ينظر الفلسطينيون إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فجر اليوم الأربعاء، والتي جدد فيها دعوته إلى نقل سكان من غزة إلى مصر والأردن، بمشاعر تجمع بين القلق والغضب.
رفض فلسطيني
ولاقت تصريحات ترامب ردود فعل فلسطينية غاضبة ورافضة لفكرة التهجير، سواء طوعا أو قسرا، حيث أكد أمين سر منظمة "التحرير" رفض دعوات التهجير للشعب الفلسطيني من أرض وطنه، مثمنا "الموقف العربي الملتزم بالثوابت". في حين، شددت حركة حماس على رفضها المطلق لتصريحات ترامب، معتبرة إياها "وصفة" لإنتاج الفوضى والتوتر في المنطقة، وتصفية للقضية الفلسطينية.
في المقابل، لاقت تصريحات ترامب ترحيباً من كل الأطياف السياسية الإسرائيلية، حيث قال زعيم "معسكر الدولة" المعارض بني غانتس، إن ترامب طرح طريقة تفكير "مثيرة وإبداعية يجب دراستها"، معتبرا أن ترامب أظهر مرة أخرى أنه "صديق حقيقي لدولة إسرائيل، ويقف إلى جانبها في القضايا الملحة لتحصين أمنها". كما أثنى رئيس المعارضة يائير لابيد على فكرة ترامب بالسيطرة على غزة.
قلق جدّي
وقال مسؤول فلسطيني لـ"المدن"، إن هناك قلقاً جدياً لدى قيادة السلطة من مخطط التهجير، سواء من غزة أو الضفة الغربية، مشيراً إلى اتصالات مستمرة تجريها السلطة في إطار اللجنة العربية السداسية، لتنسيق الجهود في سبيل مواجهة رؤية ترامب بشأن التهجير.
وأضاف المصدر أن ترامب، إلى جانب إصراره على استقبال الأردن ومصر سكاناً من غزة، فإنه ادعى أيضا أن 4 أو 5 دول إضافية مستعدة لاستقبالهم.
ووفق المسؤول الفلسطيني المقرب من رئيس السلطة محمود عباس، فإن ترامب تبنى مشروعاً إسرائيلياً بشأن تهجير سكان من غزة، خصوصاً بعد أن قدّم له وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر في الأسبوع الأول لنجاحه بالانتخابات الرئاسية، أي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، خطة بعنوان "الهجرة الطوعية"، تهدف إلى تقليل عدد سكان قطاع غزة.
"صفقة القرن بلاس"
كما كشف المصدر الفلسطيني الرسمي، أن الرسائل التي وصلت السلطة من ترامب، تؤشر إلى إصراره على طرح مشروعه للسلام في المنطقة من جديد، تحت عنوان "صفقة القرن +1" أي مع إضافات أخرى، تحت غطاء الصفقة الشاملة للمنطقة، بدعوى أن حرب غزة والتغييرات التي حصلت في المنطقة خلال الـ16 شهراً الأخيرة، تمهد الطريق لتطبيق خطته.
لكن المصدر نفسه نفى أن يكون مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، قد فتح موضوع التهجير خلال لقائه قيادة السلطة أو زعماء المنطقة أخيراَ.
والحال أن ترامب يرى فائدتين في مسألة نقل سكان من غزة إلى الخارج، الأولى باعتبارها وصفة لتحييد خطر "القنبلة الديموغرافية" على حليفته إسرائيل، وهي رؤية إسرائيلية قديمة وجديدة، لكنها وجدت في تدمير غزة، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، فرصة نادرة لجعل الأمر "حقيقة"، ولو تراكمياً.
أما الفائدة الثانية، بمنظور ترامب، فهي استثمارية، إذ يعتقد أن القطاع بمثابة موقع استراتيجي مهم لإقامة استثمارات تدر أموالاً كثيرة، وفق ما أكدته مصادر سياسية مقيمة في واشنطن لـ"المدن". وأضافت المصادر ذاتها أن ترامب يبني سياسته على الاستماع أكثر من الدراسة، إلى جانب نهجه المعتمد على الإيمان بالخطوات التي يراها "الأفضل لأميركا"، ويمكن تطبيقها بسرعة أكبر.
خشية أردنية
أردنياً، تنظر المملكة إلى دعوات ترامب بقلق كبير، وفق ما أكده النائب الأردني السابق سمير عويس لـ"المدن"، مبيناً أن المملكة تعد الدولة العربية الأكثر حساسية فيما يتعلق بالتهجير، لكونه مرتبطاً بهاجس دائم لديها فيما يتعلق بتهجير سكان الضفة، ومصطلح "الوطن البديل".
وأوضح عويس أن الأردن في وضع ديمغرافي وسياسي لا يحتمل أي تهجير لفلسطيني واحد، مشدداً على أن الأمر "خط أحمر" بالنسبة للأردنيين.
وبهذا المعنى، يرى أن عمّان لن تقبل التهجير، سواء كان مؤقتاً أم دائماً، مهما بلغت ضغوط ترامب عليها، معتبراً أن الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح الأمور، خصوصاً على ضوء ما ستسفر عنه زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن الأسبوع المقبل، ومن بعده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومدى قدرتهما على خلق توازن معين في موقف ترامب الذي تماهى بشكل مطلق مع رؤية إسرائيل. كما يُنظر إلى الدور العربي الجمعي كعامل مهم لمنع التهجير.
وعبّر عويس عن اقتناعه بأن دعوات ترامب لتهجير سكان من غزة، ستصطدم بواقع فلسطيني رافض للتهجير والإملاءات الأميركية، لكنه ربط الأمر أيضاً بمدى صلابة الموقف العربي وصموده أمام ضغط أميركي غير مسبوق متوقع خلال الأشهر المقبلة، وكذلك توحد الفلسطينيين على الحد الأدنى من سبل المواجهة السياسية والوطنية لخطة ترامب-نتنياهو، إلى جانب سيرورة الأحداث الميدانية والسياسية في المرحلة القادمة.
"سنتان لتغييرات تاريخية"!
في غضون ذلك، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر في حاشية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن زيارة الأخير للولايات المتحدة كانت ناجحة وفاقت كل "توقعاتنا وأحلامنا"، وسيكون لها تداعيات كبيرة للغاية حيال مستقبل إسرائيل. وأضاف المصدر الإسرائيلي "إننا مقبلون على سنتين يمكن فيها قيادة تغييرات تاريخية ولا يجوز لنا تفويت الفرصة".
بينما سارع الوزير اليميني المستقيل إيتمار بن غفير، إلى القول إن فرص عودة حزبه إلى حكومة نتنياهو، قد زادت، مضيفاً في حديث إذاعي، أن الكرة في ملعب نتنياهو، وأنه إذا بدأ في تطبيق أفكار ترامب، في إشارة إلى ترحيل الفلسطينيين، فإنه سيجده إلى جانبه في الحكومة.