2025- 02 - 02   |   بحث في الموقع  
logo السلام على الطريقة الأميركية: حكومات غير سياسية logo سوريا: أول حزب بعد الثورة.. يتشكل برعاية قومية تركية logo أحمد الشرع والتحديات المصيرية في المرحلة الانتقالية logo كلمة لنعيم قاسم غداً.. وحديثٌ عن “تشييع نصرالله”! logo إسرائيل تعتقل مواطناً لبنانياً في الجنوب.. وعائلته تناشد عون وبرّي logo ضجة في عين الحلوة.. “خطوة أمنية” حصلت! logo ما حقيقة منع الجامعة الأميركية في بيروت استقبال جرحى البيجر؟ logo أوجلان يتجه لحلّ حزبه منتصف شباط..مصير قسد مرتبط به
أحمد الشرع والتحديات المصيرية في المرحلة الانتقالية
2025-02-02 00:27:43


في خضم التحولات التاريخية الكبرى، عندما تدخل الأمم مراحل انتقالية بعد الصراعات المدمرة، تُطرح تساؤلات حول مصير القيادة الجديدة ومدى قدرتها على إعادة بناء الدولة من تحت ركام الحروب. سوريا اليوم ليست استثناءً؛ بل هي رمز معقد للصراع السياسي والطائفي والاقتصادي في الشرق الأوسط. أحمد الشرع، الذي يتولى السلطة في هذه المرحلة الانتقالية، يجد نفسه في مواجهة شبكة متشابكة من التحديات قد تعيد للأذهان تجارب مشابهة واجهها قادة دول مثل ليخ فاوينسا في بولندا بعد سقوط الشيوعية. ومع ذلك، فإن الحالة السورية، بتعقيدها الأمني والطائفي، تضع الشرع في اختبار فريد.
التحدي الأمني
تعدّ إعادة بناء الجهاز الأمني أحد أخطر التحديات التي تواجه الشرع. فالجيش السوري، الذي كان يوماً ما العمود الفقري للدولة، تعرض للانهيار والانقسام بسبب الانشقاقات والحرب الطويلة. في مكانه، برزت الفصائل المسلحة، التي تمتلك القوة الميدانية، لكنها تفتقر إلى التنظيم الأكاديمي العسكري. كثير من هذه الفصائل تعارض فكرة دمج الضباط المنشقين خوفاً من المنافسة، وبعضها يتبنى إيديولوجيات متطرفة تجعل من عملية إعادة هيكلتها أمرا بالغ الحساسية.
إن ضبط البلاد يتطلب الاستفادة من هذه الفصائل في تحقيق الأمن، ولكن دون السماح لها بالهيمنة على المشهد السياسي أو تهديد وحدة الدولة. أمام الشرع طريق صعب، يشبه في بعض جوانبه التحديات التي واجهتها نيجيريا بعد الحرب الأهلية البيافرية، عندما اضطرت السلطات لدمج مقاتلين متمردين سابقين في الجيش الوطني، مع فرض نظام تدريجي للسيطرة على الفصائل المسلحة. الشرع، في حالته، قد يضطر إلى اتباع أسلوب "التفكيك التدريجي" من خلال تقديم حوافز اقتصادية وسياسية لقادة الفصائل، مقابل مشاركتهم في مشروع إعادة الهيكلة، مع فرض رقابة صارمة على السلاح خارج الدولة.
التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يزيد المعضلة تعقيداً. فهذه القوات تمتلك تنظيماً عسكرياً متماسكاً، وتعداداً يفوق عدد معظم الفصائل مجتمعة، مما يجعلها طرفاً قوياً لا يمكن تجاهله. لكن الضغوط التركية المستمرة لحل هذا الملف بما يخدم مصالح أنقرة، قد تتعارض مع المصالح الوطنية السورية. الشرع يحتاج إلى استراتيجية مزدوجة: الحفاظ على قنوات الحوار مع قسد بهدف إدماجها في إطار وطني جامع، وفي الوقت ذاته، تقديم ضمانات لتركيا بأن ذلك لن يتحول إلى تهديد مباشر لأمنها القومي.
التحدي الاقتصادي
"السياسة بدون اقتصاد مثل الجسد بلا روح"، مقولة تنطبق بشكل حاد على الحالة السورية. الحرب لم تترك خلفها فقط مشهداً اجتماعياً مفككاً، بل اقتصاداً منهاراً، تسوده الفوضى الإدارية والعقوبات الدولية التي تمنع الوصول إلى موارد مالية خارجية. العقوبات التي فرضت سابقاً على نظام الأسد، تمثل إحدى العقبات الكبرى أمام أي مشروع لإعادة البناء. لكن هذه العقوبات ليست مجرد أمر تقني يمكن تجاوزه من خلال اتفاقيات محددة، بل ترتبط بشروط سياسية تطالب بتشكيل حكومة شاملة تمثل كافة الأطياف السياسية السورية.
هذا الشرط الخارجي يضع الشرع في مواجهة داخلية مع قادة الفصائل الإسلامية والمجموعات المحافظة التي تفضل تطبيق نموذج حكم إسلامي في البلاد، مما يجعل التوازن بين المطالب الدولية والحسابات الداخلية، أمراً بالغ التعقيد. الشرع بحاجة إلى تطوير رؤية اقتصادية تبدأ من الداخل، حيث تكون الأولوية لتعزيز الإنتاج المحلي، وتأمين الاكتفاء الذاتي التدريجي في قطاعات مثل الغذاء، قبل التوجه نحو الخارج للحصول على المساعدات. كما أن بناء الثقة مع الشركاء الإقليميين، خاصة دول الخليج، يمكن أن يكون أداة فعالة لتخفيف الضغوط الاقتصادية، شرط ألا يؤدي ذلك إلى هيمنة سياسية خارجية على القرار السوري.
التجربة الكورية الجنوبية في مرحلة ما بعد الحرب الكورية، قد تقدم نموذجاً ملهماً، حيث استطاعت سيول في البداية تأمين استثمارات إقليمية ومحلية لتمويل مشاريع البنية التحتية، قبل أن تصبح شريكاً دولياً قادراً على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية الكبرى. الشرع قد لا يملك نفس الموارد، لكن بإمكانه التركيز على مشاريع إعادة الإعمار التي تحفز النمو الاقتصادي التدريجي.
التحدي السياسي
الملف السياسي الأكثر تعقيداً أمام الشرع، هو المحاسبة على الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال الحرب. المطالب الدولية بفتح هذا الملف ليست فقط دعوة لتحقيق العدالة، بل أيضاً وسيلة ضغط سياسي تهدف إلى تقييد خيارات الشرع وحصره في إطار معين. لكن المحاسبة، إذا لم تتم بحذر، قد تؤدي إلى انفجار داخلي جديد، خصوصاً في ظل الانقسامات الطائفية والولاءات المتعددة.
الشرع يواجه هنا مفترق طرق حساساً: إما التوجه نحو محاكمات واسعة قد تؤدي إلى إثارة غضب الفصائل المسلحة وحلفائه الداخليين، أو تبني مقاربة "عدالة انتقالية"، تشبه ما حدث في جنوب أفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري. هذه العدالة الانتقالية قد تتضمن تقديم محاكمات رمزية للقادة المتورطين في الجرائم الكبرى، مع ضمان العفو المشروط عن الأطراف الأخرى ضمن إطار مصالحة وطنية شاملة.
نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة الشرع على إقناع المجتمع الدولي بأن العدالة الانتقالية ليست إفلاتا من العقاب، بل خطوة ضرورية لضمان الاستقرار ومنع العودة إلى النزاع المسلح.
الفرص والمخاطر
أمام الشرع فرصة تاريخية لتشكيل دولة جديدة يمكنها النهوض من تحت أنقاض الحرب، لكن هذه الفرصة مرتبطة بقدرته على إدارة التوازن بين الداخل والخارج، وبين المصالح الوطنية والضغوط الإقليمية والدولية. المخاطر تكمن في إمكانية أن يؤدي تعامله الخاطئ مع أحد الملفات الرئيسية إلى انهيار كامل في المشهد الانتقالي.
إذا فشل الشرع في السيطرة على الفصائل المسلحة أو التوصل إلى تسوية مع قسد، فقد يتحول المشهد الأمني إلى كارثة جديدة. وإذا لم يستطِع تحقيق تقدم اقتصادي يخفف من معاناة الشعب، فقد يفقد شرعيته السياسية سريعاً. كما أن فتح ملف المحاسبة دون دراسة دقيقة قد يؤدي إلى إشعال صراعات أهلية جديدة.
الشرع لا يملك رفاهية الوقت، لكنه يملك فرصة لاستغلال الحنكة التي أظهرها سابقاً في إدارة خلافاته مع التنظيمات المتشددة. إذا استطاع الحفاظ على هذا التوازن مع إظهار مرونة سياسية واقتصادية، فقد يتمكن من قيادة سوريا نحو مرحلة جديدة من الاستقرار النسبي. ولكن إذا أخفق، فقد يصبح مثالاً جديداً لقادة المرحلة الانتقالية الذين سقطوا في فخ الصراعات الداخلية والإقليمية، كما حدث في تجارب عدة في العالم العربي.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top