مع بداية ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد الماضي كان الجميع بانتظار المشهد الذي ألمح إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقائه الأخير مع الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز في عين التينة، حيث أكد بري يومها أن أحداً لن يستطيع ثني أهل القرى الحدودية عن التوجه إلى قراهم في اليوم الـ 61 لاتفاق وقف إطلاق النار، وهكذا كان.الجيش:لا خروج من القرى نهار السبت الماضي كان قرار الجيش اللبناني "منع وصول المواطنين إلى حيث يتواجد الإحتلال الإسرائيلي". تروي مصادر عسكرية في الجيش، وتقول إن "قرار القيادة كان واضحاً وهو التعامل مع الحدث بحسب حجمه، مع التأكيد على منع التصادم مع أبناء القرى، فإن كانت الأعداد قليلة يتم منعها من التقدم، وإن كانت كبيرة يتم تسهيل مرورها إلى القرى حيث لا يرى الجيش خطورة كبيرة لأسباب تتعلق بالعدو أولاً، وبالمفخخات والقنابل ثانياً".
و مع بدء توافد المواطنين تبلغ عناصر الجيش بضرورة فتح الطرق، ومواكبة الاهالي إلى داخل القرى. هنا أبلغت قيادة الجيش، عناصرها بأن القرى التي يدخلها الجيش اللبناني لا يخرج منها، وبالتالي ستُعتبر قرى محررة". وكشفت المصادر عن الاتصالات التي أجرتها قيادة الجيش وأرجأت الدخول لبعض القرى إلى اليوم الثلاثاء. فعلى سبيل المثال كان يُفترض بالعدو الخروج من بلدة ميس الجبل في 25 الجاري، لكنه تخلف كعادته، ثم عاد والتزم بالانسحاب تحت ضغط الاهالي.أعطيت الأوامر للعسكريين، بحسب المصادر، تجنب التصادم مع جنود العدو، أو استخدام القوة إلا في حال الدفاع عن اللبنانيين. وعلى اختلاف اليوم الأول، تُشير المصادر إلى أن المشهد في اليوم الثاني كان أكثر تنسيقاً بين البلديات والأهالي والجيش لمحاولة التخفيف قدر الإمكان من المخاطر التي قد يتعرض لها الأهالي.مسيرات استفزازيةبدأت التحركات الشعبية في الجنوب عفوية، واكبها الثنائي الشيعي عند ساعات الظهر تقريباً بعدما أظهر الجنوبيون إرادة صلبة للتقدّم، سواء من خلال التنسيق مع الجيش، أو من خلال الإهتمام الإعلامي بتحويل هذا النهار إلى احتفال وطنيّ بالنصر، فكانت المشاهد التي رآها اللبنانيون على شاشات التلفزة.ومواكبة لتطورات الجنوب تحرك حزب الله في الضاحية ودعا إلى مسيرات احتفالية في شوارعها الساعة السادسة مساء. تقول مصادرالثنائي، إن الحزب أراد من خلال مشاهد الأحد تأكيد التصاق بيئته به وإيمانها بدوره، وتوجيه رسائل سياسية كثيرة إلى الداخل والخارج بهذا المعنى، معتبرة ما حصل بمثابة "بروفا" لما ستشهده الشوارع في تشييع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله والذي يُفترض أن يتم خلال شهر شباط المقبل.
غير أن مشهد العودة الجميل كاد يضيع في شوارع بيروت. فخلال ساعات الليل الأولى بدأت مسيرات الدراجات النارية بالإنتقال من الضاحية إلى مناطق "مسيحية" مما أدى إلى وقوع إشكالات متنقلة. وبحسب مصادر الثنائي الشيعي فإن هذه التحركات لم تكن مدفوعة منه إطلاقاً، على عكس كل المشهد الجنوبي وفي الضاحية، بل إن قياديين في التنظيمين أجريا إتصالات لمعرفة هوية من تسبب بهذه الاستفزازات، والتي تبين إنها عبارة عن مجموعات غير منظمة ومتهورة، ألحقت الأذى بالمشهد الذي صنعه الجنوبيون أمس، ولما يُريد حزب الله إظهاره.لا يصدّق خصوم الثنائي في الداخل أن مسيرات بيروت الاستفزازية كانت عفوية، وفي تقييمهم أنها مسيرات تشبه مسيرة القمصان السود نفذها الحزب لأهداف سياسية تتعلق بتشكيل الحكومة ومسيرة العهد الجديد. ولا تُخفي المصادر المقربة من الثنائي مسؤوليته عن ضبط شارعه، فما حصل في بيروت وقع في بلدة مغدوشة الجنوبية، تلك البلدة التي كانت ملاذاً آمناً للنازحين خلال الحرب، والتي تربطها علاقات ممتازة مع جيرانها في الجنوب، إذ شهدت البلدة توترات أمنية ليلاً بسبب مسيرات وهتافات طائفية لا تليق بجمهور المقاومة حصلت أمام الكنيسة، تقول المصادر، مشيرة إلى أن الثنائي يُدرك أن شارعه الذي يعاني من ضغوطات كبيرة لا يجب أن ينفجر في المكان الخاطىء، ولا ينبغي السماح لفئات من المتهورين أن تشوه صورة البيئة الحقيقة للمقاومة، ولذلك سيكون هناك تشدد في الساعات المقبلة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.مشهد متكرر وأكثر اتظيماًولليوم الثاني استمر توافد الأهالي إلى قراهم ولكن بطرق أكثر تنظيماً. حضرت التعبئة التربوية في حزب الله باصات نقل طلاب الجامعات من بيروت إلى الجنوب، وأخرى لنقل البقاعيين إلى الجنوب لمساندة أهله،. وعلى الرغم من تمديد مهلة الهدنة حتى 18 شباط، فإن الضغط الشعبي سيستكمل، لأن"الاحتلال لن يواجه بالخنوع بل بموقف شعبي رافض له"، علماً أن القرى التي يدخلها أهلها اليوم مثل حولا وعيترون تقع في النطاق الذي أعلن العدو نيته استمرار تواجده فيه، وهنا تشدد مصادر الثنائي على أن المطلوب عدم انتظار التوقيت الإسرائيلي للخروج من القرى بل الضغط عليه لفعل ذلك.
وبحسب المصادر فإن حزب الله أعدّ العدة أيضاً لمواكبة دخول الأهالي إلى القرى الجنوبية من خلال إطلاق ورشة الكشوفات والتعويضات، وهذا الأمر سينطلق خلال الساعات القليلة المقبلة لتمكين الأهالي من الصمود، خصوصاً في القرى التي لم تُدمر فيها المنازل بشكل كامل.