عاملان أساسيان هما وراء تأخير عملية تشكيل الحكومة، الأول مطالب الكتل النيابية التي تطوّق عنق الرئيس المكلف نواف سلام العاجز حتى الآن عن مواجهتها أو إيجاد حلول لها، والثاني الارتباك غير المسبوق الذي يسيطر عليه بفعل التخبط بين توجهاته ومبادئه الشخصية والتعليمات الخارجية والواقع السياسي في البلاد.
في العامل الأول، يبدو أن سلام لم يلتزم بكل التعهدات والوعود التي قطعها على نفسه أمام الكتل النيابية التي بدأت تتحدث عن خفة في التعاطي معها لا بل عن إستهداف لها، خصوصا أنه يتحدث أمامها بلغة إيجابية ما يلبث أن ينقضها ويتحدث بعكسها أمام وسائل الاعلام، وأمام كتل أخرى، كما أنه يطلب من هذه الكتل أن تزوده بعدد من السيَر الذاتية لمرشحيها، من دون أن يبلغها بالحقائب التي يمكن أن تحصل عليها لتقدم هذه السيَر الذاتية بشكل يتوافق معها، بل هو يطلب ذلك بشكل مبهم وعام، ما جعل كثير من هذه الكتل تفقد ثقتها به.
واللافت، أن سلام كان تسلم سيَر ذاتية من كتل نيابية لكنه لم يتواصل معها مجددا كما حصل مع النواب السنة من كتلة الاعتدال الوطني، حيث يبدو أنه يريد الوزراء السنة من حصته وبتوجهات خاصة قريبة من المجتمع المدني وثورة 17 تشرين، وبالتالي فإن إستقباله للنواب السنة على إختلاف توجهاتهم وإستماعه لمطالبهم هو مجرد شراء وقت ومماطلة قبل إنجاز التشكيلة، الأمر الذي دفع النائب فيصل كرامي الى التحذير من هذا السلوك الذي يستهدف الطائفة السنية في عملية التأليف، مشددا على ضرورة إعتماد وحدة المعايير في التعاطي مع التيارات السياسية.
والأمر نفسه إنسحب على القوات اللبنانية التي كانت تعتبر أن لها اليد الطولى في تكليف سلام، وهذا يخولها الحصول على حصة الأسد في الحكومة، والتدخل في عملية التأليف لا سيما لجهة منع هذه الحقيبة عن هذه الطائفة وإعطائها لتلك، لكنها أخطأت في الحسابات، ما دفعها الى الانقلاب على سلام وإتهامه بأنه يلبي رغبات الثنائي الشيعي ولا يحترم وحدة المعايير، خصوصا أن القوات تطالب بحقيبة سيادية في حين أن الحقيبتين السياديتين المخصصتين للطائفة المسيحية من المفترض أن تكونا من حصة رئيس الجمهورية جوزاف عون.
وما يثير الاستغراب هو ما ساقه النائب الاشتراكي مروان حماده الذي كشف وعلى قناة الحرة الأميركية أسماء وزراء من التشكيلة الحكومية، وهو كان أول من طرح نواف سلام للتكليف بإيحاء خارجي، ما ترك تساؤلات عن التدخلات في صلاحيات سلام وفي عملية التأليف، وصمته المطبق على ذلك، عمن يقوم بتأليف الحكومة؟!..
أما العامل الثاني، فهو أن الرئيس سلام إصطدم بالواقع السياسي اللبناني وتوازناته وحساسياته الطائفية والمناطقية، وهو أمر قد يودي به الى الفشل، خصوصا أن ثمة هوّة سحيقة بين أفكار سلام معطوفة على الاملاءات والرغبات الخارجية وبين عملية التأليف التي يفترض أن تراعي التمثيل النيابي والشعبي للقوى السياسية، حيث بات معلوما أن فريق عمل سلام المؤلف من بعض النواب التغييريين والناشطين الثوريين وأركان “كلنا إرادة” وإعلاميين مرتبطين بمنظمات دولية يضغط عليه بشكل كبير ويستعين عليه ببعض الخارج لإختيار وزراء من الثوار وحركات المجتمع المدني، وهو أمر من شأنه أن يحوّل حكومة العهد الأولى الى حكومة أمر واقع، قد تواجه أزمة ثقة في مجلس النواب، وتعرقل إنطلاقة العهد، بدل أن تكون رافعة نهوض للبلد عموما، وهي ربما لا تحظى بتوقيع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الحريص على التوازنات السياسية وعلى عدم إنطلاق عهده بدعسة ناقصة.
The post عاملان وراء تأخير تشكيل الحكومة!.. غسان ريفي appeared first on .