في ظلّ المشهد السّياسيّ اللّبنانيّ المعقّد والضغوط الإقليميّة المتصاعدة، تستعد بيروت لاستقبال الموفدة الأميركية رفيعة المستوى، مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الرئاسيّ الخاصّ للسلام في الشرق الأوسط، الّتي تنطلق في جولة حيوية يوم غدٍ الجمعة لمناقشة الملفات الحساسة مع المسؤولين اللبنانيين. وتأتي هذه الزيارة في وقت حرج، بعد انتقال ملف لبنان من السلف آموس هوكشتاين إلى أورتاغوس عقب تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، مما يعكس تحوّل السياسة الأميركية نحو أسلوب أكثر صرامة تجاه لبنان وحلفائه في المنطقة.
جدول أعمال مُكثّفتشمل جولة الموفدة جدول أعمال مكثف ومتنّوع، يبدأ بالتركيز على ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وخصوصًا ملف الأسرى اللّبنانيين المحتجزين لدى الاحتلال الإسرائيليّ. ووفقًا لمصادر رفيعة المستوى في قصر بعبدا الرئاسيّ، فإنّ لقاء أورتاغوس مع الرئيس اللّبنانيّ، جوزاف عون، سيحمل على عاتقهما مناقشة الموقف اللّبنانيّ الرافض لأي تمديد لمهلة الانسحاب الإسرائيليّ من الجنوب بعد الموعد المحدد في 18 شباط الجاري. ويؤكد الجانب اللّبنانيّ على ضرورة انسحاب الاحتلال الكامل لضمان إعادة انتشار الجيش اللّبنانيّ في المناطق المحرّرة، بالإضافة إلى ضمان عودة الأهالي إلى ديارهم وحرية الأسرى.
يتضح من جدول أعمال الموفدة أن الملف اللّبنانيّ يحظى بأولويّة استراتيجيّة عالية لدى الإدارة الأميركيّة، إذ تسعى واشنطن لإعادة رسم الخريطة السّياسيّة في بيروت بما يتوافق مع رؤيتها الإقليميّة الجديدة. وفي هذا السّياق، ستسلط أورتاغوس الضوء على التزام لبنان بالقرارات الدوليّة، وعلى رأسها القرار 1701، الذي يعتبر حجر الزاوية في مسار وقف إطلاق النار، كما ستطالب بضمان انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللّبنانيّة دون تأخير أو تمديد غير مبرّر.
ومن المقرّر أيضًا أنّ تلتقي الموفدة الأميركيّة مع رئيس الوزراء المكلّف، نواف سلام، الذي كُلف قبل أكثر من ثلاثة أسابيع بتشكيل حكومة جديدة تُوزّع فيها المناصب العليا عادةً بين الطوائف اللّبنانيّة وفق نظام تقاسم السّلطة، في ظلّ الضغوط الخارجيّة والداخليّة. ويواجه سلام تحديات جسيمة في صياغة تشكيل حكوميّ يتماشى مع مطالب المجتمع الدوليّ، ويأخذ بعين الاعتبار الموقف الأميركيّ الذي أشار إلى أنّ أيّ حكومة تُشكل دون تبني إصلاحات حقيقية، والحدّ من النفوذ غير المقيد لحزب الله المدعوم من إيران، ستتعرض لعواقب اقتصاديّة ودبلوماسيّة جسيمة.
وتأتي هذه الزيارة الأميركيّة في وقت تشهد فيه السّاحة اللّبنانيّة حالة من الجمود السّياسيّ؛ إذ عانى تشكيل الحكومة من عراقيل عدّة، أبرزها التمسك الأخير لرئيس البرلمان نبيه بري بحصّة وزاريّة تمثل نفوذ حزب الله وحلفائه، مما أعاق التوصل إلى توافق حول تشكيل حكومة تضم جميع القوى السّياسيّة في البلاد. وقد أشار مسؤول أميركي ودبلوماسي غربي، نقلت عنهما مصادر محلية، إلى أن أورتاغوس ستوجه رسالة واضحة وحازمة إلى الزعماء اللبنانيين، مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي تأخر في تشكيل حكومة إصلاحية قادرة على مواجهة الفساد وتعزيز سيادة الدولة.هزيمة الحزب وفي هذا السّياق، ذكرت "رويترز" أنّ "من المقرّر أن تنقل مبعوثة الرّئيس الأميركي دونالد ترامب (مورغان أورتاغوس) رسالةً حازمةً إلى القادة اللّبنانيّين خلال زيارتها اليوم الخميس، مفادها أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة لن تتسامح مع النفوذ غير المضبوط لـ"حزب الله" وحلفائه في تشكيل الحكومة الجديدة". وأوضح مسؤول في الإدارة الأميركيّة ودبلوماسي غربي ومصادر حكوميّة إقليميّة، أنّ "الرّسالة ستتضمّن إشارة إلى أنّ لبنان سيتعرّض لعزلة أعمق ودمارًا اقتصاديًّا، ما لم يشكّل حكومةً ملتزمةً بالإصلاحات والقضاء على الفساد وكبح جماح جماعة "حزب الله" الشّيعيّة المدعومة من إيران". وكشف مسؤول أميركي بارز لوكالة "رويترز" للأنباء، أنّ "واشنطن لا تختار أعضاء الحكومة بشكل فردي، لكنّها تريد ضمان عدم وجود دور لحزب الله فيها"، مشيرًا إلى أنّ "حزب الله هُزم، ويجب أن تعكس الحكومة الجديدة هذه الحقيقة الجديدة".الملفات المطروحةبالإضافة إلى ملف وقف إطلاق النار وملف الأسرى، من المتوقع أن تتناول الموفدة أيضًا ملف الانسحاب الإسرائيليّ الكامل من الجنوب، وهو ملف شائك يتطلب تنسيقًا دبلوماسيًّا دقيقًا مع المسؤولين اللّبنانيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء. وفي هذا السّياق، ستسعى أورتاغوس إلى الحصول على ضمانات ملموسة بأن إسرائيل ستحترم المهلة المنصوص عليها وعدم تمديدها تحت أيّ ذريعة، فيما تشير بعض التقارير إلى إمكانية طرح تساؤلات حول مدى جديّة الجانب الإسرائيليّ في تنفيذ الاتفاقيات الدوليّة الّتي تضمن حقوق لبنان وسلامته.
وتتردّد أيضًا آفاق من رسائل قد تحمل تلميحات إلى احتمال إعادة النظر في مهل الانسحاب في حال أدّت خروقات إسرائيل المتكرّرة إلى تأجيج التوترات، وهو ما قد يفتح الباب أمام تمديد مهلة أخرى، ما لم تُقدم ضمانات واضحة تضمن انسحاب الاحتلال. إلّا أنّ الجانب اللّبنانيّ بقيادة عون يبدي موقفًا مشدّدًا على ضرورة الالتزام التامّ بالاتفاقيات الدوليّة، مؤكدًا جاهزيّة الجيش اللّبنانيّ للانتشار في الجنوب وبسط سلطته على كافة المناطق المحرّرة.
وتُعد زيارة أورتاغوس رسالة استراتيجية من الإدارة الأميركية الجديدة في ظلّ سياق إقليميّ معقّد، تهدف إلى وضع لبنان على مسار إصلاحيّ جادّ يخضع نفوذ القوى الخارجيّة ومكوّنات السّلطة الداخليّة، خصوصًا حزب الله وحلفائه، لمراقبة دوليّة مشدّدة.