واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صباح الثلاثاء في البيت الأبيض، المكابرة والعناد بالإصرار على خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وسيطرة الولايات المتحدة طويلة الأمد عليه، بل وتملكها للقطاع المدمر غير القابل للحياة، والذى ستحوله إلى منتجع سياحي كبير، أو "ريفيرا الشرق الأوسط". وبينما لاقت خطة ترامب التهجيرية تأييداً إسرائيلياً واسعاً وغير مفاجىء، من الجدار الى الجدار، من يائير ليبد وبينى غانتس وأفيغدور ليبرمان إلى نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، في تعبير صارخ عن مدى التطرف العاصف بالجمهور وبالساحة السياسية في الدولة العبرية، واجهت الخطة رفضاً فلسطينياً وعربياً وحتى إقليمياً ودوليا واسعاً، من الجدار إلى الجدار أيضاً، لكنه لا يكفي على أهميته لإفشال الخطة العنيدة والعشوائية، حيث يحتاج الأمر بالضرورة إلى استراتيجية موحدة وخطة عمل فلسطينية وعربية، مدعومة دولياً، جدية وواقعية وقابلة للتطبيق، لملاقاة الصمود والعناد الشعبي الفلسطيني، ليس فقط بالسنوات والعقود الماضية بل خلال القرن الأخير برمته.خطة التهجيرإذن، واصل الرئيس الأميركي إصراره على خطته لتهجير كل أهالي غزة، مليونين لا مليون ونصف فقط، إلى الخارج وخلق حياة جديدة أفضل لهم في مصر والأردن وربما خيارات أخرى بعيدة، أسيوية وأوروبية، وذلك لإتاحة الفرصة أمام إعادة إعمار القطاع المدمر الذي لم يعد قابلاً للحياة، حيث ستسيطر عليه الولايات المتحدة لأمد طويل وربما حتى تتملكه فعلياً حسب تعبيره الحرفي.بداية، كان غريباً أن يستقبل رئيس دولة عظمى رئيس الوزراء الإسرائيلي كأول ضيف أجنبي بعد أقل من شهر على تسلمه مهامه، وهو أمر ومستهجن كون إسرائيل، ورغم كل الدعايات والتبجح والغطرسة، دولة صغيرة فعلياً، وتحديد مصير غزة وفلسطين والمنطقة ليس بيدها، وإذا كان ترامب غير مرتبط أيديولوجياً بالدولة العبرية، وهو كذلك فعلاً، فلا شك أن ثمة مصلحة سياسية وشخصية له ولعائلته كما قال عن حق عضو مجلس النواب الديموقراطي جيك أوشينكلوس.خطة غير شرعيةمبدئياً ومنهجياً أيضاً، الخطة غير شرعية وتمثل تطهيراً عرقياً وتهجيراً قسرياً مناقضاً للشرعية الدولية ومواثيقها، وتتجاهل أن القطاع لم يتم تدميره بفعل زلزال أو عوامل بيئية وطبيعية أخرى، وإنما نتيجة جرائم حرب وإبادة جماعية إسرائيلية تجاوزت حدود الرد العسكري على عملية طوفان الأقصى. وواضح كذلك أن ترامب نفسه لا يملك تصوراً أو طريقة لتنفيذ خطته النظرية والدعائية والخطيرة حتى الآن، ولم يتحدث كيف سيتم نقل بل تهجير 2 مليون إنسان من وطنهم ناهيك عن الرفض المصري - الأردني القاطع سياسياً وإعلامياً للخطة التي تمثل خطراً على الأمن العربي، ببعديه القطري والقومي بالمعنى الدقيق للمصطلحات، علماً أننا بصدد عملية غير شرعية، عملاقة، تحتاج إلى مليارات الدولارات ولن تمولها الدول العربية الثرية التي ترفضها رفضاً قاطعاً، بالإضافة إلى ارتدادات الخطة السلبية والكارثية على الأمن والاستقرار والسلام في فلسطين كما الإقليم برمته، وحتى العالم، باعتبار أن القضية الفلسطينية أممية بامتياز.أميركياً، تجدر الإشارة إلى الانتقادات الواسعة للخطة، سياسياً وإعلامياً، كونها فعلاً غير شرعية وغير قانونية، وتمثل تهجيراً قسرياً وموصوفاً لأهالي غزة، وخروجاً فظاً عن الأعراف الأميركية والدولية لا يمكن أن يقبل به أحد.رفض عالميثمة رفض قاطع فلسطيني وعربي ودولي، لكنه لا يكفى وحده على أهميته لمنع الخطة وإفشالها، مع الانتباه بالسياق إلى البيان السعودي الرافض لها، الذي صدر بعد دقاق فقط من لقاء ترامب -نتنياهو، وقبل ذلك بساعات كان قد صدر أيضاً بيان تركى مصري مشترك إثر لقاء وزيري الخارجية هاكان فيدان وبدر عبد العاطي، في العاصمة أنقرة، وأكد على ما يمكن اعتباره الأسس والقواعد المتفق عليها عربياً وإسلامياً وحتى دولياً تجاه غزة وفلسطين بشكل عام والمتضمنة إنهاء الحرب وإعادة الإعمار ضمن أفق سياسي جدي ولا رجعة فيه، نحو إقامة الدولة المستقلة وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه.في السياق الفلسطيني ثمة رفض من الجدار إلى الجدار، ويتعلق الأمر بالسلطة في رام الله والفصائل، حماس وحلفاءها في غزة، كون الخطر جدي وداهم ولا يقتصر على غزة وحدها، حيث تتضمن خطة ترامب في سياقها الواسع ضم إسرائيل للضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها-نصفها على الأقل- وربما تهجير جزء من أهلها أيضاً إلى الأردن والخارج، وحتى لو لم يحدث ذلك، فلا دولة فلسطينية بدون غزة ولا دولة في غزة فقط كما يقال حتى لو في سياق خطابي.خطة فلسطينيةبالعموم، لتجاوز المعطيات الخطابية والاستعراضية على الساحة الفلسطينية برمتها، نحتاج بالضرورة إلى تسمية الأشياء بأسمائها، وخطة فلسطينية لإعادة الإعمار، جدية وقابلة للدعم عربياً ودولياً، وهذه لن تبصر النور بظل سيطرة حماس والفصائل الفعلية على أنقاض غزة المدمرة، ولا سلطة محمود عباس أو الحكومة البتراء الحالية الخاضعة لسيطرة الرئيس الثمانيني المنفصل عن الواقع، ما يعني أننا بحاجة إلى إعلان صريح من حماس عن تسليم حكم قطاع غزة للسلطة برام الله على علاتها، وتسلميها وتكليفها التفاوض على المرحلة الثانية والنهائية لاتفاق وقف إطلاق النار المؤقت وفق النموذج اللبناني، وعلى عباس أن يفهم أن هذا، كما الدعم العربي والدولي، ليس شيكاً على بياض وإنما هو مرهون بتشكيل حكومة توافق مصداقة، ترأسها شخصية وطنية كفؤة ونزيهة في استنساخ لنموذج جوزاف عون - نواف سلام في بيروت .أخيراً وباختصار، تركيز الخطر داهم وجدي حتى لو كان نظرياً إلى الآن، كون غزة مدمرة فعلاً وتحولت إلى ركام وأنقاض، ولم تعد صالحة للعيش والحياة، لكن خطة إعمارها لا بد وأن تتم من قبل أهلها الأصليين وبدعم عربي وإسلامي ودولي واسع، وعلى أرضية وطنية قومية سياسية صلبة وراسخة، ولا تتم وفق ذهنية السمسار والمطور العقاري، أو لتحويل غزة إلى منتجع "ريفيرا" وواجهة بحرية عالمية لترامب وصهره جاريد كوشنير وحلفائهم من الشركات متعددة الجنسيات والسيئة الصيت.