منذ نحو ثلاثة أسابيع، تتواصل المساعي لتشكيل الحكومة الجديدة، في أعقاب انتخاب الرئيس عون، وهي خطوة جاءت وسط ضغوط أميركية ودولية متزايدة، خصوصًا بعد تبدّل موازين القوى الداخلية نتيجة المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، والتي انتهت بتغيير المعادلات السياسية والأمنية في المنطقة. ووسط مشهد سياسيٍّ معقّد ومليء بالتحديات، تلوح في الأفق بوادر انفراج على صعيد تشكيل الحكومة الّلبنانيّة، حيث يسعى الرئيس المكلف نواف سلام إلى تجاوز العقبات الّتي تعترض طريقه. ووفق ما صدر عن كواليس التشكيل، أكدّ رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون، ضرورة الاستفادة من الدعم العربيّ والدوليّ المتاح للبنان في ظلّ التحديات الراهنة. وأشار إلى أنّ الحكومة ستبصر النور قريبًا، في ظلّ الجهود الّتي يبذلها الرئيس المكلّف نواف سلام لإزالة العراقيل الّتي تعترض التشكيل.
وفي هذا السّياق، من المقرر أن يلتقي سلام اليوم الرئيس عون في قصر بعبدا، في إطار التشاور حول مستجدات الملف الحكوميّ والتطورات السّياسيّة ومن المفترض أن يُقدّم تشكيلة حكوميّة كاملة.. وأشارت أوساط مطلعة إلى أنّ توافقًا أوليًّا تمّ بين سلام وحزب القوّات اللّبنانيّة بشأن توزيع الحصص الوزاريّة، حيث حصل الحزب على أربع حقائب وزارية، من بينها حقيبة الخارجيةّ، مقابل المشاركة في الحكومة وعدم إثارة ملف وزارة الماليّة.توزيع الحصص الوزارية وعقد التفاوضبحسب المعلومات المتوفرة، فإن الرئيس المكلف لا يزال يواجه صعوبات في إرضاء مختلف القوى السّياسيّة، حيث يطالب كل من التيار الوطني الحر وحركة أمل بمقاعد وازنة ضمن التشكيلة الحكومية. كما يسعى نواف سلام إلى تحقيق توازن سياسيّ يضمن عدم سيطرة أي طرف على الحكومة، ويحاول تقديم تشكيلة حكومية تكون قادرة على العمل بفعالية دون أن تكون خاضعة لمصالح سياسية ضيقة، وهو ما يجعله يصطدم بإصرار بعض القوى على الاحتفاظ بحقائب معينة. ومن هنا، تجري المفاوضات على أكثر من خط، بهدف تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف وإيجاد حلول وسطى لتوزيع الوزارات السيادية والخدماتية.
في موازاة ذلك، أبدى حزب الكتائب اللبنانية دعمه لمطالبة القوات اللبنانية بحقيبة الخارجية، مؤكدًا أنه أبلغ الرئيس المكلف بموقفه، في إطار تنسيق المواقف السياسية المتعلقة بالحكومة المقبلة. أما على الصعيد الدولي، فقد استقبل الرئيس المكلف نواف سلام نائبة رئيس وزراء سلوفينيا ووزيرة الخارجية تانيا فايون، حيث بحثا الأوضاع العامة في لبنان والعلاقات الثنائية. كما التقى سلام المفوض العام لوكالة "الأونروا" فيليب لازاريني، حيث تم التطرق إلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ودور الوكالة في ظل الأزمة المستمرة.ملف الجنوب والمفاوضات الدوليةعلى صعيد آخر، طلب الرئيس جوزاف عون من فرنسا التدخل للضغط باتجاه تنفيذ اتفاق إطلاق الأسرى اللبنانيين، والمقرر ضمن مهلة 18 شباط الجاري، وذلك خلال استقباله السفير الفرنسي في بيروت هيرفيه ماغرو وعددًا من المسؤولين الفرنسيين المعنيين بملف مراقبة وقف إطلاق النار. وخلال اللقاء، شدد الرئيس اللبناني على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة، ووقف انتهاكاتها لاتفاق وقف إطلاق النار، خصوصًا فيما يتعلق باستمرارها في تدمير المنشآت المدنية ودور العبادة في المناطق الجنوبية. في سياق متصل، شهد قصر بعبدا مراسم تسلّم أوراق اعتماد 13 سفيرًا جديدًا معتمدين في لبنان، من بينهم سفراء فرنسا، الولايات المتحدة، مصر، قطر، وسريلانكا. وخلال المراسم، نقل السفراء تحيات رؤساء دولهم إلى الرئيس اللبناني، مؤكدين استعدادهم لتعزيز التعاون مع بيروت في مختلف المجالات.
في ظل هذا المشهد السّياسي الحافل، يبقى السؤال الأبرز: هل يتمكن نواف سلام من اجتياز العقبات المتبقية وتقديم حكومة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية المتزايدة؟ أم أن التجاذبات السياسية المعتادة ستعيد البلاد إلى دوامة المراوحة والتأخير؟ الأجوبة ستتضح ربما في السّاعات المقبلة، فيما يترقب اللبنانيون بصيص أمل في تشكيل حكومة طال انتظارها.