تستعد الإدارة السورية لإجراء جولة جديدة من المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بعد أن فشلت الجولة الأولى ولم ينتج عنها أبعد من كسر الجليد بين الطرفين، ودون حدوث أي تقدم يذكر.من المتوقع أن تستمر "قسد" بالتمسك بسقف مطالبها الذي يتضمن الاعتراف بخصوصيتها العسكرية والإدارية، وبالتالي فإن اعترافها بالإدارة السورية المركزية هو أشبه بالرمزي حيث تبقى هي المتحكمة بالميدان والإدارة.مناورة التفاوض مع دمشقتشير المعطيات إلى أن "قسد" تستخدم التفاوض مع إدارة دمشق لكسب المزيد من الوقت، على أقل تقدير حتى تتضح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا، حيث تتحرك على أرض الواقع بصورة لا توحي بأنها جاهزة للاندماج ضمن الإدارة الجديدة، بل تبحث عن غطاء من دمشق يتيح لها الاستمرار، وفي الوقت ذاته ينزع الذرائع التركية التي تستخدمها أنقرة لاستمرار التصعيد.وتفيد المعلومات بأن "قسد" مستمرة بتلقي الدعم العسكري من فصائل الحشد الشعبي العراقي وعلى رأسها كتائب حزب الله العراقي، وهذا يتيح لها شريان تسليح مهم خاصة فيما يتعلق بالطائرات المسيرة، كما أنها فتحت المجال أمام تدفق عناصر وضباط يتبعون للنظام السوري السابق إلى مناطقها، والعشرات منهم يشتركون في المواجهات الحالية التي تدور قرب سد تشرين شرق حلب.ولا ترغب "قسد" بإبداء أي التزام أمام الإدارة السورية دون تعهد من الأخيرة بأن تعمل على انسحاب القوات التركية من بعض مناطق شمال شرق سوريا، مع إيقاف الهجمات الجوية التركية، وهذا يعكس حرصها على التعامل مع المنطقة على أنها حيز جغرافي خاص بها.تصعيد واسعومن الواضح أن الإدارة السورية تتجنب الدخول في تصعيد واسع مع تنظيم "قسد"، إذ تشير المعلومات التي رشحت عن الإدارة إلى إعطاء أولوية للحل السياسي، وهي تعول على فتح قنوات تواصل مع المكونات العربية شمال شرق سوريا، وخاصة تلك المنخرطة ضمن تشكيل "قسد" مثل قوات الصناديد، على أمل التضييق على المكون الكردي ضمن "قسد"، ودون أن تضطر الإدارة إلى الدخول في توتر مع الولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بقواعد لها في دير الزور والحسكة.واستطاعت القوات التابعة للإدارة السورية خلال الأسابيع الماضية، التوسع في بعض مناطق شمال شرق سوريا مثل مدينة دير الزور وريف الرقة، لكن هذا التوسع يتم دون صدام مع "قسد"، وبالتنسيق مع قوات التحالف الدولي التي تخشى من ظهور تنظيم "داعش" مجدداً بسبب الفراغ الأمني.السيناريو الليبي في سوريايسود الشارع السوري قلق من تكرار السيناريو الليبي في سوريا، والذي يتضمن استمرار تقاسم مناطق السيطرة بين أطراف مختلفة، حيث تبقى العاصمة ومناطق الساحل بيد السلطة، في حين تحتفظ "قسد" بالمنطقة الغنية بالطاقة في ظل إشراف دولي.واستفاد الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي تسيطر قواته القبلية على شرق ليبيا من المظلومية التاريخية لإقليم برقة، واتهام طرابلس بالاستئثار بالسلطة والمناطق الحكومية، وهو ما يشبه المظلومية التي يحملها المكون الكردي في سوريا الذي تعرض لممارسات قمعية وعنصرية بالفعل من نظام الأسد وحزب البعث، واستفاد لاحقاً من الدعم الأميركي لمحاربة "داعش" من أجل بلورة تشكيل عسكري وإداري واضح شمال شرق سوريا.وتمتلك "قسد" علاقات مع إيران المتنفذة بالعراق، وتؤكد التقارير التركية المتواترة تلقي التنظيم لتسليح من الحرس الثوري الإيراني، ومؤخراً يدور الحديث عن دعم استخبارات وسياسي فرنسي لـ"قسد"، كما أن إسرائيل باتت تجاهر بعلاقتها مع التنظيم، وتسعى تل أبيب لاستغلال نفوذها لدى الولايات المتحدة لدفعها للإبقاء على قواتها، وبالتالي فإن خيارات "قسد" السياسية متعددة ولا تقتصر فقط على الغطاء الأميركي الذي بات محل شك بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.ثمة فارقاً جوهرياً بين شرق ليبيا وشمال شرق سوريا، وهو وجود مكونات عرقية متعددة شمال شرق سوريا، وحالة توجس كبيرة لدى المكون العربي من وحدات الحماية الكردية التي تستحوذ على قرار "قسد"، وهذا ما يجعل خيار انحسار سيطرة الوحدات أمراً محتملاً دائماً حتى وإن حافظت على بقائها بغطاء دولي، بحيث يقتصر وجودها على المناطق الكردية مثل بعض مناطق محافظة الحسكة.