مشهد الطوفان البشري الهادر الزاحف نحو القرى الحدودية على خط المواجهة الأمامي مع العدو “الاسرائيلي”، خلال الأيام الماضية عقب انتهاء مهلة الستين يومًا لوقف إطلاق النار، يعود بنا بالذاكرة إلى التحرير الأول في أيار العام 2000 ليثبت من جديد أن المقاومة ليست مجرد سلاح كما يحاول اختصارها البعض؛ بل هي إرادة تحدي وصمود، باتت في قلوب هذه الجموع النابضة لا يمكن لأحد أن يقتلعها من جذورها، وهي ردّ فعل على العدوان تكبر وتزداد صلابة كلما زاد العدو عجرفته وعنجهيته ووحشيته.
زحفُ أهل الجنوب، والمتضامنون معهم من اللبنانيين، على مدى الأيام الماضية لتحرير قراهم التي يماطل العدو بالانسحاب منها، عبّر عن إرادة الشعب اللبناني التي لا تنكسر ولا تنهزم مهما غلت التضحيات وجسّد مدى استعدادها لتقديم المزيد من الدماء الغالية لتسييج حدود الوطن ورسم معالم سيادته الحقيقية بعيدًا عن السيادة الزائفة التي يطبّل لها أزلام السفارات والمتسولون على أبوابها ممن لم يعرفوا معنى الوطنية يومًا.
جسّد أهالي القرى الحدودية بحراكهم الشعبي معنى الوطنية الحقيقي، وثبتوا على أرض الميدان، والواقع ان المعادلة الوحيدة التي تحميهم هي المعادلة الذهبية “جيش وشعب ومقاومة”، وأن العدو “الإسرائيلي” لا يفهم إلّا لغة القوة، وأرضهم التي عاث فيها خرابًا ودمارًا لا يمكن أن تستعاد بقرارات الشرعية الدولية التي لم يحترمها يومًا، وآخرها القرار ١٧٠١ واتفاق وقف إطلاق النار، فالقاصي والداني يشهد اليوم استمرار هذا العدو بانتهاكاته وخروقاته وعدم التزامه بتعهداته حتى تجاه لجنة المراقبة الخماسية والوسطاء الذين تواطأوا معه وغضوا الطرف عن نحو ١٥٠٠ اعتداء، كان آخرها الغارات على منطقة النبطية، ليل أمس.
انتهاك العدو لاتفاق وقف إطلاق النار وعدم التزامه ببنوده عرّى، من دون شك، المراهنين كلهم على أميركا، ومن يلفّ لفها، ووضع الدولة اللبنانية في مأزق كبير؛ فلا هي قادرة على مواجهة هذه الاعتداءات، ولا الضمانات التي قيل إنها أعطيت لها نفعت، ولا هي قادرة على اتخاذ قرار بالمواجهة.. ما يعيد ترتيب المشهد من جديد؛ بأنّ بقاء جيش العدو ولو على شبر من أرض لبنان يشرّع وفقًا للقانون الدولي المقاومة لكونها الخيار الوحيد الذي أثبت جدواه بمقارعة العدو وتحرير الأرض، ما يجعلها من الثوابت التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يمكن لأحد أن يتنكّر لدورها.. وبذلك تصبح بندًا أولاً في البيان الوزاري، لأي حكومة قادمة رغمًا عن أنف الحاقدين والكارهين الذين يبيعون ويشترون في السيادة، ولا يقدمون أي بدائل جدية للدفاع عن لبنان بمواجهة الاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة.
أما من غاظهم مشهد التحرير الثالث والزحف البشري نحو قرى الجنوب الأمامية، من أولئك المتأمركين والمتأسرلين الذين غردوا خارج السرب الوطني، وذهب بعضهم إلى حد تبني سرديات العدو كما فعل في أوقات الحرب، مسوّغًا له انتهاكاته واعتداءاته، فيبدو أنهم لمّا يفقهوا بعد الطبيعة العدوانية لهذا الكيان بالرغم من مثولها أمامهم يوميًا، وكأنّ السيادة بالنسبة إليهم وجهة نظر يمكن تجزئتها، فلا يعنيهم ما يلحق شركاءهم في جنوب الوطن بقدر ما يعنيهم رضا سيدهم الأميركي عنهم.
فيا أيها اللبناني، في كل الجهات،.. إلى الجنوب درّ.. هناك أبناؤك بإمكانهم أن يتعلّموا معنى الوطنية والمواطنة، وأن يختصروا كتب التاريخ والجغرافيا والفلسفة والتربية الوطنية .. ما عليك سوى التوجه برفقتهم إلى هناك .. إلى القرى الأمامية.. فهناك، وفقط هناك، تتجلى معاني الحرية والتحرير كلها.. وهناك يكتب أهل الجنوب صفحات مشرفة مرصعة بالنصر والعزة والواقعية والحقيقة البعيدة كل البعد عن التاريخ الزائف الذي نعلّمه لأولادنا في مناهج تعليمنا الرسمية المعلّبة.
The post التحرير الثالث.. “طوفان” هادر يتحدى جيش الاحتلال والمتأمركين!.. وسام مصطفى appeared first on .