2025- 01 - 28   |   بحث في الموقع  
logo العدو الاسرائيلي يطلق سراح مواطناً لبنانياً logo قاسم: تعقيدات الحكومة ليست عندنا ولا نقبل بتمديد المهلة logo غزة: وفد من حماس بالقاهرة لبحث تطورات تنفيذ الاتفاق logo الخليل: المالية حقّقت فائضاً يساوي 27 تريليون ليرة logo بالفيديو: شاب يطارد فتاة في طرابلس logo الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات عن قطاع الطاقة في سوريا logo بري يرد على ميقاتي..وفرنسا: لانسحاب إسرائيل وتلزيم الجيش logo tayyar.org: نأسف للإعتداءات على الصحفيين والتي تشوه المشهد الوطني لعودة الأهالي
هل ينجو العلويون من محرقة "الأسدية"؟
2025-01-27 10:25:58


بعض التسامح خير من بعض الظلم، لكن في كليهما يمكن القول إن وراء الأكمة ما وراءها. وعلى السواء، إذا كانت الإدارة الجديدة في سوريا تريد أن تبعث برسائل مختلفة إلى المجتمع السوري عن تلك التي تصل إلى المجتمع الدولي، فإن تلك الرسائل بعد انقضاء شهر العسل "الانتصاري" صارت في الداخل ذات وجهين أو تفسيرين، يغيّب أحدهما الآخر، حتى كاد بعض السوريين يختلط عليه الخط، وتتداخل كلمات الرسائل لتصبح مبهمة، وأيضاً لها معان متعددة.فبينما تغيب الرؤية الشاملة للإدارة الجديدة حول تفاصيل الحاضر قبل المستقبل، يجد السوريون أنفسهم يجمعون شتاتاً من هذا اللقاء وتلك الزيارة، ما يعني حتى اللحظة أننا أمام متاهة، عنوانها الكبير تصريحات مطمئنة ومتوازنة وأحياناً حالمة لقائد إدارة العمليات أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، بينما عند الدخول في أزقة الوضع السوري، والآليات التنفيذية لتلك النوايا -إن صح القول- فإننا نواجه ضبابية، قد تكون مقصودة، ربما غايتها إفساح المجال أمام تشكيل نموذج الدولة التي لم تتبلور رؤيتها بعد، أو تدجين الشعب على القبول بأمر واقع، لا أساس دستورياً له حتى اليوم، أي القبول بغياب الإعلان الدستوري الذي "يمأسس" الحراك الحكومي.خطاب التسامح على سبيل المثال، الذي قدمته الإدارة الجديدة كان خطوة إيجابية وضرورية في مسار إعادة بناء البلاد، لكنه وفي كل وقت ومكان، بحاجة إلى أن يُرافق بخطوات واضحة تعزز تنفيذه على أرض الواقع، ومنه إرادة تحقيق العدالة الانتقالية. فالعفو عن المرتكبين، وإن كان أداة لتحقيق التهدئة، يجب أن يكون مشروطاً بآليات تتيح للضحايا اللجوء إلى المحاكمات، بل إلزامهم أن تكون هذه وجهتهم الوحيدة لأخذ حقوقهم، ما يضمن لهم الشعور بالإنصاف ويمنح المجتمع فترة هدوء نسبياَ، ويتماشى مع عملية البناء المؤسساتي لدولة تقوم على أنقاض حرب 13عاماً.
هذا النهج، من المفترض أنه لا يقتصر على تحقيق العدالة فحسب، بل يسهم أيضًا في تقليص التعاطف الطائفي مع مرتكبي الجرائم من أبناء طائفتهم، ويحد من الانقسامات التي قد تتفاقم عند الشعور بأن العدالة قد تم تجاوزها. كما أن التغاضي عن الأفعال الانتقامية التي قد يقوم بها الضحايا أو ذووهم في الاشتباكات المباشرة بين الأطراف، من شأنه أن يفتح الباب أمام تصعيد العنف بشكل غير مبرر. وهذه الأفعال قد تؤدي إلى سقوط ضحايا غير مستهدفين أو غير مدانين من قبل الجهات الأمنية، مما يزيد من حدة التوترات، كما أن المجرمين قد يستغلون هذه الفوضى للتخفي وراء أهاليهم كدروع بشرية، مما يساهم في تصعيد الوضع ويجلب تعاطفًا دوليًا وحقوقيًا مع هؤلاء الأفراد. لذا، التمهل في المحاسبة وليس تجاهلها، هو ضرورة حتى تتمكن الدولة من استعادة قدرتها القضائية والأمنية بشكل أكثر فعالية وعدالة.ومن المهم الإشارة إلى أن التجاوزات الفردية، أو حتى التعامل غير المدروس أبعاده من قبل الجهات الأمنية ذاتها، والتي تحدث أحياناً على أساس طائفي، قد تكون ذلك "الحجر" الذي يعكر صفو النهر الكبير، وقد يحول مجراه إلى غير مصبه في العملية السلمية المرتجاة، لأن هذا النوع من التجاوزات يمكن أن يهدد استقرار المجتمع، ويؤدي إلى تقسيمه بشكل أكثر عمقاً من التقسيم السياسي أو السلطوي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن السوريين يتفهمون أن الإدارة الجديدة لا تزال في طور التشكل وفهم الواقع السوري، بكل ما يحمله من مآس قد يصعب علاجها في أشهر وربما سنوات، لكن من المفيد التنويه مراراً، إلى أن الصمت على أخطاء الواقع الحالي، سواء كانت نابعة عن أيديولوجية من ارتكبها، أو نتيجة رد فعل على اعتداءات ممنهجة من قبل فلول النظام لاستدراج السوريين إلى حرب طائفية، قد يعيق الهدف الكبير في بناء الاستقرار المجتمعي. وهذا لا ينفي القلق الحكومي والشعبي المشروع من وجود متربصين داخل وخارج البلاد، يستغلون أي فرصة لزيادة الانقسامات الطائفية وتهديد استقرار المجتمع. فهؤلاء المتربصون يسعون إلى إضعاف أي محاولة لبناء مصالحة حقيقية، مستفيدين من أي ضعف في الحكم أو غياب للعدالة أو إرادتها.لذا، فإن الانسجام بين القول والفعل يصبح ضرورة ملحة، حيث يجب أن يتبع الخطاب الذي يدعو إلى التسامح والمصالحة، أفعالا ملموسة تترجم إلى واقع، فالتسامح وحده لا يكفي، بل يجب أن يُترجم إلى سياسات عملية تضمن المساواة والعدالة للجميع، من دون تمييز أو محاباة. وهنا لا بد من المصارحة حول المكون العلوي، الذي استجره نظام الأسد المخلوع، ليكون وقوداً لمحرقته في الحكم، وعدم الوعي لهذا الأمر، بتحييد الطائفة كمكون بعيداً عن السلطة المجرمة كجهة مدانة، قد يأخذنا إلى فوضى لا نهاية لها، وهذا ما يمكن - في ظل الظروف المعيشية الصعبة- استغلاله خارجياً وداخلياً من جهات معادية لاستقرار سوريا، لهذا فإن على عقلاء الإدارة والطائفة العلوية والمجتمع السوري بعمومه السعي لتجنيب العلويين الدخول في عباءة الأسدية المجرمة.ولهذا، المطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية أساس لأي مصالحة مجتمعية. لكن في ظل غياب العمل المؤسساتي الأمني والشرطي، فإن ذلك يمثل تحديًا كبيرًا. إذ إن المؤسسات الأمنية تعد ركيزة أساسية لضمان الأمن والاستقرار، وحماية الضحايا والشهود، وتنفيذ الأحكام القضائية، ومنع تكرار الانتهاكات. حيث لا يمكن الفصل بين تحقيق العدالة، وتأمين بيئة آمنة تدعم المصالحة، وتضمن عدم العودة إلى دائرة العنف والانتهاكات، التي يحاول فلول النظام استجرار السوريين إليها، لتعطيل بناء الدولة ومنع استعادة السلم الأهلي. فهل تقطع الإدارة الجديدة على هؤلاء الطريق بمد يدها للمجتمع المدني والاستفادة من خبراته لحمل هذا العبء معها؟
ولعل أهم ما يفترض إدراكه هنا، في الوعي والممارسة السياسيين، إن الحديث عن العدالة الانتقالية ليس حديثًا في البعد القانوني فقط، بل إنه حديث في البعد الأخلاقي والقيمي، كما أنه حديث في السياسة أيضًا، لأنه من دون هذين البعدين ستبقى العدالة الانتقالية شيئًا ناقصًا، في حين يفترض تحصينها وتوظيفها في بناء اجماعات وطنية للسوريين، ومصالحات مجتمعية تنفض عنها رماد الجمر الطائفي القابل للاشتعال بعود "الأسدية المجرمة" أو أزلامها.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top