توحي التغييرات الكبيرة التي أحدثتها وزارة الأوقاف السورية في العهد الجديد، بما يخص خطباء المساجد ومسؤولي المديريات، بمدى أهمية هذا الملف للعهد نظراً لاعتماده على المرجعية الدينية ذات التوجه السلفي، لكن مصادر مطلعة أوضحت لـ"المدن" أن تشكيلة الأوقاف لن تكون من لون واحد، بل تشمل المدارس الشامية التي تتبع عادة الأشعرية والماتريدية والمدرسة الصوفية العلمية.ورصدت "المدن" تغييرات كبيرة شملت وزارة الأوقاف منذ عزل وزير النظام السابق عبد الستار السيد، حيث تعتمد الوزارة على الكوادر الشرعية التي كانت تعمل في إدلب سابقاً، وقامت بتسليمها معظم المناصب التابعة لها، في عموم المحافظات السورية التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية.تعديلات متفاوتةوتبدو قرارات عزل الخطباء بارزة المعالم في مدينة حلب عقب تولي إبراهيم شاشو وهو وزير العدل الأسبق في حكومة الإنقاذ، منصب إفتاء المدينة، فقد تم الاعتماد على خطباء من إدلب وأرياف حلب أو ما كان يعرف بـ"المحرر" سابقاً، وهم يخطبون في معظم مساجد المدينة تحت مسمى الضيوف، وفقاً لمصادر أهلية تحدثت لـ"المدن" من حلب.وفي ريف دمشق كان الوضع مشابهاً بنسبة كبيرة، لكن عمليات تغيير الخطباء لا تتم بقرارات من الأوقاف، حيث لجأ بعضهم للاعتزال حفظاً لماء الوجه، على حد تعبير مصادر "المدن"، وحلت مكان الخطباء القدامى تشكيلة كبيرة من خطباء الريف الدمشقي المهجرين واللاجئين.أما في دمشق، فالمشهد مختلف تماماً نظراً لوجود تكتلات مشيخية كبيرة لم تطلها قرارات التحييد مثل جماعة "الفتح" و"أبو النور" وهما جماعتان كانتا مواليتين للنظام السابق وتديران جامعات ومعاهد شرعية وازنة، كما تمارس "جماعة زيد" التي يرأسها مفتي الجمهورية ورئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي دوراً محورياً في المجال الديني من عزل وتنصيب الخطباء والأئمة اعتماداً على كوادر الجماعة والمجلس الإسلامي السوري، حيث عاد الخطباء المعارضون مثل أبو الخير شكري وراتب النابلسي وعماد الدين الرشيد إلى مساجدهم السابقة منذ الأيام الأولى لسقوط النظام.نشاط مكثفوبالرغم من كل الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الأوقاف لوضع بصمة العهد الجديد على المجال الديني، لا تزال النشاطات متواضعة نظراً لنقص الكوادر الشرعية، والمنافسة الكبيرة التي تتسبب بها كوادر جماعة زيد والمجلس الإسلامي السوري. ويفيد مصدر من وزارة الأوقاف لـ"المدن" أن هناك خطة للوزارة لاستكمال عزل جميع الكوادر الدينية التي كانت تابعة للنظام السابق لكن مع محاولة تجنب الصدام مع الجماعات الكبرى.ويلفت المصدر إلى محاولات الأوقاف التنسيق بشكل أكبر مع المجلس السوري ومفتي سوريا بهذا الخصوص، مؤكداً وجود بعض العوائق التي تقف أمام خطة الوزارة الرامية إلى تنويع التوجهات الفكرية للمؤسسة الدينية بحيث لا تقتصر على عباءة السلفية، وهي فكرة لها مؤيدوها من داخل هيئة تحرير الشام ذاتها مثل رئيس مجلس الإفتاء عبد الرحيم عطون ورئيس المكتب الشرعي مظهر الويس.ولتفعيل حضورها المقتصر حالياً على تعيين بعض الخطباء والمسؤولين، نفذت الأوقاف سلسلة محاضرات في مختلف المحافظات السورية التابعة لها تحت عنوان بشائر النصر، كما قامت بإجراء اجتماعات عديدة مع أئمة وخطباء مدينة دمشق بحضور رئيس مجلس الإفتاء الأعلى عبد الرحيم عطون في جامع العثمان وسط العاصمة، تلاها اجتماعات مع مسؤولي المدارس الشرعية بدمشق وهي مدارس ومعاهد تحظى بدعم مادي ورمزي كبير داخل العاصمة منذ عقود طويلة.منصب المفتي العاموفضلاً عن نقص الكوادر الذي يشكل عائقا كبيراً أمام خطة وزارة الأوقاف، تتمثل قضية الإفتاء كمشكلة عويصة حتى اللحظة، إذ لا تزال التقسيمات الإدارية السابقة على وضعها الحالي، كما كانت قبل سقوط النظام.وأكدت مصادر من المكتب الشرعي لهيئة تحرير الشام (سابقاً)، وجود توجه لحل هذه القضية، فالشيخ أسامة الرفاعي لا يزال مفتي الجمهورية بينما يحافظ الشيخ عبد الرحيم عطون على رئاسة المجلس الأعلى للإفتاء، لافتة إلى أن الوزارة ستعيد هيكلة مجلس الفتوى في وقت لاحق، على أمل انتهاء مشاورات جديدة مع المجلس الإسلامي السوري وربما الجماعات الدينية الأخرى، بهذا الخصوص.وكان النظام المخلوع ألغى نهايات العام 2021 منصب مفتي الجمهورية الذي كان يشغله أحمد بدر الدين حسون بموجب مرسوم تشريعي، معتمداً مؤسسة دينية جديدة هي المجلس العلمي الفقهي الذي تسلم المهام التي كانت على كاهل مفتي الجمهورية.