بعد مَعارض عديدة نظمتها "أجيال للفنون التشكيلية" للفنان، يعود إلينا مازن الرفاعي في جديده، في صالات الغاليري (الحمرا، شارع عبد العزيز)، بمعرض تحت عنوان “Amorous Colors” (الألوان العاشقة)، الذي يأتي بعد فترة ليست بطويلة، نسبياً، من معرضه السابق. هذا الأمر، إن دلّ على شيء، فعلى أن الرفاعي يغتنم ما يتوفر له من وقت، أو يعمل جاهداً على إفراد مساحة زمنية للعمل الجاد، من أجل متابعة رحلتة الفنية التي بدأها منذ عقود، وذلك في هذا الزمن الذي أطفأ حماسة الكثيرين، نظراً لمشكلاته وتعقيداته.
الناظر إلى أعمال مازن الرفاعي، وخصوصاً في حال كونه من أولئك الذين تجمعهم علاقة وثيقة بالفن التشكيلي، سيدرك أن "الحديث" يدور حول المشهد الطبيعي. هذا، مع العلم أننا لسنا في صدد مشهد كلاسيكي كنا عرفناه خلال حقبات فنية ماضية، مختلفة في تاريخها وأساليبها، قد يبحث البعض عن مظاهره في الأعمال المعروضة. علاقة الفنان بالمشهد المذكور تعود إلى فترة بعيدة، كان اختبر خلالها أساليب وتقنيات متنوّعة، لكن معالجة للتيمة كانت في تطوّر مستمر، علماً أن هذا التطوّر لا يمكن النظر إليه إلاّ من زاوية معينة، تأخذ في الإعتبار ما يجري، في مواقع كثيرة من إرهاصات الفن المعاصر. فقد أصبح من الطبيعي التخلّي عن الحلول التقليدية، والولوج إلى الموضوع من موقع ذاتي، وهو ما يعتبر أمراً شبه بديهي في الحقبة الفنية الراهنة.إن ما يريد الرفاعي تبيانه هو أن المعاينة الخارجية للموضوع شيء، والعمل الفني شيء آخر. فلنتذكّر، هنا، الإتهام الذي وُجه للإنطباعيين، منذ 150 عاماً، حول مسألة تزوير الواقع، وقد كان حينها تزويراً بسيطاً قياساً بما ستحمله الإتجاهات الفنية اللاحقة. في هذا المجال، يقول: "لقد أصبحت لدي قناعة بأن الحدث الإبداعي هو حدث داخلي، ولا علاقة له بالمشاهدة". لم ينفِ الفنان الواقع في شكل نهائي وصارم، إذ لم يصبح هذا الواقع لديه آلة، أو "كركبة" ما، أو مجموعة من الأشياء، بعضها مفهوم، وبعضها الآخر غامض، كما تنص عليه بعض إتجاهات ما بعد الحداثة (مع احترامنا لبعض تجلياتها). هذا الواقع، الذي بقي في ذاكرة العين المتطوّرة لدى الفنّان، والغائبة لدى الكثيرين، أو المغيّبة تبعاً للإهتمامات، "تحوّل شكلاً ولوناً، وسفراً نحو المجهول، مع احتمال التأويل"، كما يقول، وذلك بحسب مشيئة المتلقين واجتهاداتهم.المشهد التجريدي في لوحة الرفاعي صار عبارة عن مساحات لونية تتوضب بمهارة ضمن مساحة القماش، مستندة إلى معرفة بكيفية توظيفها (أي المساحات) بحيث تنتج كلاً متماسكاً. لا تفاصيل ظاهرة ضمن كل مساحة – بقعة لونية، وإن وُجدت فهي لا تخرج عن إطار هوية اللون الواحد، وتعمل على إثرائه، كما يمكن أن نلحظه، في الواقع، من تباين في اللون الواحد ضمن حقل بحسب حركة الهواء والضوء. لكن، من ناحية أخرى، لا بد من الأخذ بذاك الإنطباع السائد، وهو أن المساحة اللونية صافية إلى حد بعيد، وواضحة الحدود في علاقتها مع ما يجاورها من مساحات.
اللون أساس في ما نتحدّث عنه لدى الرفاعي، من دون صرف النظر عن الأهمية التي يكتسبها بناء اللوحة. هذا الأمر كان تحدّث عنه الفنان ألماني المنشأ، والمهاجر إلى أميركا هرباً من بطش النازية، جوزف ألبرس (1888- 1976)، الذي اعتبر اللون ليس متمماً للشكل بل "وسيلة التعبير الأساسية في اللغة التصويرية"، مطالباً باستقلاليته ، ومدافعاً عما يتضمّنه من "أثر نفساني"، أو ما يمثله من "تجربة جمالية يوحي بها تفاعل الألوان المتقابلة". لقد كان للهندسة مكانة بارزة في أعمال ألبرس، كما في أعمال الفنان الأميركي إلسورث كيلي، في حين تخطّاها، إلى حد ما، الفرنسي نيكولا دي ستيل.ما من شك في أن أعمال مازن الرفاعي كانت تأثرت، إلى حد ما، بنتاج الفنانين المذكورين. هذا الأمر مشروع تماماً في الفن التشكيلي، فالتجربة الفردية لدى الكثيرين تعمل على الإستفادة من خبرات الأسلاف، لكنها تصوغ أفكارها النظرية وممارساتها العملية بحسب ما يتناسب مع واقع ومشهد مختلفين، وتضفي شخصيتها على ما نتتجه. تلك هي حال مازن في أعماله الأخيرة، التي أضافت إلى البعد النظري منحى تطبيقياً يقوم على البحث في كيفية استغلال حيثيات اللون، وتقميش المساحة التي يرتاح عليها، ضمن تقنية عمل عليها منذ سنوات بلا كلل.إلى ذلك، فإن المعرض يضم مجموعة من أعمال الـTapestry (البساط) وهو المصنوع حرفياً في منطقة البقاع (عرسال). وإذا كان البساط، في مفهومه المعروف، ذا حجم ومساحة يتناسبان مع وظيفته البيتية التراثية، فإن البساط، لدى مازن الرفاعي، تحوّل قطعةً فنية تعتمد المدخل اللوني نفسه كما اللوحة، قدر الإمكان، ما يمكن أن تضفيه الخيوط المنسوجة من بعد جمالي، ضمن نظام تمثل الأناقة إحدى أبرز صفاته.