يكاد شعار "شيعة.. شيعة.. شيعة..." الذي ردده راكبو الدراجات النارية في منطقة الجميزة، ليل الأحد، يصبح اختزالاً للطائفة الشيعية في لبنان، ووسماً لها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أثار انتقادات المنتمين للطائفة الشيعية أنفسهم، رفضاً لترداد شعار من شأنه أن يتحول الى هوية اجتماعية، ويصبح ملازماً لها.
والشعار الذي يرفعه راكبو الدراجات، منذ 5 سنوات على الأقل، يجدد النقاش في كل مرة حول أغراضه وأهدافه التي تبدو، كما يقول خصوم "حزب الله"، "رسائل سياسية تتكرر عند كل منعطف سياسي أو لحظة انقسام داخلي". ويقول خصوم الحزب إن ترداد الشعار الذي يترافق مع مسيرات على متن دراجات نارية، يُراد منه "تذكير الداخل اللبناني بقوة الحزب وشعبيته وقدرته على التأثير"، فيما يذهب المغالون من خصوم الحزب الى اعتباره "تهديداً مؤللاً بالسيطرة على المشهد اللبناني بالكامل إذا قرّر ذلك".
لكنّ النقاش الذي ظهر منذ ليل الأحد، يتعدى الانقسام السياسي، ونظرة خصوم الحزب أو حتى المحايدين من الطوائف الأخرى لهذا السلوك.. اشتعل داخل المنتمين للطائفة الشيعية، سواء من معارضي "حزب الله" أو الموالين له. سلك النقاش زاويتين، أولهما تنميط شريحة من اللبنانيين بناءً على هذا الشعار، ربطاً بترداد شعار يتلازم مع مسيرات تعبر في مناطق تسكنها غالبية مسيحية أو داخل العاصمة.. بينما ذهب الآخرون الى اعتبار الشعار، اختزالاً لهوية طائفة، وهو أمر مرفوض بالنسبة إليهم.
انقسامات شيعية
ويتخطى الشيعة المعارضون لـ"حزب الله"، أي طرف آخر بلـ"جلد" الظاهرة. ينظرون إلى هذه الظاهرة على أنها "سلوك رجعي ومتخلّف"، ويرون أن الخلاف السياسي مع الحزب انعكس مباشرة على الجمهور الموالي له، وأنه شحن الجمهور بـ"فائض القوة"..
أما المتحررون من الانتماء الحزبي، فيتمحور نقدهم حول أصل إطلاق الشعار وماهيته، إذ يرفضون هذا الشعار من أساسه، ولا يرون أنه يمثلهم، لا كشعار يحدد الجماعة بإطارها المذهبي فقط، ولا كسلوك يوظف الخلاف السياسي في الشارع. ويتساءل هؤلاء عن الغرض من إطلاقه، وما الذي يسعى هؤلاء الشباب للتعبير عنه عندما يصرخون بحماسة مفرطة، هاتفين بالشعار في الشوارع.
وتدور أسئلة المنتقدين من الجهتين، حول ما إذا لمجموعة صغيرة من الشباب المتحمّس، الذي قد يرتكب أفعالاً غير مقبولة، أن تمثّل طائفة بأكملها؟ وهل ينحصر هذا النوع من السلوك في بعض الفئات داخل الطائفة الشيعية وحدها؟ ألا تشهد مختلف المكونات اللبنانية الأخرى تصرفات مشابهة، وإن اختلفت الشعارات التي تُرفع؟
من هنا، يصبح النقاش أعمق، إذا ما ركّز على أصل السلوك بدلاً من حصره في إطار مذهبي ضيّق، مما يعزز الحاجة إلى معالجة الظاهرة من جذورها بعيداً من التعميم أو التنميط.
ظاهرة تتخطى الشيعة
الحال أن هذا الشعار، الذي تكرّر ظهوره في الساحات خلال فترات الانقسام السياسي الحاد في لبنان على مدى السنوات الماضية، لا يختلف كثيراً عن شعارات أخرى ترفعها مجموعات لبنانية تنتمي إلى طوائف مختلفة. جميعها تعبّر عن انقسام طائفي، وتسعى إلى تعزيز حضور الطائفة على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وهكذا، فإن هذه الظاهرة ليست استثناءً بل هي جزء من أزمة أعمق تتجلى في الخطابات الطائفية التي تهدف إلى السيطرة على الجماهير وتعميق ولائهم للزعامات السياسية بدلاً من تعزيز الانتماء للوطن.
وبمعزل عن الانتقادات، يمكن القول إنّ معالجة هذه الظاهرة ليست مسؤولية حزب الله وحده، بل هي مهمة جماعية تشمل جميع القوى السياسية والطائفية في لبنان، إذ إنّ الخطابات الطائفية، التي تُغذّي الانقسامات وتُبعد اللبنانيين عن الوحدة الوطنية، لا تقتصر على فئة بعينها. هذه الفئة، كغيرها من الفئات التي تأثرت بأدبيات خطابية مذهبية، أصبحت وسيلةً يستغلها الساسة للسيطرة على الجماهير وتعزيز ولائهم.
من هنا، فإن مسؤولية الأحزاب السياسية والمراجع الدينية والطائفية تتطلب اتخاذ خطوات جادّة لمعالجة هذه الظاهرة، سواء داخل الطائفة الشيعية نفسها أو ضمن باقي المكونات اللبنانية، بما يعيد بناء وعي وطني يُقدّم مصلحة البلد فوق أي انتماءات ضيقة.