قالت مصادر من داخل مخيم جنين، لـ"المدن"، إن عملية قوات الاحتلال الواسعة المسماة "السور الحديدي"، والتي بدأت الثلاثاء، كانت أكثر هدوءاً في يومها الثاني مقارنة بسابقه، من حيث زخم الاشتباكات وعدد الشهداء والجرحى. لكنها أوضحت، في المقابل، أن قوات الاحتلال، تطوق مخيم جنين والمستشفى الحكومي في المدينة، وسمحت للسكان المحاصرين بالخروج بشرط تفتيشهم بشكل دقيق، لاعتقال "المطلوبين".
وأكدت المصادر أنّ العدد الكبير من الشهداء والجرحى، في اليوم الأول للعملية، سببه استهداف قناصة الاحتلال لكل من حاول الخروج من المخيم في الساعات الأولى لإطلاق العملية المفاجئة.
ووفقاً للمصادر، فإن بعض أفراد "كتيبة جنين"، تمكنوا من الخروج من المخيم، فيما بقي آخرون داخله.. موضحةً أن منهجية الكتيبة، هي عدم تموضع أفرادها في مكان واحد لحظة الاجتياح، وإنما التفرّق في نطاق جغرافي أوسع.
وأشارت إلى أنّ المقاومة في جنين، تعتمد تقليدياً على تكتيك العبوات الناسفة في مواجهة الاقتحامات، لكن الاحتلال حاول مواجهتها بإطلاق الرصاص جواً وبراً، تجاه العبوات الناسفة المزروعة في الشوارع والأزقة، بهدف تفجيرها قبل مرور الآليات العسكرية الإسرائيلية عليها.
العملية أكثر من عسكرية
بدوره، قال الصحافي طارق سويطات من جنين لـ"المدن"، إن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يستدعي المزيد من القوات والجرافات والآليات، على نحو أكبر من العمليات السابقة، لافتاً إلى أن طائرات الاستطلاع، لا تفارق سماء جنين منذ نحو 40 يوماً، أي قبل تنفيذ عملية "السور الحديدي" بأسابيع.
وأشار سويطات إلى أن الاحتلال، أراد تنفيذ حملته العسكرية الأوسع في جنين بمشهدية دلّت على أنها عملية سياسية أولاً وأخيراً، موضحاً أن عدد المقاومين في جنين، وإمكاناتهم المتواضعة، لا تستدعي كل هذا العدد من القوات والآليات. وقال إن الاحتلال، استخدم في عمليته الحالية، وللمرة الأولى، اللباس الأبيض للمعتقلين في جنين ومخيمها، أي اللباس نفسه، الذي استخدمه لمعتقلي غزة خلال حرب الإبادة، في إشارة إلى أن الضفة تواجه حرباً الآن.
ويبدو أن تل أبيب، أرادت من خلال العملية ومشهدية التنفيذ، أن تحوّل تعاملها الأمني مع الضفة من منطق الاقتحامات والاحتواء، إلى حرب تهدف إلى حسم أمر الضفة بموجب مخطط اليمين الإسرائيلي المتطرف. ويدلّ على ذلك، تعهّد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بتغيير مفهوم الأمن في الضفة، ما يعني أن عملية جنين لن تنتهي عندها، وستتدحرج لتشمل جميع مناطق الضفة، ولكن على قاعدة تخصيص صيغة أمنية لكل محافظة فلسطينية، وجعلها تواجه مصيرها وحدها.
مدة العملية الإسرائيلية؟
وفي حين، قدرت بعض وسائل الإعلام العبرية، أن عملية جنين ستستغرق أياماً، تحدث بعض المراسلين العسكريين عن أشهر، ويبدو أن المقصود هو أن حملة "السور الحديدي" عبارة عن مجموعة من العمليات المتلاحقة والمكثفة على مدى طويل، وبنطاق جغرافي أشمل من جنين، ذلك أنه جرت العادة أن تطلق إسرائيل هذه التسميات على حملاتها العسكرية الكبيرة والطويلة، فمثلاً أطلقت على اجتياح الضفة الغربية عام 2002 اسم "السور الواقي"، وعلى حرب غزة الأخيرة "السيوف الحديدية".
السلطة علمت مسبقاً؟
في غضون ذلك، كشف مسؤول من السلطة الفلسطينية لـ"المدن" أن السلطة كانت لديها معطيات مسبقة عن نية إسرائيلية بشن عملية كبيرة في جنين وعموم الضفة، مدعياً أن السلطة حاولت منعها من خلال حملتها الأمنية على جنين التي استمرت لشهرٍ ونصف، لقطع الطريق على مخطط إسرائيلي كبير، عبر القول إن أجهزتها الأمنية "تقوم بمهمتها، ولا مبررا إسرائيلياً لشن الحملة العسكرية". وأضاف المسؤول الفلسطيني، أن حكومة اليمين رفضت كل الجهود الإقليمية والدولية لمنع العملية، واستغلت عملية "الفندق" قرب قلقيلية أخيراً، لشنّ العملية بعد تأجيل لأسابيع.
ووفقاً للمسؤول نفسه، فإن القيادة الفلسطينية تقدّر أن القادم على الضفة "أسوأ" مما سبق، مضيفاً أن السلطة عاجزة عن مواجهة مخطط يميني إسرائيلي يحاك للضفة، يتضمن ضرب رأس السلطة وجعلها مجرد "مركز شرطة" في المدن والبلدات الفلسطينية لا أكثر.
خطة جنين.. أُنجزت قبل أسابيع!
والحال أن المراسل العسكري لهيئة البث الإسرائيلية، أكد في إفادته التلفزيونية، بأن عملية "السور الحديدي"، تم إعدادها منذ أسابيع طويلة، لكن تنفيذها تأجل إلى هذا الوقت، لاعتبارات عدة، أبرزها الزعم بتوفر معلومات عن "نوايا من حركة حماس والجهاد الإسلامي، تنفيذ عمليات وتفجير الضفة الغربية بإيعاز من إيران"، وفق ادعاء إسرائيل. وبين المراسل العسكري، أن عملية جنين المترافقة مع نشاط عسكري غير مسبوق في أنحاء الضفة الغربية التي تم خنقها بعدد كبير من الحواجز أخيراً، ومنع تنقل الفلسطينيين، وسط تفتيش دقيق للمركبات والأشخاص.. كلها تهدف إلى "تفكيك قنابل بشرية موقوتة"، وأن الحملة العسكرية "جاءت في الوقت المناسب قبل انفجار الضفة وحدوث ما لا يُحمد عقباه".
ذرائع أمنية.. لإخفاء أهداف سياسية؟
بيد أن مراسل "مكان" العسكري إيال عاليما، أقرّ بوجود مبررات سياسية إسرائيلية أيضاً، وهي إرضاء الجمهور الإسرائيلي الذي تفاجأ من الكمّ الهائل لمسلحي حماس في غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، بالرغم من الحرب القاسية، علاوة على مطالب اليمين بزيادة النشاط العسكري في الضفة.
بدورها، نقلت القناة "14" العبرية، عن مسؤول أمني إسرائيلي، بأنّ فكرة عملية جنين جاءت بعد حصول القيادة السياسية على صورة واضحة للوضع، وتوصلها إلى نتيجة مفادها أنه "بدون القضاء على بؤر المسلحين، فإن هجوم 7 أكتوبر جديد مسألة وقت". ووفق القناة العبرية، عارض رئيس الأركان المستقيل هرتسي هليفي بعض الأمور في الخطة، فأخبره أقطاب اليمين، "بأننا سننفذها معك أو بدونك". وهذا يمثل مؤشراً آخر على أن عملية جنين تتضمن مآرب سياسية لليمين، تتعدى مسألة الذرائع الأمنية، وذلك لفرض وقائع جديدة بالضفة، وطرحها كأمر واقع على طاولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدليل شن العملية بعد يوم على تنصيبه، ودخوله البيت الأبيض.