داخل منزله المتضرّر في بلدة مجدل سلم، المحاذية للقرى الأمامية، يقيم أحمد مع أفراد عائلته الخمسة، بلا عمل. فهو صاحب دكان صغير لحقه الدمار والخراب. وكل ما عليه هو الانتظار، لوصول لجان الكشف على الأضرار. وبعدها ينتظر التعويض الذي قد يطول أسابيع جديدة. وهو يعلم أن "ما قد يحصل عليه لن يعوّض الضرر الذي لحق به، ولا شيء يشي بأن هناك من سيتولى التعويض عن كل الخسائر المتعلقة بتعطله عن العمل وكلفة التهجير الكبيرة التي جعلته ينفق كل ما استطاع إدخاره في سنوات سابقة"، كما يقول لـ"المدن".
ويلفت أحمد إلى أن "كلفة تهجيره مع أسرته لمدة شهرين زادت عن 5000 آلاف دولار، بسبب الإيجارات المرتفعة والحاجات الأساسية التي اضطرّ إلى شرائها. يضاف إليها الخسارة الناجمة عن التوقف عن العمل، والتي لا تقل عن ألفي دولار. أما كلفة البضاعة التي أتلفت داخل محله المهدم فتزيد على 7000 دولار. لكن العودة إلى المنزل المتضرّر أفضل من عدم العودة"، كما قال.مقارنة مع حرب تموزسكان القرى المحاذية للقرى الحدودية يقارنون بين ما جرى بعد حرب تموز 2006 وما يجري اليوم، في ما يتعلق بطريقة الكشف على الأضرار ومقدار التعويضات. يشيرون إلى أنه بعيد حرب تموز أرسل حزب الله أكثر من فرقة إلى كل بلدة لحقها الضرر من الحرب. كانوا يتوزعون على الأحياء. يدونون ما يرونه وما لا يرونه من أضرار. كانوا يقولون إنهم سيعوضون أكثر بكثير مما ينتظره السكان. وقد حصل ذلك فعلاً. حتى أنه خلال أيام قليلة من توقف العدوان بدأت التعويضات.لكن ما يحصل اليوم هو أن لجان الكشف قليلة العدد، وبطيئة أيضاً. فهي تدخل إلى المنزل وتبقى فيه ساعة أو أكثر. ما يدفع السكان إلى التشكيك بأن المبالغ المتوفرة للتعويض ليست وفيرة. وهذا يعني أن التعويضات لن تشمل كل الخسائر. كما أن لجان الكشف تحصي الأضرار اللاحقة بالأبنية فقط. فيما السكان ينتظرون إعادة الإعمار.هذا على مستوى الكشف الذي يجريه حزب الله، أما بالنسبة لمجلس الجنوب، وهي الجهة الرسمية المخولة الكشف على الأضرار، فان موظفاً واحد يجول في كل بلدة. يدوّن بسرعة ما يمكن أن يرضي المتضرّرين. وعندما يستفسرون منه، يؤكد لهم أن جهة ثانية ستعود للتدقيق. أما حجم الأموال فلم يقرّر بعد. ولا أحد يجيب على السؤال الأهم للناس، وهو ماذا سيفعل أصحاب المنازل المتضررة أو المهدمة خلال هذه الفترة الطويلة، وكيف سيبنون أو يرممون منازلهم وكيف سيأمنون قوتهم اليومي.ترميم المنازل بالمستطاعبعد خمسين يوماً على وقف اطلاق النار لم تستطع هذه اللّجان الانتهاء من عملية الكشف على الأضرار في جميع البلدات الجنوبية، التي لم تعد معرّضة للاعتداءات. كل ذلك والناس مشغولة في ترميم ما يمكن ترميمه، كلّ بحسب إمكاناته. ففي بلدة صفد البطيخ لجأ المقاول أحمد زين الدين إلى البدء بإعادة بناء مجمّع تجاري وسكني تهدم خلال الحرب. فهو قادر على ذلك، ولن ينتظر التعويضات، لأن ذلك سيعرضه لخسارة أكبر، كونه سيستفيد من إيجارات المحال والشقق السكنية لو تمكن خلال أشهر من اعادة البناء.أما حسن حرز في بلدة شقرا، الذي فقد بضاعة محلّه التجاري الصغير، فهو ينتظر الحصول على أي تعويض لإعادة فتح مصدر رزقه الوحيد. ويلفت إلى أن "الكشف على أضرار المؤسسات التجارية قد لا يحصل خلال الأشهر المقبلة. لذلك فأنا مضطر للعمل في أي مهنة ومنها تقديم الخدمات في مجالس العزاء".
البعض اضطر للاستدانة لتصليح الأضرار الممكنة للتمكن من السكن. أما أغلب الأهالي فقد ابتكروا وسائل مؤقتة لمنع دخول الأمطار والهواء البارد إلى منازلهم، مثل لصق النايلون محل الزجاج المكسر. لكن الذين تعرّضت منازلهم لأضرار كبيرة غير قادرين على البدء بأي عملية ترميم قبل التعويض.
حسن عليان، واحد من هؤلاء، فمنزله يصعب ترميمه، وقد يحتاج إلى الهدم ومن ثم إعادة البناء. لكن تحديد ذلك يحتاج إلى لجنة هندسية متخصّصة لا يعرف متى تأتي. وهو اليوم لم يحصل كغيره على بدل إيواء، بل يتكبد بدل إيجار المنزل الذي يسكنه من جيبه. علماً أنه فقير الحال وغير قادر على العمل.لا معلومات عن تعويض خسائر المصالحعلى الشارع العام لبلدة شقرا في قضاء بنت جبيل، لم يجد ناصر بديلاً عن استخدام سيارته لعرض ما تيسر من المواد الغذائية، أمام محلّه المهدّم محاولاً التغلب على المأساة التي حلت به.كان ناصر يملك دكاناً كبيراً للمواد الغذائية والأدوات المنزلية، طوّره كثيراً خلال السنوات العشر الماضية، بعد أن عاد إلى بلدته من مكان نزوحه الأول في الضاحية الجنوبية. لقد استطاع ناصر أن يطوّر مؤسسته الجديدة التي باتت تدرّ عليه أرباحاً مقبولة، وفضّل أن ينفق هذه الأرباح على تطوير المؤسسة. لكن بعد الحرب الأخيرة عاد ووجد مؤسسته حطاماً، بسبب غارة على المبنى.سمع ناصر أن عملية الكشف على أضرار المؤسسات التجارية قد تستغرق وقتاً طويلاً، على الأقل إلى حين الانتهاء من دفع التعويضات عن المنازل المتضررة. وثمة شكوك بأن لا مجلس الجنوب ولا حزب الله سيعوضان عن المؤسسات التجارية، بخلاف ما حصل بعد حرب تموز. وهذا يعني أنه لن يتمكّن، مثله مثل أقرانه، من مزاولة عمله السابق، الذي يحاتج إلى عشرات السنين من التعب وجمع المال.غياب الدولة وامتعاض السكانشعر سكان تلك القرى أنهم متروكون لقدرهم. باتوا قلقين على مصيرهم في ظل تضارب الشائعات عن عدم توفر التمويل لإعادة الإعمار. ويؤكد أحد المهندسين المشاركين في عمليات الكشف على الأضرار أن ما هو حاصل قد يكون مقدمة لمشكلات كبيرة، فالأهالي صبروا كثيراً. وهم لم يشعروا على الاطلاق بوجود أي جهة رسمية تواكب مأساتهم، منذ لحظة النزوح وحتى اليوم. ليس هذا فحسب، بل أن موظفي مجلس الجنوب يأتون للكشف برفقة ممثلين عن حزب الله وحركة أمل. ما يعني أن الدولة غائبة بالكامل. وهذا بمثابة تأكيد لهم أن المرجعية الوحيدة لتأمين الحقوق أو جزء منها، هي حزب الله وحركة أمل. لكن وسط شكوك بأن القدرات المالية الظاهرة حتى الأن قد لا تكفي لعودة الأهالي إلى بيوتهم. أما المشكلة الأكبر فتكمن عندما تنسحب إسرائيل كلياً من القرى الأمامية. فهذه القرى مدمرة بالكامل تقريباً. وحجم الدمار فيها لا يقارن بباقي المناطق. فهل سيتم اتباع الطريقة عينها في عمليات الكشف والتعويض؟