2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo الشرع يلتقي دروز سوريا بعد ساعات من تهديدات نتانياهو logo بين ترامب وبوتين... مباحثات جدية لإنهاء حرب أوكرانيا logo "اجتماعٌ أمني سرّي"... نتنياهو يلتقي قائداً عسكرياً أميركياً logo مباحثات إيرانية أوروبية حول الملف النووي..وعقوبات أميركية على طهران logo بعد تهديد نتنياهو… الشرع يلتقي "الدروز" في دمشق logo طلب من عائلة بيباس إلى نتنياهو! logo "إذا لزم الأمر سنواجهك"... ما حقيقة تهديد بن سلمان لترامب! (فيديو) logo ترامب: الحرب في أوكرانيا قد تنتهي قريبًا!
شبّيحة على مين؟!
2025-02-06 19:26:52

التشبيح هو أكثر ما تشي به مشاورات تأليف الحكومات في لبنان. غالباً ما يصار إلى استبدال كلمة تشبيح من قبل زعماء هذا البلد، بكلمات أخرى مثل الميثاقية، عدالة التوزيع، الديموقراطية التوافقية، التوقيع الثالث، وحدة المعايير وغيرها من الشعوذات. إنما كل هذه العبارات هي أصداء مهذبة للتناتش والمحاصصة والسلبطة.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: شبّيحة على مين؟ سؤال يرخي بظلاله عطفاً على ما يرفل به المواطن اللبناني من عوز وقلق وافتقاد للشعور بالأمان، وإلى آخره من أمور لا تمت بصلة إلى قيام الأوطان. "شبّيحة على مين؟!" حسناً، هو تشبيح على المواطن اللبناني بالدرجة الأولى. أهل السلطة في هذا البلد المسكين يجذّرون أكثر ما يجذّرون انتفاء الأمل بأن يكون لدينا بلد يقوم على النصوص التي ترتّب شؤون الدولة بالتمام والكمال. ولعل التشبيح الذي يزاحم عملية تشكيل حكومة نوّاف سلام هذه الأيام يجسّد هذا اللا-أمل إلى حدّ كبير.
تهيّء عملية تشكيل الحكومات في الذهن، صورة القبائل المتناحرة إزاء توزيع الغنائم بعد كل عملية غزو، والمغزو في هذا السياق هو دائماً المواطن في عيشه اليومي. وفي الحالة اللبنانية، الغنائم هي الوزارات الدسمة، الوزارات السيادية، وزارات ابتزاز الناس من قبل شبّيحة الزعماء.
قد لا يليق بالإنسان السوي أن يصدّق أن الشبّيحة بعامة يعكسون فعلاً مصلحته بالحد الأدنى من العيش الكريم لدى استيلائهم على هذه الوزارة أو تلك. أما في الحالة اللبنانية فإن هذا الإستيلاء يوهم بتحقيق مصالح إنسان هذه القبيلة/الطائفة أو تلك.
إن الذاكرة تفترض أن يغيّر المرء سلوكه عطفاً على تجارب سابقة يعتورها الفشل من كل حدب وصوب، إلا شبّيحة التناتش الوزاري في لبنان، حيث حاضر تشكيل الحكومات هو ماضي هذا التشكيل على الدوم. التناتش، اقتناص الحقائب، التشبيح... أيضاً وأيضاً: "شبّيحة على مين؟!". في كتابه "عسكر على مين؟" وتحت عنوان "الحلم بالجمهورية"، يقول الراحل سمير قصير عن أهل السلطة في لبنان: "لن تنفع... دعوات التعقّل، ولن تجدي مخاطبة حسّ المواطنية عند مَن رُسموا مسؤولين".
إن شبّيحة أهل السلطة، كما يشهد تاريخ لبنان، أقله منذ اتفاق الطائف، هم عين الفجيعة التي تحدّق بنا عند كل استحقاق. إنهم الماضي المُذل الذي يملك من الصفاقة أنه لا يأبه أن يأتي متخفياً بل ترى هذا الماضي القبيح هو حاضرنا على الدوم وبكل فجاجة وعين مفتوحة... حاضرنا الأبدي، نكبتنا التي لا تستكين!إن توغّل شبّيحة السلطة عند كلّ استحقاق حكومي، يشي بالرغبة الدائمة لهؤلاء في بلورة سوء أقدارنا وسوء عيشنا في هذا البلد السقيم الذي يدعى لبنان. إن لفتاتهم "وعضْوَضَة شفاههم" وحركة أجسادهم وما يرزح تحته كلّ منهم من قبَلية مكتومة، يؤكّد مقولة لطالما تأملتها بإمعان: لا أحد يدخل إلى الجحيم من باب الصدفة... ولبنان هو جحيمنا الدائم عبر هؤلاء الأبواب.
من المخزي للإنسان العاقل (ولن أستحضر إيمانويل كانط في هذا الصدد) أن يكون مادة خام يصار إلى قولبتها من قبل البعض عطفاً على حاجات هذا البعض ومآربة السلطوية. فكيف الحال إذا كان شعب برمته هو جملة من المواد الخام لدى زعماء هذا البلد؟ الأمر سواء. من النافل أن الأحزاب تشكّل بالعادة الدعامة الأكثر ديناميكية في الحياة السياسية للشعوب. أما في الحالة اللبنانية –وعلى درجات متفاوتة– فإن التشبيح هو الأكثر ديناميكية. نحن هنا إزاء القبائل في مواجهة المؤسسات. والتشبيح في إدارة المؤسسات وفي طريقة تولّي الوزارات، أضحى منذ التسعينات، بمثابة هوية لبنان، أداة تعريف لهذا البلد أمام أمم الأرض كلها، وهو أيضاً يشبه النصب التذكاري في كل ساحات البلد وميادينه، وتراه إلى حد كبير كوشم يظن المرء أن من المستحيل محوه من فوق جسد لبنان.
إن الأوطان وبما يتجاوز حدودها الجغرافية هي، بالنسبة إلى أبنائها، لا نهائية الحدود من جهة الإنتماء والوجدان والآمال. أما في الحالة اللبنانية، وعطفاً على سردية التشبيح التي تحكم المؤسسات وتشكيل الحكومات بشكل خاص، فإن الإنتماء هو دائماً محل تذبذب، والوجدان دائماً محل انكسار، والآمال تراها مع كل استحقاق في خبر كان...
شاع الأمل في طول البلاد وعرضها مع خطاب القسم الذي ألقاء قائد الجيش جوزاف عون في البرلمان لحظة توليه رئاسة الجمهورية. لكنه أمل سرعان ما راح يتبدد مع مشاورات تأليف أول حكومات العهد. ذلك أن القيمة التبادلية للتشبيح، والذي يفخر جل قادة هذا البلد بإتقانها، يحول دون أي أمل. فتغذية المؤسسات بالكثير جداً من الممارسات التي لا تضبطها النصوص، والتي يجيد بعض "صناديد" هذا البلد إنعاشها، توفر كل شروط الخيبة وفقدان الأمل في العيش الكريم. إن المواطن اللبناني، ورغم معايشته لواقع المؤسسات في بلده، كواقعة تشبيحية على الدوم، فإن الأمل سرعان ما يدغدغ خواطره مع كل فرصة تلوح في الأفق. بيد أن نظرة السخرية التي يطالعنا بها الماضي القريب والبعيد، لناس السلطة، لا تني تبدد أوهام العيش بكرامة في لبنان.
جاء في التراث السياسي للشعوب أن المجتمعات غالباً ما تطرح على نفسها المشكلات التي تستطيع حلّها. أما في الحالة اللبنانية، فإن الحلّ دائماً يكمن في التأقلم مع هذه المشكلات ومعايشتها... يكمن في التأقلم مع كل ضروب التشبيح، وصولاً للتأقلم مع تعليق البلد برمته وبالتالي التأقلم مع أبد اللا-أمل.
ينهي سمير قصير كتاب "عسكر على مين؟" بالعبارة التالية: "لم يعد أحد في البلاد يتجرّأ على الحلم". أما في "الكتاب" اللبناني، والذي هو محل تشبيح لا يُحتمل منذ عقود وعقود، فيبدو أن القراءة في متونه ما زالت ممنوعة. ويبقى السؤال: شبّيحة على مين؟!! لقد أرهقنا التعب وطول الإنتظار.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top