لا تشي الأجواء المحيطة بمسارات تأليف الحكومة أنّ الأمور تتخذ منحى إيجابياً، إنّما تبدّد الآمال التي يُعلّقها البعض على قرب ولادتها، نظراً للعقبات التي تتوالد أمام رئيس الحكومة المُكلّف القاضي نوّاف سلام، وتجعله في كلّ مرّة يحاول فيها التقدّم خطوة إلى الأمام يجد نفسه وقد عاد خطوتين وأكثر إلى الوراء.
في كلمته التي ألقاها من قصر بعبدا أوّل من أمس الأربعاء بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون لإطلاعه على أجواء ومآل التأليف، وهي الزيارة الثالثة التي يقوم بها إلى مقرّ الرئاسة الأولى بعد أوّل زيارة تلت تكليفه في 13 كانون الثاني الجاري والثانية في 20 الجاري، خاطب سلام الرأي العام وكأنّه قد تمّ تكليفه للتّو، وليس أنّه مضى على تسميته في الإستشارات النيابية المُلزمة قرابة 3 أسابيع، وهي فترة زمنية بدت وكأنّها أفقدت الكثير من الزّخم الذي دعم مجيء سلام إلى الرئاسة الثالثة، وانحسار ملحوظ لموجة التفاؤل التي راجت يومها عن أنّه سيُؤلف الحكومة في غضون أيّام معدودة لا تزيد عن العشرة.
بعد لقائه الثالث بعون خرج سلام ليؤكّد على الثّوابت الأربعة التي يرفعها شعاراً لتشكيل حكومته، وهي: فصل النيابة عن الوزارة، إعتماد الكفاءة، عدم وجود مرشحين فيها للإنتخابات النيابية أو البلدية، ورابعاً حكومة لا تمثيل فيها للأحزاب.
وإذا كانت المعايير الثلاثة الأولى كانت موضع أخذ وردّ في الوسط السّياسي، فإنّ المعيار الرّابع طرح علامات إستفهام وتساؤلات كثيرة حول إذا كان سلام لا يريد تمثيل الأحزاب في حكومته المرتقبة فلما يفاوضها ويتشاور معها، ويعقد معها إجتماعات، وما الفرق بين حزبيين في حكومته وأحزاب تسمّي وزرائها من خارج الحزبيين، وكيف يمكن له التوفيق بين مطالب الكتل المستشرسة على الإستيزار واحتجاج أغلب الكتل، تقريباً، على عدم وجود معيار موحّد لتوزير الكتل، في ضوء ما يتسرّب عن أنّ كتلاً نالت الحصص التي طلبتها، والوزارات التي اشترطتها، وأخرى بالكاد يعطي لها سلام بالاً وبعض اهتمامه؟
وزاد من مأزق سلام في تأليف حكومته التضارب في المعلومات الآتية من الخارج، التي يقول بعضها إنّ نصائح وُجّهت إلى الرئيس المُكلّف لتشكيل حكومته سريعاً لأنّ الوقت لا يعمل لصالحه؛ وبعضها الآخر تدعوه إلى التريّث إلى حين معالجة عقبات التأليف والشّروط والشّروط المضادة التي تحاول الكتل النيابية فرضها عليه، من الكتل الشّيعية إلى الكتل المسيحية والكتل السنّية.
وما فاقم الأمور تعقيداً أنّ معضلات التأليف ليس أنّ سلام وضع شروطاً صعبة لتشكيل الحكومة يُدرك ضمناً أنّه من الصعب تحقيقها في بلد مثل لبنان تتداخل فيه بفعل نظامه الطائفي المحاصصة الطائفية والمذهبية بالمحاصصة الحزبية، بل دفع البعض له من أصحاب “الرؤوس الحامية” نحو تأليف حكومة “أمر واقع”، برغم معرفتهم أنّ رئيس الجمهورية لن يقدم على هكذا “دعسة ناقصة” في مستهل عهده، ويقينهم أنّ الإعتراض على حكومة من هذا النوع سيكون واسعاً، سواءً في الشّارع أو في مجلس النوّاب، حيث سيجد سلام نفسه سائراً على خطى الرئيس الراحل أمين الحافظ الذي شكّل في العام 1973 حكومة لم تنل الثّقة، وقدّم إستقالتها، في 14 حزيران من ذلك العام، قبل أن يتلو بيانها الوزاري من على منبر مقرّ السّلطة الثانية.
The post مسار سلام لتأليف الحكومة.. خطوة الى الأمام وخطوتين الى الوراء!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .