في اليوم الثالث لعودة المواطنين إلى بلدتهم الحدودية جنوبي لبنان، تستمر الاعتداءات الإسرائيلية بشكل متصاعد في ظل تمديد اتفاق وقف إطلاق النار. وشهدت المنطقة تطورات ميدانية خطيرة، حيث أكدّت التقارير الميدانيّة وقوع سلسلةٍ من الاعتداءات العسكريّة في عددٍ من القرى الحدوديّة، ما يثير القلق بشأن استمرار الوضع الأمني المتوتر في المنطقة.
وتابع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بعد ظهر اليوم، اتصالاته ولقاءاته بهدف معالجة الأوضاع في الجنوب. والتقى في هذا الاطار، سفير فرنسا في لبنان هيرفيه ماغرو، وتداول معه في التطورات الجنوبية الراهنة، مركّزًا على وجوب الضغط على اسرائيل للتقيّد باتفاق وقف اطلاق النار خلال الفترة التي تنتهي في 18 شباط المقبل. وفي الإطار نفسه، استقبل الرئيس عون سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان السيدة ليزا جونسون، وتطرق البحث الى الجهود المبذولة لدفع إسرائيل الى وقف اعتداءاتها على الأهالي والقرى في الجنوب، والتزامها مندرجات اتفاق وقف اطلاق النار ضمن المهلة المحددة. اعتداءات إسرائيليّةوفي التفاصيل، أفادت التقارير أن القوات الإسرائيلية وبعد انسحابها من بلدة البستان الحدودية في جنوبي لبنان، أقدمت على إجراء أعمال بناء متطورة عند الجدار الحدودي. ووفقًا للمصادر، شوهدت رافعة كبيرة تابعة للجيش الإسرائيلي مقابل بركة ريشا في خراج البلدة، تقوم بتركيب جدران إسمنتية في المنطقة المحاذية للجدار الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة. في الوقت نفسه، شهدت المنطقة تحركات كثيفة لجنود الاحتلال الذين قاموا بأعمال جرف على طول الجدار الإسمنتي بواسطة جرافة معادية، وهو ما يشير إلى تصعيد ميداني في المنطقة. وأفادت تقارير، بأن "القوات الإسرائيلية اعتقلت جريحاً سقط برصاصها عند مدخل العديسة عصر اليوم بعد أن منعت الجيش اللبناني والدفاع المدني من التقدم لسحبه".
من جهةٍ أخرى، أقامت القوات الإسرائيلية سواتر ترابية معززة بعناصر من الجنود على طول الحدود، مما جعلها تسيطر على المشهد الأمني في بلدة البستان والقرى المحيطة بها، مثل يارين، الزلوطية، أم التوت، الضهيرة، وقرى القطاع الغربي في قضاء صور. تزامن ذلك مع تحليق مستمر لطائرات استطلاع إسرائيلية ومسيرات على ارتفاع منخفض في سماء المنطقة، ما زاد من حالة التوتر بين المواطنين الذين عادوا إلى مناطقهم بعد أيام من القصف والتهجير.هذا وصدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه البيان الآتي: "في سياق الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في المناطق الحدودية الجنوبية، أقدم العدو الإسرائيلي على إطلاق النار باتجاه عناصر الجيش والمواطنين على طريق يارون - مارون الراس، مما أسفر عن إصابة أحد العسكريين وثلاثة مواطنين، وذلك أثناء مواكبة الجيش للأهالي العائدين إلى البلدات الحدودية الجنوبية".كما وأعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان، بأن وحدات عسكرية انتشرت في بلدة يارون – بنت جبيل في القطاع الأوسط وبلدة مروحين وبركة ريشا - صور في القطاع الغربي ومناطق حدودية أخرى في منطقة جنوب الليطاني بعد انسحاب العدو الإسرائيلي، وذلك بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار (Mechanism). ولفت البيان الى انه يتابع الجيش مواكبة المواطنين في البلدات الحدودية، كما يواصل التنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان – اليونيفيل في ما خص الوضع في المنطقة المذكورة، ضمن إطار القرار ١٧٠١.رسالة من الحزب ووجّه رئيس المجلس السياسي في حزب الله، إبراهيم أمين السيّد، رسالة إلى "المقاومين في الجنوب"، مؤكداً أن مقاومتهم وتضحياتهم هي مصدر فخر واعتزاز للأمة. وأكدّ السيّد في رسالته أن سلاح المقاومة، الذي اختبره العدو في الميدان، لا يمكن أن يهزم أو يُقهر، مشدداً على أن هذا السلاح يتجسد في عزيمة وإرادة الشعب اللبناني. وقال: "أنتم يا أهل الجنوب، يا أبطال المقاومة، أنتم الذين لا يعرف الخوف أو الاستسلام طريقاً إليكم، أنتم من تجعلون الأرض طاهرة من رجس المجرمين، وأسلحتكم هي أداة لإحقاق الحق في وجه الاحتلال."
وأشار إلى أن العدو قد اختبر قوة سلاح المقاومة وتعرّف على قوته الفائقة، مؤكداً أن دماء الشهداء تحوّلت إلى مصدر إلهام وعزم لشعوب العالم. وفيما يخص فلسطين، أكد السيّد أن المشهد في فلسطين يعكس تلاحم الشعب والدماء والنصر، مشيراً إلى أن هناك لحظة حتمية ستسقط فيها الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، وستكون شعوب العالم على صورة الشعب اللبناني في الجنوب. كما دعا السيّد إلى الوحدة الوطنية بين جميع أبناء الوطن في هذه اللحظة التاريخية، مؤكدًا أن الفرصة سانحة لتجاوز الخلافات المصطنعة وإثبات سيادة لبنان، والتأكيد على أن الشعب اللبناني يستحق الحياة بكرامة وشرف.تحليل إسرائيليّ للوضع اللبنانيّمن جانبٍ آخر، نشر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب تقريرًا يتناول التطورات في لبنان عقب تغيير القيادة السياسية، خاصة مع تولي الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام مهامهم. التقرير اعتبر أن هذه القيادة الجديدة قد تشكل فرصة لإسرائيل، حيث يتفق لبنان وإسرائيل على المصلحة المشتركة في تقليص تأثير إيران وحزب الله، والعمل على نزع سلاح الحزب.
ورغم ذلك، أشار التقرير إلى أن الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة لن يكون لديهما مصلحة في الدخول في مواجهة عسكرية مع حزب الله، الذي يسعى للحفاظ على قوته العسكرية في الجنوب اللبناني. كما توقع التقرير خلافات بين لبنان وإسرائيل حول تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يُعتقد أن الجيش اللبناني سيواجه صعوبة في تنفيذ مهمته في إخراج حزب الله من جنوب لبنان.التوترات على الحدودالتقرير نفسه استعرض التحديات الأمنية المتوقعة على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، مشيرًا إلى أن إسرائيل ستواجه صعوبة في الحفاظ على وقف إطلاق النار على الحدود بسبب التغيرات في طبيعة العمليات العسكرية، خاصة بعد تعاظم قوة حزب الله في جنوب لبنان بعد العام 2006. ورجح التقرير أن تلجأ إسرائيل إلى مطالبة لبنان بتصحيح أي خروقات على الحدود، وفي حال عدم الاستجابة، قد تتخذ إجراءات عسكرية منفردة.
وفي هذا السياق، لم يُغفل التقرير دور الولايات المتحدة في دعم تطبيق الاتفاق، لكنه أشار إلى احتمالية نشوء خلافات مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رغم تفهم الجنرال الأمريكي المكلف بمتابعة تنفيذ الاتفاق للمطالب الإسرائيلية.حادثة شبعاإلى ذلك، أصدرت دار الإفتاء في حاصبيا ومرجعيون بيانًا أدانت فيه الاعتداءات التي وقعت في بلدة شبعا يوم أمس، والتي تمثلت في إطلاق نار وإلقاء قنابل على منازل المواطنين، بما في ذلك منزل الشيخ حسين زهره. وفي البداية، اعتقدت الدار أن الهجوم كان من قبل العدو الإسرائيلي، لكن تبين لاحقًا أن المعتدين ينتمون إلى فصيل تابع لإحدى الجهات الحزبية، مما أثار استغراب الدار. وأعربت دار الإفتاء عن استيائها العميق من التصرفات غير المسؤولة، مشيرةً إلى أن شبعا والعرقوب يجب أن تبقى تحت راية واحدة، هي راية الوطن والجيش اللبناني، وأكدت على ضرورة احترام خصوصية كل قرية وحق المواطنين في العيش بأمان.
كما طالبت الدار المسؤولين في مختلف الجهات الأمنية والسياسية، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية، ودولة رئيس مجلس النواب، ورؤساء الحكومة، وقادة الجيش، باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حماية المدنيين ومنع تكرار مثل هذه الحوادث. وأكد البيان على ضرورة سحب السلاح من أيدي المعتدين واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، لحماية الأمن والاستقرار في المنطقة ومنع أي تصعيد قد يهدد سلامة أهل الجنوب. وفي الختام، دعا المفتي القاضي الشيخ حسن دلي إلى تحمل المسؤولية الكاملة من جميع المعنيين، معبرًا عن حرصه على أمن المواطنين وحفظ استقرار المنطقة.