يومٌ بعد يوم يثبت لنا المجتمع اللبناني أن مكوناّته غير قادرة على التعايش فيما بينها دون تحقيق المساواة وعدم تسلّط مجموعة على أخرى، فلبنان اليوم لا يلوّح لنا بأنه في حال حسن، وليس لبنان بمجتمعه التعدّدي بسيطا و لا هو يقبل التبسيط..
وأن تهميش أو تمييز أي مكوّن فيه يؤدي الى إثارة حساسية الأقلياّت التي تشّق المجتمع وتهزّه وما يتأتى عن ذلك من رضوض!!
وكما هو متعارف عليه أن كل تفاؤل ينطوي على قدر من “الإنكار وغّض النظر” وهذا كما هو موجود في كل المجتمعات فهو معهود أيضا لدى اللبنانيين لا سيما عندما يتكلمون عن العيش المشترك ولو كان سلوكهم هذا فيه شيء من البراءة..
لكن المهم ووسط هذه التحديات أن نسعى وراء الحّل اليوم، جاءت مقدمة الدستور اللبناني لتؤكد لنا على أهمية “العيش المشترك” مشددّة على أن “لبنان وطن حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضا وشعبا ومؤسسات وان هذه الوحدة تتعزّز بالإنماء المتوازن ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وأن أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين ،فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، وبالتالي فلا شرعة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.
هذا وأن الإصلاحات التي أتى بها إتفاق الطائف والتي أصبحت جزءا من الدستور اللبناني كلها جاءت لتتماشى مع مقدمة الدستور اللبناني هذه، مدقّقة على موضوع “اللامركزية الإدارية” في دورها في تعزيز المناخ الديمقراطي في البلد وتوفير مناخ الحرية الذي يشجّع المواطن اللبناني على أن يعبّر عن إرادته ويطلق العنان لأفكاره الإنتاجية أينما كان موجودا على الأراضي اللبنانية فتتحقّق المشاركة الشعبية ويقوى الولاء للوطن ويدفع المواطن اللبناني الى الاهتمام بالشؤون العامة وحمل المسؤولية..
فاللامركزية الإدارية التي تقوم على تمكين الجماعات المحلية من إدارة شؤونها الذاتية عن طريق مجالس منتخبة محليا، طبعا على ان يترافق هذا مع اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا بشكل متوازن، فلا تنمو منطقة على حساب منطقة أخرى ولا قطاع اقتصادي على حساب قطاع اقتصادي آخر، فتتحقّق المساواة وتتعزّز حقوق الإنسان في جميع المناطق اللبنانية وضمن الدولة اللبنانية الواحدة والموحدة والقوية والتي حرص اتفاق الطائف على التأكيد عليها..
هناك فرصة للبنان أن ينهض اليوم ،وعلينا أن نتعلّم من التجارب المتكرّرة ونؤسّس للبنان المستقبل وليس ل “لُبنانات المستقبل”
الكاتبة: المحامية الدكتورة رنا الجمل
أمينة سّر الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان.
موقع سفير الشمال الإلكتروني