من الزيارة البعيدة من الاعلام الى قصر بعبدا مساء الجمعة، الى الزيارة الثانية التي أجراها الرئيس المكلف مساء الاحد الى القصر أيضا بعيدا من الاعلام، تخرج المزيد من المعلومات عما دار بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام، وتفاصيل أكثر عن تصور الأخير للحكومة العتيدة بالاسماء والحقائب.صحيح أن اللقاءين غاصا في التفاصيل بين الحصص والاسماء وتوزيع الحقائب. لكن لم تغب عن حسابات الرئيسين الاجواء الاقليمية والدولية المحيطة والتي يتأثر بها لبنان بشكل مباشر لاسيما منذ بدء وقف اطلاق النار بين حزب الله واسرائيل في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024. هذه التطورات التي شكلت حافزا لاخذ الرئيس المكلف بطلب رئيس الجمهورية الاسراع في اعلان الحكومة في خلال أيام هذا الاسبوع.صيغة شبه مكتملةبين مطرقة الشروط الخارجية التي لا يمكن الادعاء أنه يمكن أن يتجاوزها ليس فقط الرئيسان عون وسلام، انما أيضا الرئيس نبيه بري، وبين سندان الحسابات الداخلية التي تطوق عملية التأليف، تنام التشكيلة وتستفيق على جديد.
من الصيغة التي حملها الرئيس نواف سلام الى الرئيس جوزاف عون، سربت أسماء وتوزيعات، بعضها نهائي والبعض الاخر لم يحسم بعد. كما أن عددا من العقد والشروط لا يزال يعرقل ولادة الحكومة. توضح مصادر رفيعة عليمة بمسار التأليف لـ "المدن" أن "بعض الاطراف المعنية تغير في مطالبها بعدما حدد لها الرئيس المكلف حجمها في الحكومة، لاسيما وأن نواف سلام لا يقبل بأشخاص يتولون حقائب من خارج اختصاصهم. فعلى الرغم من أن الثنائي أمل وحزب الله رضخ بأن تتم تسمية الوزير الشيعي الخامس بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وأن المالية ستبقى بيده ويتولاها النائب السابق ياسين جابر ، إلا أن تثبيت الاسماء الاخرى خضع للكثير من الاخذ والرد. فالثنائي قدم أسماء لم يقبل بها الرئيس المكلف. في المقابل فان الرئيس المكلف وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية، الذي لا يريد شخصيات شيعية استفزازية، عرض على الثنائي أسماء رفضها الاخير أيضا. لهذا، وبعدما رفض مرشح حزب الله لوزارة العمل أمين الساحلي واستبدل بآخر، لم يحسم حتى الساعة الاسم الشيعي الخامس الذي سيتوافق عليه رئيس الجمهورية والرئيس المكلف والذي لا يريدان أن يكون صداميا. وقد علمت "المدن" أن الرئيس سلام طرح اسم السيدة لميا مبيض رئيسة معهد باسل فليحان، لكن الثنائي يناقش بالاسم ولم يعط موافقته بعد.حكومة بمن حضر؟توضح المصادر أنه لا يغيب عن بال الرئيس المكلف أيضا ما يصدر من مواقف خارجية، وما يصل من رسائل أكان مباشرة أو عبر تسريبات ومصادر، آخرها ما سرب لرويترز عن رفض اميركي لتمثيل حزب الله في الحكومة.
كما لا يغيب عن باله الشروط المطلوبة اقليميا ودوليا من أي حكومة في بداية عهد رئاسي يواكب مرحلة جديدة في لبنان والمنطقة، والتي حددت منذ بيان الخماسية في الدوحة منذ سنتين مواصفات السلطة التنفيذية التي تريد منها التعاون على قاعدة من "دولة الى دولة". وبالتالي، اعتبر سلام أنه "بتسمية وزير شيعي خامس من خارج عباءة الثنائي، يكون بذلك كسر الاحتكار والتركيبة، واحتمال التلويح بسلاح الميثاقية في الحكومة".هكذا في جديد بورصة الوزارة، تكون حصة الثنائي أربع حقائب، تتوزع بين المالية والصناعة لبري، الصحة والعمل لحزب الله.
عقد بالجملةصحيح أن حقيبة المال كانت منذ البداية أم العقد. لكن بعض المطالب الاخرى لا تقل تعقيدا. ويبدو أن عقدة تمثيل القوات اللبنانية، أصبحت هي الفيصل. فجرعات التفاؤل بقرب ولادة الحكومة، والتفاهم مع كتل أخرى كالحزب التقدمي الاشتراكي، واسناد حقيبة لتيار المردة لن تكون الاعلام، لان المردة يرفض تولي الحقيبة مرة جديدة، كما اسناد حقيبة لحزب الكتائب اللبنانية قد تكون العدل، في حال بقيت الحقيبة من حصة المسيحيين والاسم المطروح عادل أمين نصار وهو مقرب من رئيس الكتائب النائب سامي الجميل، كل هذه الاجواء، بالاضافة الى ارضاء الثنائي والتفاهم معه، فجرت عقدة تمثيل القوات اللبنانية. وقد كشفت مصادر مطلعة على الرسائل التي يتم تناقلها بين الرئيس المكلف والقوات، أن "الاخيرة لم تخف امتعاضها من أداء سلام تجاهها وعدم احترامه وحدة المعايير والمساواة بين مختلف القوى". في هذا المجال، علمت "المدن" أن الرئيس سلام أعطى القوات ثلاث حقائب، خلافا لمطالبتها بأربعة، من ضمنها حقيبة سيادية هي الخارجية. وأنه باختيار أسماء كجو صدي للطاقة، وكمال شحادة للاتصالات، قد استجاب لمطالبها. على هذه المقاربة ترد مصادر القوات وتؤكد لـ"المدن" "أنها كانت عرضت مروحة من الاسماء، لكن لا يمكنها أن تعتبر أن تحجيمها وعدم اسناد حقيبة سيادية لها اسوة بالمالية التي أبقيت بيد الثنائي، واختيار أسماء لحقائب لم تعد تريدها كالطاقة، أنها ممثلة حق تمثيل في الحكومة". حتى لو رضخت القوات ووافقت على الحقائب الثلاثة، إلا أنها تصر على الخارجية، مع العلم أن رئيس الجمهورية لن يتنازل عنها والسفير السابق ناجي أبو عاصي هو المرشح لتوليها.لا تريد القوات أن تصطدم مع رئيس الجمهورية. وتقول مصادر مقربة منها للمدن، "إن الاتفاق بيننا وبين الرئيس المكلف لم يتقدم حتى الساعة. بالنسبة الينا، ما دامت وزارة المال بيد الثنائي أمل حزب الله وهي حقيبة سيادية، يجب أن تكون وزارة الخارجية وهي حقيبة سيادية أيضا من حصة القوات اللبنانية، على قاعدة المساواة ووحدة المعايير. لماذا ما يريده الثنائي تتم تلبيته وهو يستمر بفرض شروطه على الرئيس المكلف ويحصل على ما يريد على الرغم من اعتراض القوى الاخرى، ولماذا يستمر الامعان في تطويق القوات ومنع تمثيلها كما يجب؟".لا يمكن اتهام القوات أنها ذهبت بعيدا في تلويحها بعدم المشاركة في الحكومة، اذا لم تعكس مشاركتها تمثيلها السياسي والنيابي الحقيقي. تقول المصادر "إن القوات لم تحسم موقفها من عدم المشاركة، وهي طلبت استيضاحا حول: وجود فيتو عليها في الحقائب السيادية، وجود وزير ملك للثنائي، حسم المالية للثنائي، وصيغة البيان الوزاري الذي من المفترض ألا يتضمن ثلاثية جيش، شعب، ومقاومة"ليست وحدها القوات اللبنانية التي تعترض على ابقاء القديم على قدمه في ما خص حقيبة المال واحتكار التوقيع ومن خلال التحكم بمفاصل الحكومة والعمل الوزاري. فالقوات اللبنانية كما بعض القوى الاخرى ترى أن الحكومة تشكل على قاعدة قديمة، أدوات التعطيل فيها هي هي. "عطلت الحكومات من العام 2005 الى اليوم وهي حاضرة داخل الحكومة المنتظرة لتعطلها ومعها انطلاقة العهد." ما قصدته المصادر أن أدوات التعطيل تتمثل بتحكم الثنائي بحصة خماسية. "اذ لا يمكن أن نركن ألا يكون الوزير الشيعي الخامس وزيرا ملكا أو الوزير الوديعة. وبالتالي، وكما فعل سابقا، يسحب الثنائي وزراءه من الحكومة في كل مرة يطرح فيها موضوع أو يتخذ قرار أو يصدر مرسوم لا يعجبه، ويقول إن الحكومة بتراء."هو اللغم الاول الذي كان يفترض أن يتجنبه الرئيس المكلف، تقول أوساط القوات وتضيف أن هناك لغما آخر يتعلق بوزير المالية. لا علاقة له بشخص النائب السابق ياسين جابر. لكن مجرد أن يسمي الثنائي وزير المال، هذا يعني أن كل وضعية الحكومة الداخلية ستكون ممسوكة من الثنائي، وهو لا يتردد بحجب توقيعه عن أي مرسوم يحتاج الى توقيع وزير المال، وهذا الامر حصل سابقا. هي حكومة جديدة في مرحلة جديدة، تنطلق محاصرة بألغام تنتمي الى مرحلة العام 2005.التيار خارج الحكومة؟وسط كل هذا المشهد، كان التيار الوطني الحر آل على نفسه الاعتصام بالصمت. لكن تطورات الساعات الاخيرة والحديث عن ولادة وشيكة للحكومة بالشكل الذي تم التسويق له، دفعت برئيس التيار النائب جبران باسيل الى تحديد موعد عصر اليوم الثلثاء لعقد مؤتمر صحافي يتناول فيه الشأن الحكومي، بعدما أصبح معروفا أن نواف سلام أقصى التيار الوطني الحر من تشكيلته العتيدة.سلام يختصر السنةعقدة ثانية تسببت بها عقدة الثنائي، هي العقدة السنية.حاول الرئيس نواف سلام ألا يغرق في شباك عقدة ثالثة عنوانها "التمثيل السني"، بعد الكلام عن مقاطعة من هنا واعلان فدرالية عكارية من هناك. لكن مقاربته لهذا التمثيل واختصاره بشخصه وباختياره المرشحين للحصة السنية من دون الاخذ برأي الكتل السنية، خلافا لما فعل مع ثنائي أمل حزب الله، أثار ردودا عكسية، وازدادت قضية التمثيل السني تعقيدا.
حتى لو حسم التمثيل مناطقيا باختيار أسماء من الشمال، لكن المشكلة في بعض هذه الاسماء. اذ كشفت مصادر مطلعة على الجو السني أن هناك تحفظا من كتلة الاعتدال، كما من كتلة التوافق الوطني على اختيار الرئيس المكلف الاسم الذي ستسند اليه حقيبة التربية والتي بات معلوما أنها السيدة ريما كرامي. فكتلة الاعتدال تريد أن يأتي الطرح من قبلها، وكتلة التوافق تريد أقله أن يأخذ الرئيس المكلف برأيها. لهذه العقدة طرح حل، قد لا يكون نهائيا، قضى بمقايضة التربية بالعدل. فتسند الاولى للمسيحيين والثانية للسنة. وعلم أن الوزير السابق رشيد درباس ابن الشمال، وهو نقيب محامين سابق، هو أبرز المرشحين.لحقيبة الداخلية طرح نواب الاعتدال أسماء لم يقبل بها الرئيس المكلف. فرست التسمية بالاتفاق بين الرئيس سلام والرئيس عون على العميد المتقاعد أحمد الحجار. وفيما لا يزال الاخذ والرد حول وزارة الاقتصاد، الا أن اسم عامر البساط، المعروف بقربه من الرئيس فؤاد السنيورة، الاكثر ترجيحا.الحكومة على عجلبانتظار حلحلة ما تبقى من عقد، أسماء عديدة تطرح في بورصة التشكيلة الحكومية، لكن الحقيقي فيها يعرفه فقط الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.
الاكيد أن رئيس الجمهورية يريد الحكومة اليوم قبل الغد. فالمطلوب كثير من العهد ومن حكومته الاولى. حكومة يفترض أن تبصر النور قبل انتهاء مهلة وقف اطلاق النار الممددة الى الثامن عشر من شباط الحالي وما يلي ذلك اذا تم الانسحاب الاسرائيلي حينها، من اجراءات يتولاها الجيش مواكبا من الحكومة ورئيس البلاد لاستكمال تنفيذ مندرجات القرار الدولي 1701 لناحية انتشار الجيش ونزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني، وربما لاحقا البدء بنزع السلاح على كامل الاراضي اللبنانية.حكومة تدير المرحلة التأسيسية الجديدة في لبنان. ففي سنة وثلاثة أشهر، على الحكومة العتيدة أن تنظم الانتخابات النيابية في ايار العام 2026، وقبلها الانتخابات البلدية. هي تواجه استحقاقات مالية وتحديات صعبة، من الموازنة، الى الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فالاصلاحات التي ينتظرها المجتمع العربي والدولي. هي سلة متكاملة، بناء على مدى الالتزام بالسير بها، يقرر الخارج ما اذا كان سيعود الى لبنان، يفعل علاقاته معه من دولة الى دولة، يعيد بناء الثقة، يستثمر في الاقتصاد، والاهم يستثمر في اعادة اعمار ما دمرته حرب إسرائيل - حزب الله.