لا تنكر إيران حجم الضربات التي تلقتها على مستوى المنطقة، لكنّها لا تسلّم للأمر الواقع، على الرغم من تعاطيها معه، مع التسلّح "بالصبّر" وانتظار الظروف ومتغيراتها. تتوقع طهران الأصعب مع ترامب ونتنياهو، خصوصاً مع مشروعهما الذي كشفا عنه، وهو الإصرار على تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية. تبدو إيران جازمة في عدم نجاح هذا المشروع وفشله وسقوطه. الرأس والأذرعيصف أحد المسؤولين الديبلوماسيين الإيرانيين الموقف الأميركي الإسرائيلي بالجنون، والذي سيرتد على إسرائيل، وعليهم أن ينتظروا طائرات فلسطينية تهبط في أحد المطارات التي سيعمل الفلسطينيون على إنشائها في سيناء، وربما يطلقون عليه اسم "مطار يحيى السنوار". لدى سؤال المسؤول عن مشروع نتنياهو لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي انعكس ضربات عسكرية كبرى لحلفاء إيران، بالإضافة إلى تغيير الوقائع السياسية والعسكرية في لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتحييد الفصائل العراقية عن ميدان الصراع، يجيب بالقول: "أنت تجمع كل السلبيات وتطرحها عليّ". ويضيف: "لكننا نقول إن كل مشاريع توسيع إسرائيل قد فشلت وستفشل". يعلن المسؤول الإيراني أن إيران لم ولن تتخلى عن مشروعها، خصوصاً لدى سؤاله عن تخيير تل أبيب وواشنطن لطهران بين التفاوض على أذرعها أو على رأسها.
سابقتان سيئتان
يشير المسؤول الإيراني إلى أن مشروع إيران في المنطقة، كان في منحنى تصاعدي منذ انتصار الثورة الإسلامية، وتعرّض في محطات كثيرة لحالة الانخفاض، وربما منذ 46 سنة يمكن اعتبار هاتين السنتين هما الأكثر انحداراً في هذا المنحنى. لكن الحرب سجال، فيوم لك ويوم عليك، وفق توصيفه. والأساس بالنسبة إلى الإيرانيين هو انتظار التطورات والظروف ومتغيراتها. لذا تبقى البوابة الأولى للمشهد الإقليمي العام هي آلية عمل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب مع الملف الإيراني. علماً أن المسؤول يجزم بأن الأميركيين غير قادرين على ضرب إيران، لأنهم يعلمون أنه سيكون هناك مخاطر على كل القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة. ويضيف أن ترامب غير قادر على اتخاذ القرار بالحرب على إيران، ففي أميركا دولة عميقة وهذه الدولة العميقة لا تريد الحرب.
يعتبر الإيرانيون أن ترامب يتحدث للإعلام عن إيران بلغة تصعيدية، ولكن كلامه شيء والواقع شيء آخر. وكلامه عن الجلوس أو التفاوض مع إيران هو كلام غير واضح، وغير مفهوم بالنسبة لنا. فترامب لديه سابقتان سيئتان، الخروج من الاتفاق النووي، واغتيال قاسم سليماني، لذلك لا بد من الانتظار. وإذا أرادت أميركا رفع الدعم المطلق عن إسرائيل في مجالات معينة فذلك يمكنه فتح باب التفاوض. ويقول: "مستعدون لعلاقات جيدة مع أميركا إن أرادت ذلك. أما في حال أصرت على العداء والخصومة فسنبقى على مواقفنا".
"الخُمس" وإعادة الإعمار
لبنانياً، تصر إيران على ضرورة تطبيق اتفاق وقف النار، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، مع التشديد على استمرار عمل المقاومة ودعم حزب الله، بالإضافة إلى التركيز على إعادة الإعمار. وحول اختيار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي الخامنئي لأمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم وكيلاً شرعياً له في لبنان، فإن المسألة ترتبط بالجانب الشرعي وبالاهتمام في ملف إعادة الاعمار، انطلاقاً من القواعد الشرعية المرتبطة بالخُمس. يؤكد أن إيران جاهزة ومستعدة للمساهمة في إعادة الإعمار، ولكن إسرائيل وأميركا وبعض الدول الاوروبية وبعض الدول العربية لا يريدون إعادة الإعمار في لبنان بمشاركة إيران. وهم يشترطون خروج إيران للدخول في إعادة الإعمار. بعض الدول تشترط خروج إيران من الساحة ليدخلوا، وإيران تقول لهم جاهزة للخروج بشرط أن يدخلوا. ولكن يجب أن يكون هناك وقت محدد لبدء الأعمال. وبحال لم يبدأوا بذلك، فإن إيران ستتصرف وفق ما تراه مناسباً، كما حصل عندما أرسلت شاحنات الوقود.
السلاح والمقاومة
لا تبدو طهران في وارد التراجع عن مشروع دعم حزب الله. ويسأل المسؤول هل لبنان يستطيع بجيشه مقاومة إسرائيل؟ فلبنان يحتاج الى جيش قوي يستطيع أن يقاوم أي هجوم إسرائيلي. ولكن طالما أن هناك تضعيفاً مقصوداً من قبل جهات دولية كثيرة للجيش، فذلك يقتضي توفير السلاح للمقاومة التي يجب أن تكون منظمة للدفاع عن لبنان. ولدى مناقشته في مسألة التدخل الإيراني في لبنان، يجيب سريعاً بأن هناك دولاً عملت على تشكيل لجنة خماسية لحل الموضوع الرئاسي، فهل هذا يحصل في أي بلد؟ بعد حلّ هذه المشكلة يمكننا الحديث عن سلاح حزب الله وشرعيته. كلام حصر السلاح بيد الدولة هو كلام سليم. ولكن لا يمكن لأحد أن يصف سلاح حزب الله بأنه سلاح غير شرعي.
سوريا وفلسطين
تلقت إيران الضربة القاسية لمشروعها في سوريا بسقوط الأسد. لا تزال تبحث عن كيفية العودة. هناك اتهامات عديدة توجه إليها بأنها تسعى إلى التسلل من جوانب متعددة.. لكن المسؤول الإيراني يقول إن الاضطرابات الحاصلة اليوم موجودة بفعل ثورة مجتمع سوري يطالب بحقوقه ويرفض تهميشه، فسوريا تضم مكونات متنوعة جداً. لافتاً إلى أن كل الدول في هذه المرحلة تريد جس نبض النظام الجديد في سوريا حول آفاق المرحلة. والأمر الواقع حصل، ونحن لم نتدخل في الأيام العشرة الأخيرة لدى شن العملية من إدلب وصولاً إلى دمشق. والأسد اتخذ قراراً بالمغادرة ولم نستطع أن نفعل شيئاً أو نغير شيئاً. ونحن كنا موجودين في سوريا بناء على طلبه كرئيس للدولة السورية. هناك صلات مع النظام الجديد، ولكن لم نصل إلى أي نتيجة. والتجربة تقول يجب علينا أن نصبر حتى تظهر الصورة بوضوح.
يستخف المسؤول الإيراني في ما أعلنه نتنياهو وترامب عن الاستعداد لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، ويقول: "طموحات الكيان الصهيوني كبيرة، وما زال ينظر إلى دولته باعتبارها ما بين النهرين النيل والفرات. وهذه الطموحات على مدار السنوات لم تتحقق لا في الضفة ولا في غزة ولا في جنوب لبنان ولا حتى في سوريا. وحماس صمدت 15 شهراً وهي محاصرة في قطاع غزة من قبل إسرائيل ومصر. فكيف إذا تم تهجير مليوني شخص إلى سيناء. حينها ستكون مساحة الفلسطينيين واسعة جداً ويمكنها العمل بمجال أوسع. وسيتوسع نشاط الفلسطينيين باتجاه قناة السويس والتأثير على الملاحة. مجنون من يتكلم عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. وبعد عشر سنوات سيكون هناك طائرات فلسطينية تهبط في سيناء، وسيكون هناك مطار في سيناء يمكن تسميته بمطار الشهيد يحيى السنوار. هم يصرفون أموالاً كثيرة وسيجدون مصيبة كبرى. وإذا تم تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، سيكون هناك تداعيات كبيرة أولها سقوط النظام، وثانياً التأثير على كل دول المنطقة.