تدل طريقة سير العملية العسكرية الإسرائيلية "السور الحديدي"، والتي تتركز في 3 محافظات شمال الضفة الغربية، أن الاحتلال يخترع أساليب قمعية جديدة في كل يوم، وكأنه يقول للفلسطينيين إن ذروة عمليته لم تحن بعد، لا بسقفها ولا نطاقها الجغرافي!الاهتمام بمشهدية تفجير المنازل!وكان ذلك جلياً في موقعة تفجير الاحتلال أكثر من 20 منزلاً في مخيم جنين مساء الأحد، معتمداً طريقة مشهدية غير مسبوقة في تفجير منازل دفعةً واحدة، وفي نفس التوقيت، عبر استخدام متفجرات كبيرة جلبها بشاحنة عسكرية.. وهو ما أثار سؤالاً مركزياً عن سبب اختيار الاحتلال هذه الطريقة الجديدة للتفجير!وقال شهود عيان من جنين لـ"المدن" إن الاحتلال اهتم بتصوير التفجير، وتوثيق صوته الضخم ودخانه الكثيف، أكثر من النتيجة نفسها، حيث جلب 5 مسيّرات لتصوير مشهد التفجير جواً، واستقدم صحافيين إسرائيليين لتصوير الحدث من زوايا متعددة، ثم نشر جيش الاحتلال والإعلام العبري فيديوهات التفجير بشكل مكثف.تفجير المنازل.. بتوصية سياسيةولعلّ هذه الملاحظة من قبل سكان جنين، يمكن استنتاجها أيضاً من إفادة رصدتها "المدن" لمراسل تلفزيون "مكان" العسكري إيال عاليما، بقوله إن الجيش الإسرائيلي لجأ إلى أسلوب جديد بتفجير مبانٍ بالضفة، بناء على توصيات المستوى السياسي، وذلك بتفجير أي منزل أو مبنى لأي حجة كانت، حتى لو تعلق الأمر بتخفي "مطلوب" فلسطيني فيه.. وما نطق به المراسل العسكري للتلفزيون العبري الرسمي، يؤكد أن ما يجري في جنين خصوصاً والضفة الغربية عموماً، لا يعدو أكثر من توصية "سياسية" من اليمين الإسرائيلي الحاكم، وليست حاجة عسكرية عملياتية بالضرورة.واللافت أن عاليما المعروف بتوجهه اليساري، أقر في إفادته كمراسل عسكري، بأن عملية جنين وباقي مناطق الضفة بمثابة "إرضاء لليمين الحاكم"، مشيراً إلى تعزيز الجيش الإسرائيلي للحواجز العسكرية وزيادة عددها في جميع مناطق الضفة أخيراً. وأضاف عاليما "أننا نتحدث عن حملة عسكرية بأسلوب مختلف، تذكرنا بما حدث في غزة، وأصبحت الضفة الآن جبهة مركزية في هذه المرحلة".وتتبع قوات الاحتلال الآن أساليب عسكرية في الضفة مماثلة لما فعلته بغزة، من حيث استخدام الطائرات المسيّرة في الاستطلاع والاغتيال، وتهجير السكان، وترك دمار كبير وهدم البنى التحتية، وانقطاع الكهرباء والماء عن المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، وهو ما وضعه عاليما في سياق نزع القيادة العسكرية "كل الكفوف" التي وضعتها في الماضي.أرقام إسرائيلية.. غير صحيحةوبذلك، خلفت عملية جنين المتواصلة منذ أسبوعين، 25 شهيداً، وسط ترويج إسرائيلي لعدم وجود سقف زمني لعمليته، بينما أكد الصحافي من جنين طارق سويطات ل"المدن" أن الأرقام التي نشرها جيش الاحتلال عن عدد المسلحين الذين اغتالهم خلال العملية، غير صحيحة، مبيناً أن 80 في المئة من الشهداء "غير مسلحين". وادعى الاحتلال أنه قتل منذ بدء عملية "السور الحديدي" نحو "50" مسلحاً بمناطق الضفة، واعتقل أكثر من 100 "مطلوب".وقال جيش الاحتلال إنه فتش 1000 منزل في مخيم جنين حتى الآن، وهو رقم قدرته مصادر "المدن" من جنين بأنه يشكل نسبة 40 في المئة من بيوت المخيم، مشيرة إلى نزوح قرابة 90 في المئة من سكان المخيم إلى مناطق أخرى، في ظل تركز عملية الاحتلال حالياً بالجزء الشرقي للمخيم، وبشكل يبدو "بطيئاً".5 مناطق جديدةوفي طولكرم يواصل الاحتلال عمليته لليوم الثامن، ما أسفر عن 4 شهداء، وأكثر من 50 جريحاً، ونحو 20 معتقلاً، عدا عن حرق وتدمير قرابة 100 منزل. كما وسع الاحتلال عمليته إلى 5 مناطق جديدة بالضفة، وتحديداً طمون ومخيم الفارعة بمحافظة طوباس، وجلب بالساعات الأخيرة مزيداً من القوات والجرافات، وسط أنباء عن نية الاحتلال تفجير مبانٍ في بلدة طمون.وبغض النظر عن الذرائع الأمنية، فإن الاحتلال يركز عمليته في 3 محافظات شمال الضفة، تبدو أكثر مساحة جغرافية متصلة تخلو من المستوطنات، وهذا يثير بحد ذاته علامات استفهام إضافية بشأن الأهداف الحقيقية لعملية الاحتلال الأوسع في الضفة.وقال مسؤول بالسلطة الفلسطينية لـ"المدن" إن التصعيد الإسرائيلي بشكله الحالي متدحرج، وربما يصل إلى ما يشبه عملية "السور الواقي" التي نفذها الاحتلال في الضفة عام 2002، معتقداً أنه كلما تقدم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، رفع الاحتلال وتيرة هجومه على الضفة.فيما قدرت مصادر سياسية ل"المدن" أن ما ينتظر الضفة مرهون بما سيتمخض عنه لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء، مبينة أن ترامب يبني سياسته على الاستماع، وليس على "الدراسة".4 أسباب لاستمرارية العملية؟بالمحصلة، تبدو عملية الضفة متسعة ومستمرة، بمنظور الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت؛ لأسباب عدة، أبرزها إحصاءات صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أشارت إلى أن الضفة شهدت عمليات مقاومة عام 2024 بمعدل "ضعفي" عدد العمليات التي حدثت عام 2023، ما دل على أن مقاومة الضفة في تصاعد.وأضاف شلحت في حديث لـ"المدن"، سبباً آخر لحملة الاحتلال هذه، وهو أن الحكومة الإسرائيلية لديها التزام تجاه تيار الصهيونية الدينية بتعزيز الاستيطان وضم مناطق واسعة منها. وثالثاً، أن حكومة نتنياهو مهددة بالتفكك بسبب اتفاق غزة، ما يدفعها إلى استرضاء سموتريتش والوزراء المتطرفين، بشن حرب على الضفة، بنفس طريقة غزة، في حال لم تتم العودة إلى الحرب على القطاع.فيما يكمن السبب الرابع بأن وصول ترامب إلى البيت الأبيض وفر فرصة لإسرائيل بدفع مخططاتها المتعلقة بالضفة، وضمن منطق المقايضة مع الرئيس الأميركي، وفق شلحت.