لا تدلّ كثرة التسريبات والتصريحات المتفائلة عن قرب ولادة حكومة القاضي نوّاف سلام أنّ مراسيم التشكيلة الحكومية المنتظرة ستبصر النّور خلال ساعات، والأمر نفسه ينسحب على التسريبات والتصريحات المعاكسة، فالأجواء السّلبية التي تشيع أن حكومة سلام متعثرة وتشكيلها سيتأخر لا يعني أنّ الأبواب مُغلقة أمام احتمال إيجاد مخارج وحلول للعراقيل والعقبات التي تعترضها.
أحد أسباب دوران عملية تأليف الحكومة في حلقة مفرغة وتأخير تشكيلها برغم أنّ الرئيس المُكلّف يُدرك جيداً أنّه لا يملك ترف الوقت، أنّه وضع معايير في عملية تأليفها يعرف مسبقاً أنّها صعبة التنفيذ، ولا يمكن الإعتماد عليها في بلد مثل لبنان شديد التعقيد والإنقسامات، وأنّ ما يمكن تطبيقه في مجال يصعب جدّاً تطبيقه في مجال آخر.
من أبرز هذه المعايير التي أراد سلام تطبيقها إبعاد الحزبيين عن المشاركة في حكومته المنتظرة، لكنّه ناقض نفسه عندما قَبِل أن تُسمّي الأحزاب وزرائها في الحكومة إنّما من غير أن يكونوا حزبيين، وهو “هروب” من واقع وتجميل شكلي لإخراج عملية التأليف، لأنّ سلام يعرف جيداً أنّ هؤلاء الوزراء لن يمكنهم الخروج من تحت خيمة الأحزاب التي سمّتهم، وأوكلت إليهم مهمة تمثيلها في الحكومة.
ومن هذه المعايير التي أوقعت سلام في تناقض سعيه لعدم حصر تمثيل الوزراء الشّيعة بثنائي حزب الله وحركة أمل، بتحريض داخلي وخارجي، بالرغم من أنّهم يحوذون كلّ التمثيل الشّيعي في مجلس النواب، ومحاولته تسمية أحد الوزراء الشيعة الخمسة في حكومة الـ24 وزيراً من حصته، بينما لم يُقدم على الخطوة نفسها بما يتعلق بالتمثيل الدرزي الذي حصره بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط فقط، برغم وجود نائبين تغييرين هما مارك ضو وفراس حمدان من غير أو يوليهما أيّ اهتمام في تشكيلة حكومته.
المشكلة نفسها واجهت سلام في التمثيل المسيحي بحكومته المنتظرة. فقد أولى جلّ اهتمامه للرباعي المسيحي (القوّات اللبنانية والتيّار الوطني الحرّ وحزب الكتائب وتيّار المردة)، الذي يحوزون ثلثي التمثيل النيابي المسيحي، متجاهلاً لأسباب غير مفهومة ولا مبرّرة تمثيل نواب التغيير الذين يوازون ثلث التمثيل النيابي المسيحي، ما جعل أصوات الإعتراض ترتفع إحتجاجاً بين الكتل والأحزاب المسيحية على تعاطي سلام ومقاربته تمثيلها في حكومته، وجعل العقدة المسيحية تبدو الأصعب في عملية التأليف، والتي برزت في السّاعات الأخيرة في الحملة القاسية التي شنّتها القوّات اللبنانية على سلام وتركت إنطباعاً بأنّ توجّه القوّات لعدم المشاركة في حكومته يبدو، في ضوء تطوّرات الأيّام الأخيرة، خياراً وارداً بقوة.
أمّا التمثيل السنّي فقد بدا تعاطي سلام معه فيه الكثير من الإستعلاء والتجاهل. فقد اعتبر نفسه ممثلاً للطائفة السنّية في حكومته، متجاهلاً دعوات كتلتي الإعتدال والتوافق بطلبهما التمثيل بحكومته، وكذلك النوّاب المستقلين، ما جعل التمثيل السنّي في الحكومة يبدو الأضعف والأكثر تهميشاً، نيابياً ومناطقياً، لأسباب متشعبة ومعقّدة داخلياً وخارجياً لا يتحمّل سلام لوحده أسبابه، لكنه بمقاربته التمثيل السنّي في حكومته أسهم بشكل أو بآخر في مضاعفة هذا الضعف وترسيخه.
The post معايير سلام لتأليف الحكومة.. صيفٌ وشتاءٌ تحت سقفٍ واحد!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .