في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كانت شعبية دور السينما في أوجّها بين سكان بيروت، لا سيما في المناطق السكنية المكتظة. في تلك الحقبة، تأسست سينما "رويال" في برج حمود، تحديداً العام 1958، وكانت تعرض الأفلام الأميركية والأوروبية والمصرية، إلى أن بدأت بالتراجع بدءاً من سنوات الحرب الأهلية وأقفلت نهائيا العام 2015. عادتْ سينما "رويال" منذ سنتين كمشروع يحاول أن يحافظ على فضاء المدينة وكمساحة ثقافية بيروتية ومكان متفاعل مع محيطه العمراني والسكاني. يقول المدير الفني جان عبد النور: "عندما عدت إلى بيروت منذ ثلاث سنوات كانت الظلمة تعمّ المدينة بعد أزمة محروقات ألف اللبنانيون معاودتها في كل فترة. في حواري مع المسرحيين، وجدت رغبة وحاجة لإقامة مساحة فنية نعمل فيها كبحث عن هوية مدينة مظلمة مهدّدة بتاريخها، وعن إيجاد مختبر يطور الممارسة الفنية ويعيد الاعتبار إلى مهن مثل التمثيل والكتابة والسينوغرافيا والإخراج. في البداية زرتُ المسارح الجادّة المكرّسة في بيروت طارحاً مشروع برمجة مغايرة للسائد أو المتبع في سياستها قوامها استقبال مجموعة من الفنانين تعمل مع بعضها البعض، انطلاقاً من وجهة نظري أن المسرح لا يصنعه المبنى بل فعل الناس في داخله". يتابع عبد النور: "توصلت بعد رحلة بحث طويلة إلى لقاء المخرج الشاب مارك حديفة، ولمست لديه أيضاً رغبة في بناء مساحة فنية من مسرح وسينما ورقص وموسيقى بعدما اشترى الصالة وأعاد تجديد السينما في منطقة برج حمود المقفلة منذ العام 2015".
فهل إعادة الاعتبار إلى سينما المناطق التي فقدت دورها واستقطابها للسكان من حولها، يندرج ضمن مشروع تحوّل السينما إلى مركز ثقافي؟ نسأل عبد النور، فيقول: "همي ليس المكان بقدر ما هو جمع فنانين في مكان يحمل مشروعاً فنياً وسياسياً، ويحمل أيضاً قضايا وهواجس تحاكي وجدان أهل المدينة. والمكان المسرحي أيضاً، مثل محبين يتواعدون في المكان نفسه وينتظرون بعضهم بعضاً للتحاور واكتشاف الذات". يضيف: "أماكن التجمع تغيّر مفهومها، المقاهي مكتظة بالنراجيل التي تمنعك من الكلام، المدينة مكتظة بالدراجات النارية وخدمات التوصيل، انتفى التجول في الشوارع واللقاء والحوار داخل دكاكينها وساحاتها... هل هي مدينة ملعونة كما وصف الإغريق مدنهم؟ أم أنها مدينة جميلة لا نشعر بها بعدما فقدنا حواسنا وتعلقنا بشاشات هواتفنا الذكية؟ هل تعلم أن رئيس بلدية برج حمود كان الشاعر الأخطل الصغير؟".نداء التاكسي وحوار مع روزا
فكيف يقدّم عبد النور، العمل المسرحي "وحياتك ع بيروت"، من ضمن التوجه العام لسينما "رويال"؟ يجيب: "التوجه برمجة تمتدّ طوال العام، فيها المسرح والرقص والموسيقى والسينما، ومن ضمنها برمجة السينما الممنوعة التي غيّرت في مفهوم الفن السابع والمجتمع. وكذلك الأمر في الموسيقى والمسرح".
عرض "وحياتك ع بيروت" هو البداية لمجموعة عروض تبحث عن المدينة، أعمال مستقلة لكنها مترابطة في موضوعاتها تشبه بيروت بحيويتها وصراعاتها المستمرة، بخيباتها وانتصاراتها."وحياتك ع بيروت"، هو ما اعتدناه نداءً لسيارة أجرة تنقلنا إلى بيروت. العرض هو رحلة داخل المدينة واسئلتها عن الذاكرة والحب والموت، ضمن رحلة ثلاث نساء (زينة زيادة، ميليسا حجيج، سيلين صليبا)، يتبادلن مع صورة مناضلة عالمية ملهمة هي روزا لوكسمبورغ، الرسائل من وإلى بيروت. بيروت العالم منذ القدم، من الطبيعي أن تحتفل وتتراسل بخصوصيتها وهويتها وتنوعها الثقافي مع ما يشبه قصص نسائها المسجونة ورفضها للحرب وحبها للورود واغتيالها مرات ومرات. مسرحية للاحتفال والاحتفاء بالمدينة وأهلها. إنها رحلة بحث في الوجدان والروح والجسد عن الأشياء والمطارح والأوقات الحلوة. نزور الأحلام والذكريات، نكتب رسائلنا وصايانا وعهودنا، نسأل عن كل شيء. نغني أفراحنا ونرقص أتراحنا، نخاف ونحلم، نضحك ونهرب، نركض ونحب. نتذكّر ونثور على أنفسنا، نزرع حدائقنا وروداً زهوراً سعادةً وأملاً. نفبرك الزمن والضوء ونحوّل الأشياء كلاماً ولوحات تعبّر عن أحوالنا وأفكارنا. المسرح سهرة وموعد ولقاء، يجمعنا كلنا كي لا ننسى حبّنا للحياة والناس والبلد، كي نكون معاً.