عندما كُلّف القاضي نوّاف سلام في 13 كانون الثاني الجاري تأليف الحكومة، سارع كثيرون من مؤيّدي وصوله إلى الرئاسة الثالثة إلى توقّع إنجاز الرئيس المُكلّف حكومته في غضون 10 أيّام، وأن تنال ثقة مجلس النوّاب قبل نهاية الشّهر الجاري، على أنْ تباشر عملها والمهام الموكلة بها والمطلوبة منها على الفور.
لكنّ الأيّام العشرة إنقضت من غير أنْ تبصر حكومة سلام النّور، لا بل إنّ تصريحه الذي أدلى به بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون في 20 الجاري، لإطلاعه على ما آلت إليه جهوده بتأليف الحكومة، كشف أنّه ما يزال يراوح مكانه، نظراً لعقبات عدّة وعراقيل ومطالب أخّرت عملية التأليف، وأظهر أنّ “شياطين” كثيرة تكمن في تفاصيل عملية التأليف تحتاج إلى جهود إستثنائية للتغلّب عليها.
أبرز العقبات التي واجهت سلام تمثلت في قدرته على تلبية مطالب الثنائي الشّيعي (حزب الله وحركة أمل) وعلى رأسها الحصول على وزارة المالية وأنْ يُسمّي الثنائي وزراءه في الحكومة، وهي مطالب شاع أنّ سلام إستجاب لها، برغم أنّه حاول بعد لقائه رئيس الجمهورية الإيحاء أنّه تملّص منها.
في هذه الأثناء كانت عقبات عدّة تبرز تباعاً. فالثنائي المسيحي (القوّات اللبنانية والتيّار الوطني الحرّ) كانا يحاولان، كلّ على طريقته وإنطلاقاً من الواقع السّياسي الجديد الذي دخل إليه لبنان بعد انتخاب عون رئيساً، في 9 كانون الثاني الجاري، الوصول إلى ما أمكنهما من مطالبهما. القوّات الحصول على العدد الأكبر من الحقائب الوزارية العائدة للمسيحيين كونها تملك الكتلة النيابيّة الأكبر مسيحياً، والتيّار محاولاً البقاء داخل السّلطة لأنّ الخروج منها مُكلف جداً، ولو بعدد أقلّ ممّا كان يهيمن عليه سابقاً في عهد الرئيس السّابق ميشال عون، وهذه المرّة بلا دعم حليفه الرئيسي سابقاً، ألا وهو حزب الله.
الكتل النيابية السنّية أبدت في الموازاة إحتجاجاً على طريقة إدارة سلام عملية تأليف الحكومة بما يتعلق بالتمثيل السنّي داخلها. فهو أهملها إلى درجة أنّه لم يتواصل مع أيّ منها منذ إستشارات التأليف غير الملزمة، في 15 و16 الجاري، ما دفع بعض الكتل وأعضائها للتعبير عن استيائه. أحد هؤلاء النائب وليد البعريني عضو كتلة الإعتدال الوطني الذي دعا سلام أنْ تتمثل الكتل في حكومته بالتساوي، وإلّا إذا حصل أيّ غبن أو إجحاف فإنّه وغيره من داخل التكتل وخارجه لن يمنحون الحكومة الثقة.
أمام هذا الواقع ـ المأزق سعى سلام إلى نسف جهود التأليف التي رافقته منذ تكليفه، متحدثاً في تصريحه من قصر بعبدا عن “أسلوب جديد في العمل” بما يتعلق بتأليف الحكومة، أيّ تغيير “النهج” المتبع في تأليف الحكومات منذ اتفاق الطائف ومن بعده إتفاق الدوحة، أيّ المحاصصة وفق خريطة القوى السّياسية في مجلس النوّاب، وهو “تغيير” و”نهج” يدرك سلام وأغلب الطبقة السّياسية أنّه يحتاج إلى تعديلات جذرية على الدستور، وإلى مسار سياسي زمني طويل، وليس بكبسة زرّ.
خلال الأيّام العشرة الماضية منذ تكليفه، وجد سلام نفسه يسير وحيداً وسط حقل ألغام السياسة الداخلية اللبنانية، ما دفع الخارج الذي دعم تكليفه إلى التدخّل لمساعدته بتجاوز عقبات التأليف، والعراقيل التي تعترضه.
هذا التدخّل تمثل في مشهدين: الأول إجتماع لجنة السفراء الخمسة المعنية بملف لبنان في اليوم ذاته الذي التقى فيه سلام رئيس الجمهورية، وقد عبّر السّفير المصري علاء موسى باسمهم دعمهم سلام في أن “يأخذ وقته في تشكيل حكومة متجانسة تترجم خطاب قسم الرئيس عون”.
أمّا المشهد الثاني فتُرجم أمس في زيارة وزير الخارجية السّعودي فيصل بن فرحان إلى لبنان، في أوّل زيارة سعودية بهذا المستوى إلى لبنان منذ 15 عاماً، وهو قال كلاماً واضحا بهذا السّياق، عندما أكّد بعد لقائه عون أنّ المملكة “ستتابع مسيرة لبنان الجديدة خطوة بخطوة، وستعمل مع شركائها في هذا الإتجاه”، ومتمنياً بعد لقائه سلام على اللبنانيين “تغليب المصلحة العليا على المصالح الضيّقة، والسير في الإصلاحات الضرورية”.
فهل سينتج هذا التدخّل والدعم الخارجي للرئيس المُكلّف “حبل نجاة” له لكي تبصر تشكيلته الحكومية النّور، وعلى أيّ أساس، ووفق أيّ معايير سياسبة وتمثيلية؟ الأيّام المقبلة كفيلة وحدها بالإجابة.
The post الخارج يتدخّل لإزالة “الألغام” من أمام حكومة نوّاف سلام؟!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .