي مقاليد رئاسة الجمهورية العربية السورية، كانت عشيرة آل جعفر اللبنانية تتسلّم مقاليد ملكية عدد من الأراضي الموجودة عقاريًا في الأرض السورية، وهي القرى المتاخمة لبلدة القصير السورية، التي ذاع صيتها بداية الحرب في سوريا بعد دخول حزب الله إليها.
النفوذ في هذه القرى لعشيرتي زعيتر وجعفر، وأكبر هذه القرى الصغيرة نسبيًا، هي حاويك وبلوزة وجرماش التي تمتاز بالغالبية الشيعية وأكوم ذات الغالبية السنية.أما ارتدادات سقوط النظام فقد أثّرت بشكل مباشر على قرية حاويك المتاخمة للحدود السورية، حيث باتت هيئة تحرير الشام هي المسيطرة على الأرض.منذ نحو شهرين تتوالى الإشكالات في حاويك بين أفراد من الهيئة وآخرين من العشائر، الذين لا يفارقون عادة حمل السلاح التي تلازمهم منذ ما قبل تأسيس الدولة السورية الأولى.الصدامات الإشكال الأول حصل في 15 كانون الأول/ديسمبر. وفي التفاصيل، أنه وأثناء مرور المواطن دبلان زعيتر على حاجز تابع لهيئة تحرير الشام في بلدة حاويك (قرية شيعية لبنانية في الأراضي السورية على حدود الهرمل البقاعية) قام المدعو "طحموش" بالهجوم عليه، وهو في سيارته وذلك لانتزاع مسدس من نوع "زاخاروف" كان يحمله زعيتر.فتطور الاشتباك بالأيدي إلى اشتباك بالرصاص مع عائلتي زعيتر وجعفر الموجودتين في القرية، الأمر الذي أجبر "طحموش" ومن معه على الهروب من المنطقة.وكشف مصدر عشائري في القرية، أن هيئة تحرير الشام اتصلت بأحد فاعليات البلدة ويُدعى الدكتور علي زعيتر واعتذرت منه، وأعلنت البراءة من "طحموش"، ووعدت بأنه سينال الحساب والعقاب اللازمين، وسيُطرد من الهيئة لأنه تصرّف من قرارة نفسه.وأشار مصدر إلى أن الهيئة تتواصل مع كل الفاعليات الشيعية الموجودة في القرى اللبنانية الموجودة عقاريًا في الأراضي السورية. وقد اتفقت معها على عدم تسليم السلاح في الوقت الحالي، ريثما يصدر قرار حصر السلاح بيد الدولة السورية في شهر آذار/مارس المقبل.وفي اليوم التالي، دعت عشيرة زعيتر الموجودة في بلدة حاويك اللبنانية إلى اجتماع مع هيئة تحرير الشام، فلبّت الهيئة الحضور. وعندما وصل أفراد الهيئة وجدوا مسلحًا موجودًا قرب سيارة خارج مكان الاجتماع (وهو مرعي صادق جعفر) فهجموا عليه وانتزعوا منه السلاح لكنه أفلت منهم وبدأ يطلق عليهم النار من المسدس الذي كان في حوزته، وأدى تبادل إطلاق النار إلى إصابة المدعو "أبو حسين زعيتر"، ثم انسحب أفراد الهيئة من المكان وفشل الاجتماع.حمل السلاحوكشف مصدر أمني أن الاتصالات لا تزال جارية بين ممثل الهيئة وممثل آل زعيتر، وهو الدكتور علي زعيتر، من وجهاء المنطقة، ومع الحاج حاتم عبد النبي، وهو من وجهاء السُنّة في منطقة ريف القصير ومن الأغنياء، وصهر عشيرة جعفر من بلدة الشراونة المشهورة في بعلبك.ولفت المصدر إلى أن الهيئة تعتبر أن بلدة حاويك موجودة على الأراضي السورية، ولذا فإن حمل السلاح غير مرخص لأي مواطن، بل هو محصور بيد القوات التي تدير العملية السياسية الانتقالية، وهذا ما لا تستطيع العشائر حتى اللحظة الاقتناع به، لأنها عبر الزمن كانت ولا تزال تحتفظ بسلاحها وسيطرتها على مناطقها في سوريا ولبنان.
فقد خاضت العشائر معارك مع النظام السوري منذ أيام حكم حافظ الأسد، على خلفية نشر النفوذ السوري عبر الحواجز في الأراضي التي تملكها عشيرة آل جعفر. وتكرر السيناريو أيام حكم بشار الأسد. والجرحى من الطرفين لا يزالون على قيد الحياة، أبرزهم محمد راشد جعفر الذي أصيب برقبته.المعضلة إذًا لا علاقة لها بنظام الأسد أو النظام الذي أتى بعده. فأبناء العشائر لطالما اصطدموا أيضًا بحزب الله والجيش اللبناني، إلى أن خلُصت المواجهات لعقد تسويات تتخللها معارك كرّ وفرّ بين "الجعافرة" والجيش اللبناني في قريتي الشراونة والدار الواسعة الكائنتينِ في لبنان.إذًا، حاويك وغيرها من القرى اللبنانية الكائنة في الجغرافيا السورية أمام اختبار صعب، وأسئلة معقدة، وتجاوز الاختبار مرهون بحكمة أهل الأرض أحفاد السلطان زين مرعي جعفر المقاوم الأول للاستعمار.