2025- 01 - 26   |   بحث في الموقع  
logo آخر تطورات وضع الجنوب بعد إنتهاء الهدنة.. المستجدات لحظة بلحظة logo الصمد: إمتزاج دماء الجيش مع الأهالي يؤكد ثلاثية الجيش والشّعب والمقاومة logo قبيسي: نحن خلف الجيش اللبناني وإلى جانبه logo ينال صلح: هذا اليوم الذي يذكرنا بعيد التحرير logo 19 بلدة جنوبيىة لا تزال تحت الاحتلال.. فما هي؟ logo وفد من “الجماعة الإسلامية” زار الجسر.. هذا ما تم بحثه logo صورة الشهيد السيد “نصرالله” ترفع في بعلبك.. ما القصة؟ logo حراك المعلمين المتعاقدين ولجنة متعاقدي الأساسي: لإعتبار نهار “26 كانون الثاني” عيدًا وطنيًا
فلسطين في محنتها الثورية
2025-01-25 11:56:09

ما إن أعلن نبأ الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، حتى سارع أبناء غزّة النازحون إلى إشهار فرحهم الذي حمل معاني دهشة البقاء على قيد الوجود الحيّ.
وما إن سرى حُكْمُ وقف إطلاق النار، حتى احتل المقاتلون المشهد الإعلامي، فظهروا بملابسهم القتالية "الأنيقة"، وأصواتهم وأصابعهم، التي اجتمعت على إعلان الانتصار.
كان الغزّاويون موجودين، لكنهم كانوا منقوصي الحياة. لقد أخذت الأهوال من حياتهم مقوّماتها، فأحالتهم إلى أحياء "بالقوة"، فانتظروا، وانتظر الخائفون معهم لحظة انبثاقهم أحياء "بالفعل"، مع جبالٍ من الخوف، ومع سحائب من آمال. رهان البقاء كان رهان من نجا. البقاء على أيّة صورة افتراضية، وعلى أي بصيص ضوء، لتكون لهم سانحة ضوء تعود فتكذّب كل الظنون. مفارقة لم تحجبها الصورة. كان المقاتلون أحياء، وشهادة حياتهم تلاوة "فاتحة النصر" على الوجوه الطالعة من الحطام.
مفارقة لم تحجبها اللغة، تحدث المقاتلون "بسياسة" جهورية، وبخطب حماسية، وباستعداد حازم للإمساك بزمام الأمور.
وجه المفارقة والمفارقة، عَلَتْهُ سكينةٌ ناطقة بانَتْ في العينين وفي الشفتين، فكان النطق مضبوطاً على هدأة السكينة، وكان الكَلِمُ مقروناً بخشية انقطاع عزيز الآمال.انقشاع المشهد عن غزّتينليس بسيطاً انقشاع ليل المشهد الدامي عن غزّتين: غزّة التي خَرَجَتْ سالمة، من ضجيج قتلها إلى نسيج لملمة حطام مأساتها، وغزّة التي خرجت هازجة، من دويّ القتال إلى استعجال جمع "الغلال". وبين غزّة الصابرة، وغزّة الظافرة، يسيل حديث طويل، عن محنةٍ فلسطينية لم تحطّ الرحال، ويسيل حديث طويل، عن ماضٍ ثوريّ لا يصير ماضياً. لماذا؟ لأن حجّة الفلسطيني تاريخيته، ولأن البصيرة توقفت عند التاريخية، فلم تتقدم إلى معاينة حراكها، ولأن القراءة الفلسطينية رسبت في امتحان الوصول إلى صياغة خلاصات "التغريبة" الشعبية، ففضلت البقاء عند فصل ليلة القبض على "عنترة بن شداد"، ولم تكمل للساهرين فصل استعادة الأسير حريته.
غزّة اليوم غزّتان، ذلك هو الواقع الذي يعاند المكابرة. فلسطين اليوم، "فلسطينان"، ذلك هو المشهد الذي لا ينال من وضوح التعامي عنه، أو تجاهل حقيقته. الانقسام اليوم جَليٌّ، بين منطق المراكمة الشعبية الهادئة، على عُسْر، وبين منطقة القفزة "الثورية" التي حملت أصحابها إلى مغامرة المراكمة على رمال.
عرف الشتاتُ الفلسطيني اقتسام اللغة النضالية، وعاش انقسامها، رافقت المعرفة الاقتسامية والانقسامية رحلة الفلسطيني إلى أرضه، فبرزت في الخلاف السياسي حول اتفاق أوسلو، في مقدماته وفي ملاحق تنفيذه، ثم تطورت المعرفة تلك، لتصير صراعاً على الإمرة الفلسطينية، في حاضرها في الداخل، وفي المستقبل الذي ينتظرها في ساحة انتمائها الأصلية. اللغة السجالية، التي تتوسّل البيان والتبيين، صارت لغة صراعية، توسّلت السلاح القتالي، فأحدثت شرخاً شعبيّاً وجغرافيّاً بين "جموع" القضية الواحدة، تعريفاً، لكنّها لم تكن واحدة في تعريف قضايا دولتها الموعودة، ولا في شرح خلاصة ثورتها الماضية، ولا في تصوّر وسائل وأساليب إدارة صراعها الوجودي المستدام، بعد أن باتت فوق أرضها وبين فئات شعبها، الموزّع بين فلسطين المحتلة، وفلسطين الموعودة بالاستقلال.
في شرح البيان السياسي الواضح، كان الانشقاق في غزّة سنة 2007، خسارة سياسية جسيمة للبنيان الفلسطيني الذي كان يتلمّس طرق استقراره، في وطن، وتحت ظلال علمٍ، وفي مدى صدى نشيد.
الانشقاق الأول، أسّسَ لانشقاقات متوالية، في الإدارة الكفاحية، وفي الاستقلال بإعلان الحرب والخصومة والتحالف، مما أربك الأداء الفلسطيني الكُلّي أولاً، وممّا أسّس لتسهيل التهام العدو لبنود اتفاق أوسلو ثانياً، بسبب من توزّع مراكز القرار الفلسطيني، وبسبب من الصراع على الاستحواذ بهذا القرار. ماذا كانت النتيجة؟ الجواب يجد تبيانه في النكبة التي انكشفت عنها معركة "طوفان الأقصى" الأخيرة، وفي احتمال النكبة التي قد ينكشف عنها العدوان الذي تحركت آلته ضد الضفة الغربية المحتلة، انطلاقاً من مدينة جنين، وصوب وجهة معلومة، يحتفظ العدو لأركان حربه، بتعيين نقطة استراحتها الأخيرة.
جمع الحاضر والماضي في حزمة قول واحدة، هدفه استعادة السجال الحامي الحالي، إلى جادة حقيقته التي كانت منه، وانتزاعه من متن الخطاب المفارق، الذي أُخِذ إليه. من بيان الحقيقة، وفي سياق تبيانها، إظهار الأصل البدئي، النظري والسياسي، للكلام الذي يصدر تباعاً عن الفصائل المقاتلة في غزّة، وإيضاح المرامي الأولى التي كانت وراء "الثورية" الإسلامية الجديدة، والمرامي الأصلية التي كانت وراء داعمي هذه المقاومة، في فلسطين وفي خارجها. الوضوح شرط استقامة النقاش بشقيه، الإيجابي والسلبي، أي في مقام الاتفاق وفي مقام الاختلاف.التقدير الخاطئعلى جادة الوضوح، لا يفيد النقاش الفلسطيني، الغزاوي، وغير الغزاوي، التذكير بعدوانية إسرائيل، ولا تفيد استعادة الأطماع الصهيونية، ولا تعين المؤامرة الامبريالية صواب المستعين بها اليوم. كل الخطاب المؤامراتي بات مدعاة لإدارة الظهر، هذا ليبقى السؤال: لماذا تنجح المؤامرة ضدنا، ما دمنا على علم مسبقٍ بها؟ ولماذا لا نعدّ العدّة لمواجهة هذه المؤامرة، إن استطعنا؟ أو لاجتنابها والنجاة بالنفس وبالأرض و"العرض"، من الوقوع في مرمى أفعالها؟ في ذات السياق، المُنَحّى من النقاش، يجب الجهر بعدم الأخذ بما ساقته فصائل غزّة من أسباب، استباقية وغير استباقية، لتبرير هجومها "الأوكتوبري" الشهير، ويجب رفض مقولة "لو كنت أعلم"، ويجب تبيان التقدير الخاطئ للموقف الميداني، لردود الفعل الإسرائيلية، والدولية، ذلك أن التدقيق السياسي المسؤول، كان مقدّراً له أن يُجنّب غزّة أهوال المقتلة التي نزلت بها.
بناءً عليه، من "المنطقي" القول، إن التقدير الخاطئ، والكارثة التي ترتبت عليه، لا تسمح لأحد من الفصائل بإعلان الانتصار، بل إن البيان الوحيد الذي يجب أن يطلّ به المسؤولون عن شعبهم، على شعبهم، هو بيان الاعتذار. استطراداً، ليس من حصافة المسؤولية، ولا من عقلانيتها، استخراج نصر ذاتي من قائمة أهداف أعلنها العدو، ثم فشل في تحقيقها.
لنا أن نسجّل رأياً في ذلك، فنقول، أن حال العدو في رفع سقوف أهدافه، هو مثل حال الفصائل في تقدير ارتفاع سقوف أفعالها. الحالتان كان نصيبهما الفشل، لكن البون بين الفشلين، هو هذا الدمار الهائل الذي بعثر غزّة، بشراً وحجراً، في الوقت الذي اقتصرت أضرار العدو على ما لا يذكر قياساً إلى ما أنزله بغزّة العدوان. هذا هو الفيصل بين حصيلة وحصيلة، وهذا هو الخيط الناظم الذي يدل على الانتصار أو على الانكسار... فإذا ما أراد المتمترسون خلف اللفظ استعارة موجزة، فليعلنوا نصراً مكسوراً، أو نصراً سلبيّاً، أو نصراً فاشلاً، أو نصراً منقوصاً.
ولا يكتمل السجال إلاّ بإضافة هامّة، تذكّر بأن تمدّد الفشل من غزّة إلى الضفة، له دلالة وحيدة، هي دلالة اللامسؤولية الوطنية، عن المصالح الحقيقية لشعب فلسطين. استدراج الخسارة من أرض إلى أرض، سيدفع ثمنها الكارثي أبناء الأرض. يتردد القول عن خطر التهجير، والترحيل، والضم والفرز، فيكون الجواب اللامسؤول، تصعيد القتال في الضفة، بعد أن خبا أواره في غزّة، وبعد أن بانت لا جدواه، مثلما "تبيّن الرُشد.."... فليكن السؤال سؤال رُشْد العقل الفلسطيني، قبل أن يكون عن ترشيده واسترشاده وردّه إلى جادة الصواب.
هل لنا أن نفصل بين القتال الحالي وما انتهى إليه، وبين مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ يجب ذلك.
هل نعلن فشل هذه النسخة "الثورية" التي انتهت إلى ما "علمنا وما ذقنا"؟ الجواب بالإيجاب. هل نعلن استمرار الصراع من أجل انتزاع الحقوق الدنيا للشعب الفلسطيني في أرضه وفي تعريفه وفي استقلال شخصيته المادية والمعنويّة؟ هو الأمر المطلوب.
كيف يستمر ذلك الصراع؟ ما وسائله؟ ما قواه؟ هذا سؤال الأجيال القادمة، بعد تقادم من سبق من أجيال.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top