يتهيّب العالم بأسره ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. بعد أيام قليلة على دخوله إلى البيت الأبيض، بدأت الإشكالات تتبدى بوضوح مع دول كثيرة، من بينها أهم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، ككندا، ودول أوروبية كثيرة تجد نفسها أمام تهديدات جدية سيلحقها ترامب في بنية التحالفات الأوروبية الأميركية، وعلى مستوى مؤسسات هذا النظام القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. تبقى منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق المعرضة لمخاطر ترامب وسياساته. وهو يحضّر لزيارة جديدة إلى المملكة العربية السعودية في الأسابيع القليلة المقبلة. عنوان الزيارة هو إرساء قواعد سياسية جديدة في المنطقة من وجهة نظر ترامب نفسه ولا أحد غيره، بالإضافة إلى الدفع باتجاه التطبيع مع إسرائيل. فوق كل الاعتراضات التي صدرت عن دول عربية ولا سيما مصر حول رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إليها أو من الضفة الغربية باتجاه الأردن، كرر ترامب مواقفه بأنهم سيرضخون لما يريده.
"توسيع" إسرائيل!
من أخطر ما قاله ترامب أيضاً في الأيام الماضية، هو الإشارة إلى مساحة إسرائيل الصغيرة والتي تستحق أن تتسع بالنسبة إليه. مثل هذا الكلام كان قد أطلقه في السابق عندما كان مرشحاً رئاسياً، لكن تأكيده، وهو رئيس للولايات المتحدة الأميركية، له معان مختلفة لا سيما عندما يريد ترامب إقران قوله بالفعل. فذلك يضع المنطقة العربية في مواجهة مخاطر تصغير كياناتها مجدداً لصالح توسيع جغرافية إسرائيل. وهذا يضع مصر، الأردن، سوريا، ولبنان في مواجهة مخاطر كبيرة. علماً أن أي مسعى لتصغير الكيانات لا بد له أن يمرّ من خلال تزكية الصراعات الطائفية والمذهبية، أو الشروع في مشاريع التهجير الممنهج للسكان. لا سيما أن ترامب يصر على فرض مسار السلام والتطبيع في موازاة الإصرار على رفض قيام الدولة الفلسطينية، وتوسيع مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين منها.
إضعاف الدول
يمثّل مشروع اليمين الإسرائيلي تهديداً للأمن القومي العربي ككل. فإسرائيل الدولة الصغرى والطامحة لتكريس معادلة "التفوق" على الدول الأخرى، هي حتماً صاحبة مشروع ضرب "الجغرافيات" الكبرى، أو الدول صاحبة الدور والتأثير في المنطقة. هنا تجد مصر نفسها الأكثر عرضة للتهديد، وهي التي خرجت من معادلة التأثير الكبير على المستوى العربي بعد اتفاق كامب دايفيد. ما تسعى إليه إسرائيل هو إضعاف أي دولة من دول المنطقة، أو أي مشروع يتناقض مع مشروعها. فمواجهتها للمشروع الإيراني عبر قضم النفوذ وليّ الأذرع أو قطعها، ستنسحب على مواجهة دول أخرى على المستوى الاستراتيجي، كتركيا مثلاً، أو أي تكتل عربي يعرض مشروعاً جديداً خارجاً عن السياق الإسرائيلي. هنا تبدو تل أبيب مبادرة استباقياً لمنع ذلك ولإعادة ترتيب وقائع المنطقة وفق رؤيتها وبما يكرّس تفوقها الأمني، العسكري، التكنولوجي، السياسي، والاقتصادي، وحتى الديمغرافي. ولو اقتضى ذلك إعادة إحياء أو انتاج الصراع بين مكونات مختلفة طائفياً، عرقياً، مذهبياً، أو قومياً. وقد كانت التصريحات الإسرائيلية في غاية الوضوح حول العلويين، الأكراد والدروز، وحتى مناطقياً من خلال تغذية مفهوم "مناطق الحكم الذاتي" أو الخروج على مبدأ الدولة الموحدة من قبل فصائل عديدة في الجنوب السوري أو في شرق سوريا.
فيديوهات نتنياهو
جاءت تصريحات ترامب قبيل لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى بوضوح إلى إعادة تجديد الحرب في غزة وحتى في جنوب لبنان. ذهب نتنياهو إلى لقاء الرئيس الأميركي، مزوداً بفيديوهات كثيرة عرضها على ترامب وإدارته، حول إمساك حماس بالأرض في قطاع غزة، والحفاظ على بنيتها العسكرية وصورتها التنظيمية، من خلال الاستعراض الذي قدمته أثناء عملية تسليم الأسرى. وهو ما انعكس بشكل سلبي جداً على الداخل الإسرائيلي. كما يصطحب نتنياهو معه صور فيديوهات للوضع في جنوب لبنان، والتفجيرات التي لا تزال القوات الإسرائيلية تنفذها في القرى تحت عنوان "مخازن ومواقع وأنفاق لحزب الله"، بالإضافة إلى صور وفيديوهات لعمليات استهداف شحنات أسلحة للحزب جنوب الليطاني وشمال الليطاني أو على الحدود اللبنانية السورية، مع شكاوى حول عدم فعالية عمل اللجنة الخماسية المراقبة لآلية تطبيق الاتفاق، وأن لبنان لم ينفذ ما طُلب منه حتى الآن، طالما أن حزب الله لا يزال يحتفظ بمواقعه وأسلحته في جنوب نهر الليطاني. كل ذلك يحمله نتنياهو معه كذريعة لاستئناف الحرب، أو لمواصلة الضربات ولتأجيل جديد للانسحاب من جنوب لبنان، إلا في حال أقدم ترامب على مقاربة مختلفة تحدث تغييراً جذرياً أو جوهرياً في مسار تطبيق الاتفاق.
بناء على نتائج اجتماع نتنياهو بترامب، يفترض أن تزور مساعدة المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس لبنان يوم الخميس، لعقد لقاءات مع مختلف المسؤولين والبحث معهم في مسار تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وإبلاغ اللبنانيين بالشروط الجديدة أو الوجهة التي سيعتمدها ترامب لإلزام الدولة اللبنانية بتطبيق كامل بنود الاتفاق على قاعدة "إنهاء السلاح" خارج الدولة اللبنانية، وعدم الفصل والتفريق ما بين جنوب نهر الليطاني وشماله. كما أن هناك خرائط سيتم تزويد الدولة اللبنانية بها ما بين شمال النهر أو جنوبه أو حتى على مجراه، بوصفها مناطق تحتوي على مخازن أسلحة وصواريخ لم يتم الدخول إليها حتى الآن، ولا بد من التعامل معها وفق مقتضيات الاتفاق.