2025- 01 - 27   |   بحث في الموقع  
logo ضغوط تطوّرات الجنوب ومطالب الكتل تدفع سلام لتجميد مشاوراته!.. عبدالكافي الصمد logo التحرير "باللحم الحيّ".. وحزب الله يعود إلى المعادلة الثلاثية logo تعاظم دور تركيا واستقواء إسرائيل: هل باتت المواجهة حتمية؟ logo الانقلاب على "الانقلاب": الزحف نحو الجنوب وفي شوارع بيروت logo الشرع يزور السعودية الأسبوع القادم.. ويلتقي قالن بدمشق logo استعصاء ملف قسد.. هل يتكرر السيناريو الليبي في سوريا؟ logo سوريا: مسح شامل للموظفين المسرحين قسرياً..لكن العودة ليست للجميع! logo عون يتابع اتصالاته وماكرون يطلب من نتنياهو الانسحاب
لا دَين لـ17 تشرين على عون أو سلام
2025-01-26 10:56:07


من الصعب ذكر عدد المرات التي اتصل فيها لقمان سليم (اغتيل في الرابع من شباط العام 2021) بأصدقائه في الإدارة الأميركية طالباً إليهم تخفيف ضغط الجيش اللبناني على المنتفضين في تحركات السابع عشر من تشرين الأول العام 2019. وفعلاً كانت قبضة الجيش تتحول إلى حماية المتظاهرين بعد اتصاله، لمدة ساعات، حتى يستيقظ أحدهم في عين التينة، أو ينتبه غافل في حارة حريك إلى تصاعد حركة الاحتجاجات واتساعها، فيتصل بقيادة الجيش لتستعيد القوات الميدانية سابق شدتها.الموقف من الانتفاضةقائد الجيش حينها جوزاف عون لم يكن ليرد طلباً لأي من الجهتين. الأميركيون، كما يعلم الجميع، استثمروا طويلاً في الجيش اللبناني، والثنائي أمل- حزب الله يملكان السلطة الفعلية وأشد المدافعين عن النظام السياسي (وقتها) بمواجهة مظاهرات واعتصامات لا تهدأ.
في كل خطب قائد الجيش لم يذكر كلمة ثورة او انتفاضة، بل تحدث بعد شهر واحد من اندلاع الانتفاضة، عن تظاهرات، وحق متظاهرين. ولكنه في المقابل لم يبد أي تعاطف مع الانتفاضة نفسها أو أي من شعاراتها. وانحصرت علاقته بالانتفاضة بتلقي زيارة مؤازرة من "بيروت مدينتي"، ما لبثت الجمعية ان أصدرت بياناً اعتذارياً ناسبة الزيارة لتصرف فردي.
على المقلب الآخر كان يقف نواف سلام، المتعاطف مع الانتفاضة من دون كثير كلام، وطُرِح اسمه حينها كرئيس حكومة، أحياناً مع الطلب بان تكون حكومة تكنوقراط وأحيانا لا. ولكن طبعاً كانت الانتفاضة أضعف من أن تأتي به أو بغيره لرئاسة الحكومة.احتضار الانتفاضةاليوم، ما تبقى من الانتفاضة من مجموعات سياسية، وما انخرط فيها من هيئات مجتمع مدني، تعتبر أن انتخاب قائد الجيش (نفسه الذي تولى قمع الانتفاضة) لمركز رئاسة الجمهورية هو انتصار لانتفاضة العام 2019، وأن جوزاف عون يحمل شعارات الانتفاضة نفسها، سيسعى لتطبيقها. ولا ينس هؤلاء أن يذكروا أن نواف سلام أيضاً هو رئيس الحكومة الذي طالبت به الانتفاضة في الشوارع وعلى أجهزة الإعلام. وهذه المجموعات والشخصيات تعتقد، لسبب غامض، أن ثنائي عون وسلام يمثلان تطلعات الشعب اللبناني في تغيير النظام وإزالة ما اصطلحوا على تسميته بمنظومة الحكم في البلاد.
وعلى الرغم من المبالغات التي تعتبر سلام رمزاً من رموز الانتفاضة، إلا أن الرجل لم يذكر الانتفاضة ولا المنتفضين في أي من كلماته التي تحدث بها بعد تكليفه برئاسة الحكومة. فمن أين تأتي الصفات الثورية التي تغدق على الرجلين؟
احتضرت الانتفاضة طويلاً، من يوم قرر الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله مواجهتها حين صرح "عم تدقوا رأسكم بالحيط"، إلى أن تخبطت بنفسها عاجزة عن مواجهة عنفه وعنف عناصر حركة أمل في الشارع. إلا أن تخبط الانتفاضة واحتضارها كان أيضاً نتيجة قصور كل الأطراف المشاركة فيها عن تكوين خطة سياسية وإقامة تحالف بينيّ، وصولاً إلى مراكمة ضغط الشارع ضد النظام السياسي (أو المنظومة) وإجبار هذا النظام على تقديم تنازلات.
شكلت الانتفاضة امل أكثر من نصف السكان (حسب إحصاء صدر حينها)، الذين تمسكوا بها بصفتها خشبة خلاص من جحيم نظام لصوص، يشترك فيه السياسيون وكبار أصحاب الأموال في نهب البلد كنموذج كليبتوقراطي (حكم العصابة) يدرس في المعاهد.اللعبة الانتخابيةبقيت هذه الانتفاضة محط آمال العديدين وصولاً للانتخابات النيابية للعام 2022، وعلى رغم قانون الانتخاب الهجين إلا أن كل الناشطين أسرعوا للمشاركة في الانتخابات معطين الشرعية للنظام- المنظومة. حينها كانت الضربة القاضية لآمال وطموحات الأغلبية، التي شاهدت ثلث المدينة يدمر في انفجار المرفأ، وعجزت الانتفاضة عن استعادة زخمها للدفاع عن العدالة، بل توجه ناشطوها نحو الدخول في لعبة انتخابية عصية على التحليل، أفرزت في النهاية أغلبية الأصوات للمنظومة، وأعطت هامشاً لممثلي الانتفاضة، وإن كان ممثلو الانتفاضة الواصلين إلى مجلس النواب يشكلون بذاتهم خيبة أمل للمنتفضين.
لم يأت جوزف عون ممثلا لانتفاضة تشرين بالطبع، ولا يستمد شرعيته من تحركات الشارع، بل أتى من رحم المنظومة نفسها، وإن كان تعبيراً عن أزمتها وعدم قدرتها على تجديد نفسها، أو مكافحة أمراضها. الرجل وصل إلى رئاسة الجمهورية أولاً لخواء الطبقة السياسية من أي مرشح جدي، وثانياً لطول باع علاقته بالإدارات الأميركية المتعاقبة، والموافقة الخليجية عليه، بصفته قادراً على تنفيذ مجموعة من البنود ما بعد حرب إسرائيل على لبنان، وقادر، أو بالحد الأدنى موافق، على محاولة تنفيذ سياسات اقتصادية إصلاحية، تسمح للبنان أن يشكل قاعدة خليجية بحال كان هناك إرادة دولية لإعادة إعمار سوريا (ولبنان ضمناً)، أو بالحد الأدنى ألّا يخرب عدم الاستقرار اللبناني محاولات إصلاح سوريا ما بعد الأسد.
فما الذي يدين به رئيس الجمهورية لانتفاضة السابع عشر من تشرين وجمهورها الذين هزموا مرتين، مرة من خارج الانتفاضة ومرة من داخلها؟ وبالمقابل كيف يمكنه التنكر لفضائل النظام الطائفي الذي خدمه طوال فترة عسكريته، حتى أوصله هذا النظام وتناقضاته إلى كرسي الرئاسة الأولى؟ أضف إلى النظام السياسي الطائفي الظروف الإقليمية والدولية التي دفعته بأقصى سرعة لاحتلال الكرسي قبل يوم العاشر من كانون الثاني، شاء من شاء وأبى من أبى؟رؤية سلاملا يمكن تجنب الإشادة بمسيرة نواف سلام المهنية وانحيازه لخياراته التي يقتنع بها، سواء أمثلها في الأمم المتحدة تعبيراً عن الموقف اللبناني، أم في محكمة العدل الدولية، أو في كتبه ومقالاته. ولكن هو الآخر لم يمثل انتفاضة تشرين، على الرغم من الفرحة العارمة التي أبداها ناشطو الانتفاضة، الذين لا يزالون يعتقدون أنهم يستمدون شرعيتهم في ممارسة الحياة السياسية، ويشكلون الجمعيات اعتماداً على انتفاضة مضى على نهايتها أكثر من ثلاثة أعوام.
سلام يدرك ولا شك بأن ما أتى لينفذه يتعلق بالتغيرات الحاصلة في المنطقة والعالم، وهو وإن قدم خطوطاً واضحة لرؤيته، إلا أنه استند إلى اتفاق الطائف، والذي لا يمكن تجاوزه حالياً، ولا أحد يملك الجرأة أصلاً على طرح تجاوزه. ولا يمكن تخيل العودة إلى نص الطائف من دون النظر إلى توازنات القوى المحلية، والتغيرات المحيطة بنا.
يكفي رئيس الجمهورية بضعة مما عاهد الناس عليه في خطاب القسم حتى يكون قد آتى بما لم تأت به الأوائل، ولا بما تخيله منتفضو 17 تشرين، ولكن من دون أن يسجل لهم أي فضل في انتخابه. والرجل عاهد بالكثير الكثير، ولا أحد يتوقع أن يطبق جل ما قاله وخطب به، ولا حتى نصفه ولا ربعه.
أما نواف سلام، فكان أكثر تحديداً ووضوحاً في خطاب التكليف، حين أعلن ما يشبه الخطة المبنية على تنفيذ بعض أهم أجزاء اتفاق الطائف، وإن بدأت بالتصدي لنتائج العدوان الإسرائيلي الأخير وإعادة الإعمار، وتنفيذ كل بنود القرار 1701، إلا انها تشمل بسط سلطة الدولة على كل البلاد وبرنامج متكامل لبناء اقتصاد حديث، وإدارة شفافة والقيام بإصلاحات سياسية، وتصحيح ما نفذ من بنود اتفاق الطائف بشكل ملتوٍ، من دون أن ينسى إنصاف ضحايا المرفأ والمودعين في المصارف.
لا يبدو أغلب ما سبق من نسيج سياسات انتفاضة تشرين، التي لم تتمكن من النهوض برؤية سياسية متجانسة، بل بقيت حتى لحظاتها الأخيرة تحمل مروحة من المطالب المتناقضة كتناقض أطرافها وناشطيها. ولا يبدو أن هناك ديناً يحمله أي من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة المكلف ليسددانه لاحقاً لانتفاضة تشرين أو أي من الجمعيات والشخصيات التي تستمد شرعيتها من ذكرى الانتفاضة، بل الأغلب الأعم أن تحصل كتلة نواب التغييريين على مقاعد وزارية بصفتها التمثيلية ووفق حجمها، وأن يرافق الصبر والسلوان باقي الناشطات والناشطين ممن يمنون النفس بالكثير ويقومون بالقليل القليل.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top