تحب "نتفليكس" العودة إلى الوراء بين الحين والآخر والعمل على مواضيع تاريخية. في قسمها للأعمال الوثائقية/التاريخية على وجه الخصوص، توجد بانتظام عناوين جديدة تأخذ الجمهور في رحلة عبر الزمن.
على سبيل المثال، كان هناك هذا العام مسلسل "هتلر والنازيون: الشر في المحاكمة"، الذي يتتبع مسار الديكتاتور الألماني. من ناحية أخرى، يروي مسلسل "نقطة تحول: القنبلة والحرب الباردة" قصة القنبلة الذرية وكيف استمرت عواقبها إلى ما بعد نهاية الحرب. لذلك من المنطقي بطريقة ما أن يلقي مسلسل "حرب تشرشل" (Churchill at War) نظرة أيضاً على المساهمة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، من خلال التركيز على رئيس الوزراء ونستون تشرشل وكيف خاض القتال ضد ألمانيا النازية.يتناول المسلسل بمزيد من التفصيل، حياة تشرشل قبل أن يكون واحداً من أهم الشخصيات في معسكر الحلفاء. ويلقي الضوء على حياته المهنية السابقة، سواء كوزير للحربية أو وزيراً للمستعمرات البريطانية، ودوره في تشكيل المستقبل السياسي لعديد من دول الشرق الأوسط كالعراق وشرق الأردن وفلسطين. وذلك مهم لأن إمبرياليته ستساهم لاحقاً في مجاعة كبرى في البنغال خلال الحرب العالمية الثانية، مثلما ستساهم خبرته العسكرية في الحرب العالمية الأولى في إظهار قوة إرادته العظيمة في ذلك الوقت، ومحاولة فرضها على الجميع عندما كانت الأزمنة كلها شكوكاً ومخاطر.لذلك ليس من المستغرب أن يرفض تشرشل لاحقاً أي مفاوضات مع عدوه. يرسم تشرشل أثناء الحرب صورة لرجل يتمتع بصمود استثنائي يكاد يكون براغماتياً بامتياز. في مرحلة ما، على سبيل المثال، يعلم المشاهد أنه لم ينزل على الأرض في ساحة المعركة عندما سمع الرصاص. كان منطقه بسيطاً: بحلول الوقت الذي تسمع فيه الرصاص، يكون الأوان قد فات لأنه مرّ بك بالفعل.
لكن المسلسل لا يمجد شخصيته الرئيسية على طول الخط، بل يصف رئيس الوزراء الإنجليزي، الذي كانت مسيرته السياسية مليئة بالصعود والهبوط، بأنه شخصية صعبة، ويصوره كمسؤول ذي أهمية كبيرة في الحرب من دون تقديمه بالضرورة كرجل يسعى إلى الحلول والتبادل مع الآخرين، مع التركيز على غروره. مثلاً، في مرحلة ما من المسلسل، يقال أن تشرشل أراد إغراق السفن الفرنسية إذا لم تشارك في خطته. كشخصية، كان بالتأكيد مدهشاً. كان أيضاً متحدثاً جيداً يعرف كيف يتعامل مع هتلر وكيف يقدم نفسه. لم يكن من عاداته أن يعيش حياة سياسية يومية عادية مليئة بالظلال الرمادية والمناقشات والتسويات.هذا البورتريه ينفذ بطريقة تقليدية إلى حد ما. فهناك المزيج المعتاد من لقطات الأرشيف والمقابلات في الأفلام الوثائقية. ويظهر القسم الأول مقاربة مثيرة عندما يظهر السياسي "أثناء العمل" ويتكون انطباع عام عن تصرفاته. أما الشق الثاني فيبدو أكثر تعقيداً، مع تقديم أصوات خبراء تعاملوا بالتأكيد على نطاق أوسع مع الشخصية المعنية.ومع محاورين مثل جورج دبليو بوش أو بوريس جونسون، ربما يتساءل المشاهد "ما الذي يؤهلهم بالضبط لقول شيء ما حول الموضوع"، لكن من الواضح أن المخرج مالكولم فينفيل يرى أنه من المهم تضمين بعض المشاهير السياسيين الحاليين للتعليق. ويضمن المنتجان الهوليووديان، رون هوارد وبريان غرازر، إنتاجاً قوياً لجمهور عريض، رغم أنهما يستهدفان بشكل أساسي المشاهدين الأميركيين والبريطانيين، من خلال مساهمات جورج دبليو بوش وبوريس جونسون.والحال أنه تم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية حول الحرب العالمية الثانية لدرجة أن صناع الأفلام الوثائقية يبحثون عن طرق لتمييز أنفسهم. بصفتهما منتجَين في هوليوود، كان لدى هوارد وغرازر الميزانية اللازمة للابتكار. بالنسبة لـ"حرب تشرشل"، قاموا بتلوين لقطات الأرشيف باستخدام أحدث التقنيات. هذا ليس جديداً في حد ذاته، بل فعلها بيتر جاكسون بالفعل في فيلمه "أبداً لن يشيخوا" (2018). ما يميز المسلسل أن صوت تشرشل أعيد إنتاجه باستخدام الذكاء الاصطناعي بناءً على ما قاله الرجل وكتبه في حياته.لكن نقاط الضعف الحقيقية تكمن في مكان آخر. حيث تنتهي نوافل المقابلات العرضية بسرعة، وكانت الفكرة هنا تسجيل نقاط من خلال إعادة تمثيل المشاهد. في هذه المشاهد، يتسلل الممثل كريستيان ماكاي إلى دور السياسي. شيء من هذا القبيل يمكن أن يكون منطقياً إذا ظل في منطقة معتدلة. إلا أنه، كما هو الحال مع إنتاجات "نتفليكس" الأخرى، يصبح مزعجاً ومبالغاً فيه.