2025- 02 - 05   |   بحث في الموقع  
logo المطارنة الموارنة: ليشكل سلام الحكومة بأسرع وقت ممكن logo رفض فلسطيني وعربي ودولي لخطة ترامب: غزة ليست عقاراً! logo عدوان يؤكد طلب القوات لضمانات من سلام logo طهران ترد على ترامب: ضغوطك القصوى ستفشل! logo "صفقة القرن +1".. كيفية إحباط مخطط ترامب للتهجير؟ logo سحب القوات الأميركية من سوريا... البنتاغون بدأ بإعداد الخطط logo استشهاد طفل في الجنوب logo العدو الاسرائيلي يتابع احراق المنازل في الجنوب
وزارة الماليّة: صورة النموذج الاقتصادي في حقبات
2025-02-05 11:55:54


لم تكن وزارة الماليّة، منذ انتهاء الحرب الأهليّة عام 1990، سوى مرآة النموذج الاقتصادي كما تطوّر -أو تدهورت أحواله- على امتداد الحقبات المختلفة. طُبعت الوزارة في كل حقبة بصورة مرجعيّة سياسيّة مختلفة، وارتبط إسمها بلونٍ طائفي محدّد في مراحل معيّنة. غير أن دورها الوظيفي ظلّ هو نفسه، فتلوّنت ولوّنت السياسيّة الماليّة للدولة بما يخدم تركيبة المصالح القائمة في النظام الاقتصادي اللبناني، بحسب مقتضيات المرحلة. ولم تحد الوزارة عن هذا الدور في مطلق الحالات، ولم تنشأ يومًا سياسة ماليّة تطوّع تدخلات الدولة وسياستها العامّة، في خدمة تحوّل اقتصادي مشتهى، بدل الدفاع عن المصالح المرتبطة بالنموذج الموجود أصلًا.
صلاحيّات وزير الماليّة، التي توسّعت بعد اتفاق الطائف، كانت الفرصة والخطورة في آنٍ معًا. كانت فرصة فيما لو قُدّر أن تُدار الوزارة بعقليّة تجعلها "المطبخ المالي" للدولة، وكجزءٍ من الرؤية الاقتصاديّة الأوسع للحكومة. كان يمكن لوزارة الماليّة عندها أن تكون جزءًا من مسعى التحوّل الاقتصادي المنشود. وكانت تلك الصلاحيّات الخطورة في الوقت نفسه، إذا ما تحوّلت الوزارة إلى "عنق الزجاجة" الحامي لمصالح النخب الماليّة، والمانع للتحوّل المنشود نفسه. وغنيٌ عن القول أن ما جرى طوال الأعوام الـ 25 الماضية، جاء في سياق السيناريو الثاني، لا الأوّل. من هذه الزاوية، وتمامًا كما يُفهم الاهتمام بالوزارة اليوم من زاوية صلاحيّتها، يُفهم على النحو نفسه أثر هذه الصلاحيّات في صياغة سياسات الدولة العامّة.

حقبة ما بعد الحرب
بعد اتفاق الطائف، بات توقيع وزير الماليّة لازمًا لتمرير أي مرسوم يترتّب عليه أعباء ماليّة، إلى جانب توقيع الوزير المختص ورئيسي الحكومة والجمهوريّة. وهذا ما وسّع من حجم الصلاحيّات المنوطة بمنصب الوزير، الذي يشرف كذلك على تقديم مسودّة مشروع قانون الموازنة إلى مجلس الوزراء، بعد أن تقوم وزارته بالتفاوض مع الإدارات العامّة على سقوف الإنفاق، وبتقدير حجم الإيرادات. وإذا ما أخذنا بالاعتبار صلاحيّة الوزير في مراقبة تنفيذ الموازنة، وإعداد قطوعات الحساب، يمكن القول أن وزارة الماليّة باتت تمسك بقدرٍ أوسع من مفاتيح السياسة الماليّة للحكومة.
منذ العام 1992، وحتّى العام 2011، قبضت "الحريريّة السياسيّة" على مفاتيح وزارة الماليّة، باستثناء فترات محدودة زمنيّة، كحال حقبة الوزير جورج قرم بين عامي 1998 و2000، أو الياس سابا بين تشرين الأوّل 2004 ونيسان 2005. وحتّى في تلك المراحل، لم تخرج إدارة وزارة الماليّة الفعليّة من عهدة الطاقم المحيط بالحريريّة، الذي وسّع نفوذه داخل أروقة الوزارة، وترك بصماته على آليّات عملها. ويمكن لبعض من يريد مغازلة تلك المرحلة أن يستذكر جهود هذا الطاقم في وضع أصول تحصيل الضرائب، وخصوصًا الضريبة على القيمة المُضافة أو ضريبة الدخل، في مرحلةٍ كانت تشهد إعادة الإعتبار لمؤسسة الدولة بعد نهاية الحرب الأهليّة.
لكن بعيدًا عن هذه الخطوات، ثمّة الكثير مما يمكن قوله عن تلك المرحلة، التي أسّست لدور الدولة المالي في حقبة ما بعد الحرب. لم تكن المشكلة الأساسيّة في هذه السياسة الماليّة زيادة الديون فقط، على ما تقول السرديّة الشائعة. بل تكمن المشكلة الأهم في وجهة الإنفاق أولًا، الذي لم يندرج في إطار أي سياسة اقتصاديّة تبني القطاعات التي يمكن أن تجعل هذا الدين مُستدامًا. ليس المشكلة في أن تُنفق أو تستدين، بل أن تنفق على ما لا يمكن أن يرد أصل الدين. كانت مزاوجة هذه السياسة الماليّة، مع سياسة الفوائد المرتفعة، وتدعيم تضخّم القطاع المصرفي بتمويل العجز الحكومي، بذور الأزمة التي تضخّمت لاحقًا.
يستذكر كثيرون أدوارًا لعبتها وزارة الماليّة في تلك المرحلة. المحطّة المفصليّة في تلك المرحلة، كانت عام 1998، حين بدأت الحكومة لأوّل مرّة الاستدانة بالدولار الأميركي، وإصدار سندات اليوروبوندز. بدايات هذه الاقتراض، بعملة لا يطبعها لبنان، كانت بذرة التخلّف عن السداد عام 2020، بعد تفاقم أزمة شح السيولة بالعملات الأجنبيّة. تم دسّ هذا الإجراء في مشروع قانون موازنة العام 1998، الذي أُرسل إلى البرلمان على عجلة، قبل أقل من 24 ساعة من اجتماع مجلس النوّاب لمناقشته. وكان على مجلس النوّاب إقرار الموازنة/التهريبة، تحت طائلة إصدار مشروع الموازنة بمرسوم من قبل الحكومة. في مجلس النوّاب، تولّى الرئيس برّي تمرير المشروع، ومرّ.
كثيرةٌ هي الانتقادات الموجّهة لتلك المرحلة، والتي باتت معروفة وشائعة اليوم. منها تلك التي تستند إلى تقارير ديوان المحاسبة، والتي أظهرت اختلالات في الإجراءات المحاسبيّة المعتمدة في الوزارة. وتلك التي تصوّب على تجاوز إعداد قطوعات الحساب لسنوات متتالية، ما يصعّب مهمّة الرقابة على الإنفاق العام. وعلى مستوى السياسة الاقتصاديّة العامّة، طبّعت تلك المرحلة تركيز الاستثمار والإنفاق العام في المدينة-المركز، على حساب الأطراف المترامية. وهذا ما تكامل بدوره مع ابتعاد السياسة العامّة نفسها عن التركيز على القطاعات الإنتاجيّة، في مقابل التركيز على أنشطة القطاع المالي، أو قطاع الخدمات عامةً.
كان لتلك المرحلة رهاناتها السياسيّة أيضًا. قاطرة "السلام" التي اعتقد كثيرون أنّها آتية إلى الشرق الأوسط، في مرحلة شهدت بدايات اتفاقيّات السلام الإسرائيليّة الفلسطينيّة، في بداية التسعينات. وكان يمكن أن يُنظر إلى لبنان في منطقة كهذه، كواحة استثماريّة أو سياحيّة أو ماليّة. غير أنّ العواصف التي تتالت على المنطقة بعدها، منذ احتلال العراق عام 2003، وتفاقم الاستقطاب السنّي الشيعي، ومن بعدها اغتيال الحريري نفسه، وتعثّر مسار السلام من جهة أخرى، كلها تطوّرات أطاحت بهذا الرهان.

حقبة "الشيعيّة السياسيّة" في الماليّة
دخلت وزارة الماليّة إلى مظلّة "الشيعيّة السياسيّة" في نفس المرحلة التي شهدت تنامي نفوذ الثنائي الشيعي داخل المشهد السياسي اللبناني. وشاءت الأقدار أن يحل الوزير علي حسن خليل في منصبه الوزاري في الماليّة لأوّل مرّة، بعد سنتين من ظهور أولى إشارات تعثّر النموذج الذي قامت عليه المرحلة السابقة. منذ العام 2011، كان قد بدأ العجز في ميزان المدفوعات، أي أنّ حجم الدولارات الخارجة من البلاد فاق الوارد منها إلى النظام المصرفي. وبات على وزارة الماليّة أن تلعب لعبتها مع مصرف لبنان، لشراء الوقت، بعدما لعبت لعبة أخرى قبلها لبناء النموذج.
شهدت الوزارة في حقبة علي حسن خليل عمليّات "السواب" الشهيرة، التي استبدلت فيها الوزارة سندات الدين المقومة بالليرة بأخرى مقوّمة بالدولار. أرادت الوزارة يومها منح السندات المدولرة لمصرف لبنان، ليتمكّن من بيعها وجمع العملة الصعبة. غير أن النتيجة البديهيّة كان دولرة الدين العام نفسه، وتضخيم حجم الديون المتراكمة بالعملات الأجنبيّة. هذه الديون، هي التي يحار لبنان في كيفيّة التعامل معها اليوم. وخلال الحقبة نفسها، كان مصرف لبنان يستخدم أدوات الدين السيادي، في عمليّات "الهندسات الماليّة" الشهيرة، من دون أن تستخدم وزارة الماليّة صلاحيّتها كسلطة وصاية ورقابة على المصرف المركزي.
ثم بعد الانهيار، كانت وزارة الماليّة نفسها عنق الزجاجة في مراحل عدّة، في وجه العديد من الإصلاحات التي كان يمكن أن تمس النخب الماليّة في البلاد. استخدم وزير الماليّة غازي وزني –عام 2020- صلاحيّته لسحب مسودّة مشروع قانون الكابيتال كونترول عن طاولة مجلس الوزراء، بناءً على "طلب مرجعيّته السياسيّة" كما يقول. فطار المشروع، وطارت معه القيود التي كان يمكن أن تحد من عمليّات تهريب الودائع لصالح النافذين. وعلى مدى السنوات الماضية، كانت الوزارة تبتعد عن ممارسة دورها الرقابي، لملاحقة الشبهات المحيطة بعمل المصرف المركزي، أو بكيفيّة تراكم الخسائر فيه.

لم تثبت وزارة الماليّة في خانة طائفيّة أو سياسيّة واحدة. ولم يثبت أداء الوزارة على سياسة عامّة محدّدة في كل مرحلة وأمام كل استحقاق. إلا أنّ الوزارة لم تبتعد يومًا من خانة حماية المصالح المتجذّرة داخل النظام الاقتصادي اللبناني. وكل السجال المحيط بالوزارة اليوم، بخصوص طائفة الوزير ومرجعيّته السياسيّة، لا تقارب البحث في دور الوزارة الوظيفي خلال المرحلة المقبلة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top