يصرّ الرئيس المكلف نواف سلام على إتباع الآليات التي يراها مناسبة في عملية تأليف الحكومة، بالرغم من الاعتراضات عليها، حيث تعتبر بعض الكتل النيابية أنها “لا تراعي وحدة المعايير، وتعتمد مبدأ الكيل بمكيالين وتفضيل تيارات وأحزاب سياسية على أخرى”، ما من شأنه أن يعرقل تشكيلها وربما ينسحب الأمر الى حجب الثقة عنها من قبل المتضررين من سلوك الرئيس سلام.
واللافت أن سلام لا يعطي أي أهمية لكل المواقف الصادرة عن الكتل النيابية، حيث يؤكد أن “الأمور تسير على قدم وساق” وأن الايجابية تسود في تعاطيه مع كل التيارات السياسية، وهو ما يخالفه واقع التصريحات، فلا القوات اللبنانية راضية، ولا الكتل النيابية السنية موافقة، ولا التيار الوطني الحر مرتاح، ولا حزب الطاشناق متجاوب مع ما يطرح عليه، في حين أن الثابت الوحيد في عملية التأليف هو التوافق الكامل بين سلام والثنائي الشيعي على أربع حقائب من بينها المالية وعلى آلية تسمية الوزير الخامس، وبينه وبين اللقاء الديمقراطي على حقيبتي الأشغال والزراعة، وما دون ذلك فإن الأمور ما تزال متشابكة ومعقدة بالرغم من محاولات الرئيس المكلف الايحاء بعكس ذلك.
بوضوح تام تحدثت القوات اللبنانية على لسان أكثر من نائب لا سيما النائب جورج عدوان الذي عبر عن “عدم إرتياح حيال الآلية التي يعتمدها الرئيس المكلف”، مهددا بعدم المشاركة في الحكومة والانتقال الى صفوف المعارضة، في حين يلوذ التيار الوطني الحر بالصمت بقرار من النائب جبران باسيل الذي قد “يبق البحصة” اليوم بعد إجتماع الهيئة السياسية للتيار الوطني الحر سلبا أم إيجابا، أما الكتل النيابية السنية فغاضبة جدا على ما تعتبره تجاوزا لها وللمناطق التي تمثلها، خصوصا أن الرئيس سلام طلب منها سيَر ذاتية لمرشحين للتوزير ولم يعطها بعد ذلك لا حق ولا باطل، وهي تهدد بحجب الثقة عن الحكومة في حال تشكلت بمعزل عن مطالبها.
يمكن القول، إن التسريبات والخبريات القائمة على التمنيات هي اليوم سيدة الموقف، فالرئيس المكلف يحتفظ بأسرار التأليف لنفسه، ويحاول التغطية على معارضة الكتل النيابية له من دون أن يحرك ساكنا لإرضائها، وهو إرتكب أكثر من “فاول” خلال الأسابيع الماضية، أولا بجعل الجامعة الأميركية وجامعات الغرب وأميركا ممرا إلزاميا للتوزير، وفي الوقت الذي إنتفض فيه البعض لكرامة الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى، رأى البعض الآخر أن الهدف من ذلك هو حرص سلام على مرور وزرائه في المصفاة الأميركية لضمان سلوكهم وتوجهاتهم، وثانيا: تطويق نفسه بتعهدات وإلتزامات، وثالثا عدم التصدي لمحاولات مصادرة صلاحياته كرئيس مكلف.
يبدو واضحا أن أكثرية الوزراء الذين سيختارهم سلام هم من منظمات المجتمع المدني والناشطين في ثورة 17 تشرين، والذين يكرهون كل الطبقة السياسية بشكل لا يوصف ويتهمونها بالفساد ويسعون منذ سنوات الى إسقاطها، وهو أمر بالغ الخطورة، كونه ينقل الصراع من المساحة السياسية العامة الى المؤسسات الدستورية المجبرة على التعاون، حيث ستكون الهوة سحيقة بين حكومة “ثورية” وبين مجلس النواب مكون من المنظومة السياسية بتياراتها وأحزابها، الأمر الذي سيضعف الانتاجية ويؤدي الى فشل ذريع أول من يحصد تداعياته العهد الطامح لإنطلاقة قوية.
The post مخاوف من حكومة “ثورية” تواجه مجلس نواب “سياسي”!.. غسان ريفي appeared first on .