2025- 02 - 04   |   بحث في الموقع  
logo أيام وليالي أم كلثوم في لبنان logo وقف المساعدات الأميركية: صدمة مؤلمة لخسارة مئات ملايين الدولارات logo الظهور الأول لزوجة أحمد الشرع logo من هي الشابة السورية التي رافقت الشرع إلى السعودية؟ logo ملكة جمال لبنان السابقة ساندرا رزق تستمتع بوقتها على أحد شواطئ دبي (صور) logo تشيلسي يهزم وست هام ويصعد للمركز الرابع في الدوري الإنكليزي logo رسميا.. لا مواجهات سعودية في ثمن نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة logo صفقة جزائرية ثانية.. مارسيليا يعلن التعاقد مع إسماعيل بن ناصر
سوريا بلا جيش.. لحسن الحظ أم لسوئه؟
2025-02-04 10:55:54

قبل أسبوع أجرى ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، محادثات في دمشق، قيل أنها جيدة، وكانت تتويجاً لتصريحات إيجابية متبادلة بين موسكو والإدارة الجديدة في سوريا. في أصداء تلك الزيارة، انصبّ اهتمام المتابعين على مصير القاعدتين الروسيتين في طرطوس وحميميم، وعلى مصير المخلوع اللاجئ في روسيا، بشار الأسد، وبدرجة أقل على الديون الروسية، وما إذا كانت ستُلغى مقابل عدم مطالبة السوريين بتعويضات عن الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية أثناء دعمها الأسد.إثر محادثاته في دمشق، نوّه بوغدانوف بـ"الطبيعة الودية، تقليدياً، للعلاقات منذ حصول سوريا على الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية". وإذا تجاوزنا الصياغة الدبلوماسية للعبارة السابقة، يصحّ القول أن العلاقة الودية بعد استقلال سوريا قامت في المقام الأول على الجانب العسكري، إذ كانت روسيا الوجهة الرئيسية المتاحة للحصول على أسلحة للجيش السوري، بالإضافة إلى مشتريات أقل شأناً من بلدان كانت منضوية في المعسكر السوفياتي آنذاك.
يمكن الجزم، بلا تردد، بأن الجيش هو كلمة السر في العلاقة بين سوريا وروسيا. ومشتريات الأسلحة هي التي تسببت بالديون لموسكو، ثم كان للديون أثر في نشوء علاقات أكثر تشابكاً. وبالطبع كانت الصلات ضمن المنظور الاستراتيجي لروسيا بوصفها قوة دولية، على ألا يؤدي هذا التوصيف إلى الإعلاء من القيمة الاستراتيجية الراهنة لسوريا، وإلى اعتبار الوجود الروسي فيها مكسباً يعزّ التفريط به.حالياً، هناك وضعية مشابهة لتلك التي كانت مع مستهل الاستقلال، فبعد حلّ الجيش صارت سوريا في مرحلة تأسيس جيش جديد من الصفر تماماً. التغيير الأول في تشكيل الجيش كان داخلياً، وبدل الجيش العقائدي (البعثي) السابق نصّت القرارات الجديدة على خضوع المتطوعين في الجيش الجديد لدورة شرعية (دينية)، لتستبعد بطبيعة الحال متطوعين من غير السًنّة لا يريدون الخضوع لها.
المتطوعون الجدد سينضمون إلى عشرات الألوف من مقاتلي الفصائل التي يُفترض أنها بحكم المنحلة، وهكذا سيكون للجيش الجديد كتلة بشرية ضخمة، ومن مقاتلين مدرّبين بغالبيتهم، بل من المؤكد أنهم أشدّ استعداداً للقتال من مقاتلي الجيش المنهك المنحل. وإذا تجاوزنا مجيئهم من فصائل متعددة المشارب، وصعوبة تأهيلهم من هذه الناحية، فهم سيسدّون الفراغ البشري الذي خلّفه حلّ الجيش السابق، إلا أنهم في أحسن الأحوال لن يكونوا بمثابة جيش نظامي بالمعنى المعهود، وبالطبع لن يكونوا بمثابة جيش حديث.عقب سقوط الأسد، قام الطيران الإسرائيلي بعمليات قصف واسعة، استهدف بها مستودعات العتاد والذخيرة العائدة إلى الجيش السابق؛ تلك كانت الضربات الأخيرة ليصبح الجيش المنحل كأنه ذكرى بلا أثر. الأسلحة التي دمّرتها إسرائيل لا خطورة لها على أمنها، وقصفها هو من قبيل زيادة المكاسب بجعل مهمة تكوين جيش سوري أصعب مما لو بقي في حوزته ذلك العتاد المتقادم.
من جهة إسرائيل، يبدو الأمر حالياً كما كان مع عهد الاستقلال، فالغرب لن يساعد سوريا على تكوين جيش حديث، ولن يمدّ هذا الجيش بأسلحة فيها أدنى خطورة على أمن إسرائيل. المختلف هذه المرة أن الحكم الجديد في سوريا ليس في وارد الدخول في حرب مع إسرائيل، والإشارات الصادرة عن أعلى المستويات تصب في هذا المنحى، ولو أتت في سياق عمومي من الحديث عن أن سوريا لن تكون مصدر تهديد لجيرانها. إلا أن هذه التعهّدات لن تساعد الحكم بالحصول على أسلحة غربية ذات وزن، على الأقل لن يحدث هذا قبل توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل.سيكون طريفاً، وواقعياً في آن، القول أن الحكم الجديد قد لا يجد مورِّداً للسلاح، بشروط "مقبولة"، سوى روسيا. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو عن طبيعة الجيش الجديد ومهامه، بما أنه لن يكون معدَّاً لقتال إسرائيل، وبما أن القوة العسكرية الأخرى المجاورة هي القوات التركية، ومن المعلوم أن الجيش التركي عضو في حلف الناتو، ويضعه بعض التصنيفات العالمية المتخصصة في المرتبة الثامنة بين أقوى الجيوش في العالم. أي أن الجيش النظامي الجديد، في أحسن أحواله، لن يكون قادراً على التصدي لإسرائيل أو تركيا، وبالطبع لا يُتوقع مجيء التهديد العسكري من الأردن أو لبنان.
منطقياً لا يبقى من مبرر لإنشاء جيش، بإمكانيات ضعيفة أو متوسطة، إلا استخدامه في الداخل. السوريون خبروا هذا جيداً منذ الاستقلال، فالجيش تورط في العديد من الانقلابات على الديموقراطية الناشئة، وصولاً إلى انقلاب الضباط البعثيين في عام 1963، ثم انقلاب وزير الدفاع حافظ الأسد في عام 1970. وإذا أخذنا الحقبة الأسدية، وهي الأطول منذ الاستقلال، فقد كانت ترتيبات الحكم قائمة على أجهزة المخابرات في الأوقات الاعتيادية، ثم على تدخل القوة الضاربة للجيش عندما تفشل المهمة الاستباقية للمخابرات.قسم الأسد الجيش إلى قسمين؛ قوام الأول منهما التجنيدُ الإلزامي، وهو الجيش الذي صار يُدعى بين عموم السوريين بـ"جيش أبو شحّاطة". التسمية كانت أيضاً لتمييزه عن قوات النخبة، وقوامها الأساسي من المتطوعين، وهي أشبه بالميليشيات، وكان لها الدور الأبرز في ترهيب السوريين وارتكاب المجازر، على غرار مجزرة حماة 1982، ثم المجازر التي ارتكبها الأسد الوريث بعد اندلاع الثورة.
ومن المعلوم أن الحكم الجديد حلّ الجيش القديم، وألغى التجنيد الإلزامي، وللإجراءين شعبية واسعة بين السوريين، فوق ضرورتها. لكن فكرة وجود الجيش من الأساس لم تُطرح في نقاش سوري عام، رغم التجربة المريرة مع الجيش منذ الاستقلال. هكذا مرّت الأخبار الخاصة بحل القديم، وإنشاء الجديد كجيش محترف ضخم، بلا اكتراث، باستثناء ندرة من الانتقادات التي وُجّهت إلى الطابع الإسلامي السُني الذي حلّ مكان التوجيه العقائدي البعثي-الأسدي.هناك فكرة سُلِّم بها ولم تأخذ حقها من النقاش، تقضي بضرورة وجود جيش قوي بما يكفي لتوحيد البلاد وفرض النظام. وهذا تسليم غير مباشر بكون مهمة الجيش الجديد داخلية أولاً وأخيراً، ما يفضي إلى أن العقيدة الباطنية للجيش لم تتغير، وما تغيّر هو الشكل والشعارات فقط. ثم إن التعويل على الحزم والجيش لإخضاع البلاد لا بدّ أن يؤدي إلى تغليب منطق القوة والهيمنة، وإلى الاعتياد على التلويح بالعصا واستخدامها.
المسألة ليست كما قد يُظن لجهة احتساب الخطأ سابقاً في التطبيق، أي النظر إلى الجيش القوي كمطلب بديهي، مع الثقة (التي لا سند لها) بالقدرة على تجاوز الكوارث التي كان الجيش طرفاً فيها منذ عهد الاستقلال. يعزز من الخشية أن فصائل المعارضة، عماد الجيش الجديد، لم تكن ذات تجارب مشرقة في التعامل مع السكان في مناطق سيطرتها، ومجمل هذه التجارب ولّد القناعة بأن عدم وجود عسكر هو الأفضل.خلاصة القول إن الجيش مطابق للنظام السياسي، وهذه كلها أفكار لا تخص فقط المرحلة الانتقالية الحالية، بل تنصرف إلى تأسيس سوريا الجديدة، وعلاقة الجيش بشكل الحكم وبالسوريين، إذا انعقدت النوايا على بناء الجديد.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top