2025- 01 - 31   |   بحث في الموقع  
logo الرئيس عون: الإصلاحات من أولويات الحكومة فور تشكيلها logo "مؤتمر النصر": فصائل السويداء قاطعت.. وأحمد العودة يتغيب عمداً؟ logo "السور الحديدي": مخطط إسرائيل للضفة انكشف أكثر؟ logo ريفي: أي حكومة تشكّل يجب ألا يكون فيها وجود لـ”حزب الله” logo الشرع في أول خطاب للسوريين يعد بحكومة انتقالية شاملة logo اجتماع بين “الثنائي الشيعي” وسلام.. اليكم التفاصيل logo حادث سير مروع عند اوتوستراد شكا logo “تفجير” إسرائيلي جديد في بلدة جنوبيّة
الفرق بين سيد قطب وأتباعه: نصوصه محفوظة...ومدوّناتهم إلى العدم
2025-01-30 12:57:41

غابت عن الواجهات الثقافية العربية كل النتاجات الأدبية ذات الطبيعة الكلاسيكية، والتي أنتجها السجناء ممن انتموا للتيارات الإسلامية والجهادية. وربما يعود هذا الأمر إلى سببين، أولهما أن الشرط الفني المرحب به في الصحف والمجلات الأدبية صار يميل، ومنذ عقود، إلى الأدب الحداثي، وإذا كان الصدام بين الكلاسيكي والحداثي يتركز بشكل كبير في الشعر كنوع فني، فإن القصيدة العمودية لم تعد حاضرة كمادة يومية، إلا إذا كان صاحبها من الشعراء المكرسين.
أما ثاني الأسباب، فلعله في توصيف السجناء بأنهم إسلاميون وجهاديون، واالذي خلق تنميطاً لصورتهم، ووضع حداً فاصلاً، ليس بين أفكارهم وطرق تعبيرهم عن أنفسهم وبين المجتمع فحسب، بل حتى بين النتاج الإبداعي الذي قدموه وإمكانية نشره وإطلاع الجمهور عليه.
كان سيد قطب، كشخصية مُلهمة للجماعات الجهادية، صاحب شأوٍ كبير في الوسط الأدبي المصري، وقد أتى إلى واجهة السياق السياسي من الفضاء الثقافي والحالة الإبداعية، بوصفه ناقداً وكاتباً وشاعراً، ولهذا لم يُنسَ نتاجه، بل بقي محفوظاً رغم عدم تسويقه والسعي إلى نشره بين جمهور القراء.
لكن الآلاف من الأشخاص، الذي اتبعوا أو مالوا إلى أفكاره، وانتهى بهم المطاف إلى السجون العربية، لم يكونوا مجرد أرقام تُذكر عند تحليل واقع وراهن الحركات الإسلامية والجهادية، بل كانوا أشخاصاً من لحم ودم، وأصحاب أفكار وطموحات، ونتاجات إبداعية أيضاً.
لكن الفرق بينهم وبين الشخصية المُلهمة، أن نتاجها بقي حاضراً، بينما ذهب هؤلاء وكل ما يمثلونه إلى العدم! وذلك بعدما قضت عليهم سنوات السجن، والأحكام الصادرة بحقهم وجعلتهم مُدانين، إذ تتكفل إدانتهم بسوقهم إلى حبال المشانق.
في سوريا، يمكن العثور على تمثيل حقيقي لما نتحدث عنه هنا. فالنظام البعثي الشمولي البائد، جعل الحياة السورية برمتها قرينة لسجونه، فصار السوريون يتندرون بألم على حيواتهم بين السجن الكبير، وهو هنا سوريا كلها، وبين السجن الصغير الذي تمثله المعتقلات الدموية.
غير أن النتاج الأدبي الذي ناضل الأدباء الذين سجنهم النظام كي يُخرجوه من العتمة، وصار نوعاً أدبياً مكرساً في سوريا باسم "أدب السجون"، لم يشمل وحتى وقت قريب، النتاجات الأدبية للسجناء الذي تمت إدانتهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك تنظيم "الطليعة المقاتلة" الذي برز من صفوفها ليواجه سلطة حافظ الأسد بأعمال عنفية، كتفجير مقرات حزب البعث والمخابرات وتصفية رجال الأمن والمسؤولين السوريين، وصولاً إلى التمرد الكبير في حماه 1982، والذي أدى إلى قيام الأسدَين -حافظ ورفعت- بارتكاب مجزرة كبرى بحق سكان المدينة، لا يُعلم حتى اللحظة، عدد من سقطوا فيها بشكل دقيق، بينما تقدر بعض المصادر أنهم يتجاوزون الثلاثين ألفاً.
بعد سنوات طوال من التجربة، ووسط الواقع الحالي، يحاول أحد المعتقلين الذين عاشوا لحظاتها، أن يقدم نتاجات أدبية مجهولة، كتبها أصحابها في معتقل تدمر الصحراوي سيء الصيت، ويمكن لها أن تحوز بعض الأهمية، وأن تلفت الانتباه إلى ما يجب ألا يبقى مجهولاً أو غير معلوم به.
هذا ما يفعله د.أسامة أورفلي، في كتابه الصادر قبل أيام عن دار موزاييك للدراسات والنشر، بعنوان "أشعار من سجن تدمر...كتبت بالدم". فيفرد في كتابه عشرات القصائد الموزونة، المكتوبة وفق نظام العمود، سطرها سجناء في معتقل تدمر، بعضهم نجا من الإعدام، وبعضهم قيّد مصيره قتيلاً على أيدي جلاوزة الأسد.
عاش أورفلي التجربة مع أخيه الذي أُعدم هناك، وكتب في تقديمه للكتاب تحت عنوان "الأدب التدمري": "هذه القصائدُ كتبناها بأناملنا النازفة على ألواح الهواء المخنوق، ربما لننفـــِّــثَ عن شيءٍ من آلامنا.. صدرت من أنفاسٍ مجروحة مقهورة.. كتبناها لنواسيَ أنفسَـنا وليس للنشر؛ لأننا في الحقيقة لم نكن ننتظرُ أن تبصرَ هي أو نحنُ الضوء، ليس فيها رياء ولا شيء من غايات الدنيا.. قصائدُ كتبت بعيداً عن الأضواء، أصحابُها غُـيِّـبوا وانقطعت حياتُهم تماماً عن دنيا البشر".
وعن كيفية حصوله على القصائد، وتمكنه من جمعها يقول: "كنتُ ألتقِطُ بشراهةٍ وأحفظُ كلَّ ما أسمعه من الشعر المتداوَلِ بين المهاجع، حتى لو لم أعرف مؤلفَ القصيدة، ولا يهمُّني أن أعرفَ مؤلِّـفَها، إذ يكفيني محتواها ومعناها ولطالما كان يهتزُّ كياني لسماعِها. بعضُ القصائدِ ما زالت مجهولةَ المؤلفِ حتى الآن، وكذلك - وللأسف - نسيتُ الكثير... وطبعاً هناك الكثيرُ مما لم يَصِلـْـني أساساً، وأنا هنا في صدد هذا العمل الأدبي إنما أحمل رسالةً أنقلُ فيها الحالةَ الإنسانيةَ التي عشناها".
بالتأكيد لا يتوقع أحد، ممن يعرفون تاريخ السجون في سوريا، أن يحظى سجين محسوب على "الإخوان"، بفرصة الحصول على قلم وورق، في المهاجع الأشد تعرضاً لدموية السجانين الأسديين. وكذلك فإن انسداد الأفق وسط الجدران الأربعة لدى معتقلين محكومين بالموت، لن يترك لهؤلاء فرصة أن يكتبوا الشعر من أجل عرضه على الآخرين، بعيداً من تدمر. لكن حصل أن أسامة أورفلي، تمكن من إنقاذ مادة كتابه، وجاء ليعرضها على القراء، ليس من أجل أن يثبت المستوى الإبداعي لأصحابها، بل من أجل ألا ينسى السوريون، أنه وفي أحلك الظروف، كان البعض يحاول أن يقول شعراً من نوع ما، يعبر من خلالها عن مأساته، فيذهب الشخص إلى المجهول والنسيان، وتبقى قصيدته التي قالها، ليترك الأثر، كما في هذا النص، الذي يقول عنه مُعد الكتاب، إنه قصيدة كانت محفوظة لدى غالبية السجناء، لكن صاحبها بقي مجهولاً:
كــــــــــــــــــم ذا التجأنا وليلُ الظلمِ يُرهبُنـــا
كم ذا دعـــــــــــــــــــــــــــونا من الأعماقِ راجينا
كــــــــــــم ذا استعذنا برب الناس والفلق
كــــــــــــــــــم ذا تلونا بقصد اللطفِ ياسينا
كــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم من ليـــــــــــــــــــالٍ والآلام تُؤْرِقنـــــــــا
قيدَ الجراحــــــــــــــــــــــــــــاتِ إنْ كادت لتردينـــــا
عرشُ الطغاة وحكم الظلم مُنسحِقٌ
أبشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــر أخيَّ فإن اَلله راعينـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
أبشـــــــــــــــــــــــــــــــــــر أخيَّ فإن الســــــجنَ ملحمةٌ
مثلُ الأســـــــــــــــــــــــــــاطير تُروى عبر ماضينا
أنت الإلهُ وربُ الكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون خالقُنـــــــــا
نحـــــــــــــــــــــــــــــن العبيــــــدُ... فيا رباه تحمينــــــــا
واختِم إلهي بكسرِ البـــــــــــــــــــــــــــاب محنتَنا
وانظر إلــــــــــــــــــهي بعين اللطـــــــــــــف باكينــــــا
القصائد التي يشتمل عليها الكتاب، لا تدلّ على تناول أدبي صرف، بل هي توثيق عن شعر كُتِب بموازاة طقوس الموت في المعتقل، حيث تمسي القصيدة معنونة بصاحبها "المجاهد" وبلحظة فظيعة، حين يُساق إلى حبل المشنقة. إنها تكثيف لحالة رعب عاشها أولئك الذين ينقل عنهم المعدّ/السجين السابق، التفاصيل. فهو يوثق الأسماء التي يعرفها، وتواريخ مقتلهم، وكذلك اللحظات الشعورية المرافقة للنهايات. ويقول في قصيدة مكرسة لهذا نظمها بنفسه:
ساعاتُ رُعبٍ قاتـلةْ
والموتُ يغزو القافــلةْ
الجـمرُ في عـيــــــــــــــونــــــــهِ
والنــــــــــارُ تـغـلي داخــــلـــــهْ
يــخــتـــــــــــــــــار منها راكبـــــاً
فـمـــــــــــــــــــــــــــن تــَــراهُ نــائـــِلـَــــــهْ
رعـــــــــودُ ليـــــــلٍ قاصـفةْ
وريحُ ســــــــــوء عٍــاصفةْ
ومــــــــــــــــــــــــــــــوجــــــــةٌ شــريــرةٌ
جـــــــــــــــــامـحـــــةٌ وجـــــــارفــــةْ
وهــــــــــــــــــــــــــــــــــــامــةٌ مــرعـــبــــةٌ
عـلى الـخــــراب حالـِفةْ
كــــــــــلُّ يوصِّي صاحبَهْ
وقــَـــد أعـــــَـــــدَّ قـــــــــــــــــــــــــاربَـه
هـــــــــــــــــــــــــــــذا صبــاحٌ ربمـا
غــداً يـــكــــــــــــــون غائـــِــــــبـَـه
في كهفه ما أخشعَـهْ
وقد أحــسَّ مصرعَـــــهْ
مــــــــــــــــــــــــــــــــرتديـــاً كَــفـَــنـَـهُ
ثـــــــــــوبـــاً قديـــمــــاً رقــــَّــعــَـــهْ
حيٌّ بشَـــــــــــطْر جسمِهِ
وشــــــطــــرَهُ قــــــــد ودَّعَـــــهْ
في الحيز الذي يفصح عنه الكتاب، يحكي المؤلف سردية شبه مجهولة، يدوّن ما يمكنه أن يستحضره منها في سبيل ألا تُنسى، وألا يوارى ذِكر أصحابها بعدما تسببت المحاكم العرفية في إحالتهم إلى الموت. لهذا، فإن الخطوط التي تستغرق القارئ، تجعله يعود إلى التاريخ، وإلى ذاكرة السوريين عن سجن تدمر الرهيب، وعما صنعه الأسديون طيلة عقود هناك.

الكتاب: أشعار من سجن تدمر كتبت بالدم
جمع وإعداد: الدكتور أسامة أورفلي
179 صفحة من القطع المتوسط
دار موزاييك للدراسات والنشر- إسطنبول- تركيا
اصدار 2025



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top