2025- 03 - 03   |   بحث في الموقع  
logo بالصورة.. قذائف في مكب للنفايات logo بعد حادث مانهايم... الشرطة الألمانية: لا دوافع سياسية حتى اللحظة logo "بايجر" من نوع جديد في طريقه إلى لبنان: البلدوزر الأميركية تحرك آلياتها نحو بيروت وتضرب بـ"المطرقة"! logo بالفيديو: كارثة تضرب نهر الليطاني! logo "10 أيام تفصل غزة عن العودة إلى القتال"! logo وزير إسرائيلي: الدول العربية مستعدة للسلام بعد هزيمة حماس logo تهديدٌ إسرائيلي لـ حماس: ستفتح أبواب الجحيم! logo نوبتا "قصور حاد في الجهاز التنفسي"... جديد حالة البابا فرنسيس
بشار الأسد وتدمير أسس الدكتاتورية العميقة
2025-01-30 00:27:57


في عالم السياسة، لا يعد انهيار الأنظمة الاستبدادية أمراً مفاجئاً، لكن ما يُثير الانتباه هو حين ينهار النظام بفعل اليد ذاتها التي ورثته. بشار الأسد لم يكن مجرد رئيس استبدل والده، بل كان الحَجر الذي أُسقط في أساسات نظام أمضى حافظ الأسد عقوداً طويلة في بنائه عبر شبكة من التحالفات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي شكلت نموذجاً صارماً للدولة العميقة.إقصاء تاريخيغير أن النظام الذي وُلد من رحم القمع والاستبداد لم يتداعَ بفعل ثورة الشعب وحسب، بل انهار تدريجيا بفعل سياسات الابن التي مزقت تلك البنية الداخلية، ودفعت البلاد نحو الفشل الكامل، اقتصادياً، سياسياً، وعسكرياً. فما الذي حدث؟ وكيف يمكن فهم تفكيك هذا النظام؟ وما هي التداعيات السياسية والفلسفية لهذه الحالة الاستثنائية.في فلسفة السلطة، يقال إن أي نظام استبدادي لا ينجو طويلاً إلا إذا أتقن فن خلق مظلومية جماعية تحشد الولاء وتبرر القمع. حافظ الأسد كان بارعاً في هذا الفن. كرجل ينتمي إلى إحدى أصغر وأقل عائلات الطائفة العلوية شأناً، بنى سلطته من خلال توظيف إحساس طائفته بالإقصاء التاريخي. لكنه لم يقدّم لهذه الطائفة مكاسب اقتصادية أو اجتماعية جوهرية، بل أبقاها في حالة فقر وعزلة، مستخدماً أبناءها كأداة عسكرية وأمنية لحماية نظامه.منح الأسد الأب أبناء الطائفة مواقع حساسة في الجيش والأمن، لكن من دون أن يُتيح لهم فرصاً لبناء نفوذ مستقل أو مكانة اقتصادية. كان النظام محكماً، وكانت كل القوى تدور في فلك شخصية حافظ الأسد الذي لم يتوانَ عن إزاحة أقرب المقربين إليه، بما في ذلك شقيقه رفعت، وضرب من يحاول تهديد قبضته الحديدية على البلاد.في هذا السياق، يمكن فهم كيف أصبحت الطائفة العلوية درعاً للنظام، تعاني من تهميش مزدوج: خارجي من المجتمع السوري الذي رأى فيها أداة للقمع، وداخلي من النظام ذاته الذي حرص على إبقائها تحت السيطرة.السيطرة الاقتصاديةورث بشار الأسد نظاماً قوياً لكنه هشّ من الداخل، قائماً على تحالفات دقيقة وأجهزة أمنية متوغلة في كل مفاصل الحياة. في بدايات حكمه، حاول تقديم صورة جديدة عن نظام والده، متحدثاً عن الانفتاح السياسي والاقتصادي، لكنه سرعان ما تراجع تحت ضغط المؤسسات العميقة التي لم تكن تثق به بالكامل.ورغم كل محاولاته لاسترضاء أركان الدولة العميقة، فإن شخصيته المترددة ونقص قدراته القيادية، بالإضافة إلى تأثير زوجته أسماء الأسد، أدى إلى تفكك هذه الشبكة. أسماء، القادمة من مجتمع حيتان المال، كانت تدرك تماماً أن السلطة الحقيقية تكمن في السيطرة الاقتصادية.بذكاء حاد، استغلت أسماء الأسد الصراعات الداخلية في العائلة الحاكمة، بما في ذلك خلاف بشار مع شقيقه ماهر، وغياب الحرس القديم بفعل تقدمهم في السن، لبناء إمبراطوريتها المالية الخاصة. بينما كان بشار يفقد السيطرة على البلاد، كانت أسماء تحكم قبضتها على الاقتصاد السوري، وتنهب مقدرات البلاد عبر صفقات مشبوهة.تدخلات خارجيةمع انحسار سيطرة الدولة، وجدت سوريا نفسها مسرحاً لتدخلات إقليمية ودولية. الميليشيات الإيرانية، بقيادة حزب الله، تولت إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يخدم مصالحها، وحولت البلاد إلى قاعدة لإنتاج وتجارة السلاح والمخدرات.على الجانب الآخر، أعادت روسيا هيكلة الجيش السوري ليكون أداة بيدها، تدافع عن نفوذها أمام التغول الإيراني. تحول الجيش إلى كيان ممزق يخدم أجندات متضاربة.اقتصاديا، استنزفت أسماء الأسد الأموال المتبقية عبر شبكة من منظمات المجتمع المدني التي كانت واجهة لنهب المساعدات الدولية. تفريغ المصرف المركزي من الأموال كان الضربة القاضية التي جعلت من سوريا دولة لا تملك أدنى مقومات الاقتصاد الوطني.دولة فاشلةتفكيك الدولة العميقة جعل سوريا اليوم دولة فاشلة بكل المعايير. لم تعد هناك مؤسسات قادرة على فرض القانون، وتحولت البلاد إلى ساحة لتجارة المخدرات والجريمة المنظمة. البنية التحتية منهارة، والاقتصاد مشلول، والمؤسسات الأمنية لا تعمل إلا لحماية مصالح قوى خارجية.هذا الوضع يعني أن أي محاولة لإعادة بناء الدولة ستواجه تحديات بحجم المعجزات. فلا يمكن إعادة الثقة في مؤسسات انهارت تماماً، ولا يمكن بناء اقتصاد مستدام في ظل الفساد المستشري والعقوبات الدولية.تشبه الحالة السورية اليوم إلى حد كبير ما حدث في يوغوسلافيا بعد انهيار نظام تيتو. تفكك الدولة اليوغوسلافية أدى إلى حروب أهلية وصراعات طائفية، لكن التحول نحو الديمقراطية لم يكن مستحيلاً. عبر دعم دولي وإصلاحات عميقة، تمكنت بعض جمهوريات يوغوسلافيا السابقة من بناء نظم ديمقراطية مستقرة واقتصادات واعدة.فرص إيجابيةرغم الصورة القاتمة، فإن تفكيك الدولة العميقة قد يحمل فرصاً إيجابية إذا تم الانتقال نحو نظام ديمقراطي يعتمد على العدالة والمساءلة. إعادة هيكلة المؤسسات على أسس قانونية شفافة قد تتيح بناء دولة حديثة تعتمد على الكفاءة بدلاً من الولاء السياسي أو الطائفي.تجارب مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وكوريا الجنوبية تشير إلى إمكانية تحقيق انتقال ناجح إذا توفرت الإرادة السياسية والمؤسسات الديمقراطية.سوريا اليوم تقف على مفترق طرق تاريخي. إما أن تستمر في حالة الانهيار والفشل، أو أن تجد طريقها نحو بناء دولة جديدة تعتمد على العدالة والمساءلة. لكن هذا المسار لن يكون سهلاً؛ إذ يتطلب تحرير البلاد من القوى الخارجية، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية.السؤال الذي يظل مطروحاً هو: هل يمكن لسوريا أن تتجاوز إرث بشار الأسد؟ وهل هناك إرادة دولية ومحلية كافية لإنقاذ هذا البلد الذي كان يوماً مركزاً للحضارة؟ الإجابة تظل مفتوحة، لكنها تبدأ من الاعتراف بأن تفكيك الدولة العميقة ليس نهاية الطريق، بل قد يكون بداية جديدة إذا تم التعامل معه بحكمة وشجاعة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top