رغم الدمار الكبير الذي لحق به، عاد عمر كفوزي إلى منزله في ريف دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، ليقيم مع أسرته في مكان يفتقد لغالبية مقومات الحياة ولا تزينه سوى شجرة زيتون يانعة ووسائد ملونة وبعض النباتات.
وقال كفوزي (74 عاماً) من منزله في الغوطة الشرقية، إحدى أبرز معاقل الفصائل المعارضة قرب دمشق منذ العام 2012: "منذ أن علمنا أن النظام ذهب، وبدأت الناس تعود، رتبنا أغراضنا خلال يومين وجئنا" من شمال غرب سوريا. وأضاف: "لست نادماً على عودتي، كان ينبغي أن أعود إلى بيتي وأجلس فيه بأي وسيلة"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".وتغطي نوافذ المنزل المتصدع الواقع في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية، شوادر بلاستيكية، ويفتقد للكهرباء والمياه الجارية ولحمام مناسب. ورغم حالته المتهالكة، يصر كفوزي على العيش فيه مع زوجته وابنه وزوجة ابنه وحفيديه. وأوضح: "رجعنا على أمل أن يكون بيتنا أفضل مما هو عليه الآن".وكانت حفيدته البالغة الآن 8 سنوات، "طفلة عندما أخذناها معنا" إلى شمال غرب سوريا، لكن عندما عادت، أخذت تنظر إلى منزل العائلة وتقول: "ما هذا البيت المهدم؟ لماذا عدنا إلى هنا"، حسبما روى الرجل، مضيفاً "قلت لها هذا منزلنا ويجب أن نعود إليه".وبعد عامين على اندلاع النزاع في 2011 وقمع الأسد الاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية، فرضت قواته حصاراً خانقاً على الغوطة الشرقية، في أحد أحلك فصول الصراع. والعام 2018، شنت القوات السورية هجوماً جوياً وبرياً شرساً لطرد مقاتلي الفصائل المسلحة من الغوطة، انتهى بنقل عشرات الآلاف من الأشخاص، من مقاتلين ومدنيين، إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، بموجب اتفاقيات إجلاء بوساطة موسكو حليفة دمشق حينها.وأتاحت سيطرة فصائل المعارضة على دمشق واطاحتها الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي بعد هجوم مباغت، للكثير من الأشخاص على غرار كفوزي، بالعودة. وعادت الأسرة قبل حوالى ثلاثة أسابيع من شمال غرب سوريا حيث أمضت وقتاً في مخيم للنازحين وعاشت تجربة زلزال مدمر مطلع العام 2023.وفي منزل كفوزي بريف دمشق، جدار خرساني متهالك يكاد يسقط. وعلقت ملابس ملونة غسلت حديثاً فوق كومة من الأنقاض. وفي الخارج، كان الأطفال يلهون في الشارع المغبر، بينما كانت شاحنة توصل أسطوانات الغاز، ودراجات نارية تمر بين الحين والآخر. ورغم الظروف السيئة، أكد كفوزي أنه "ليس نادماً" على العودة.وفي جوار منزله، بيت لابن شقيقه أحمد (40 عاماً) الذي عاد بدوره مع زوجته وأطفاله الأربعة، لكنهم يقيمون لدى أقاربهم بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بمنزلهم. ووقف أحمد الذي يعمل بأجر يومي، في ما كانت سابقاً غرفة نومه، وهو ينظر إلى المباني المجاورة المنهارة والمدمرة كصناديق من الكرتون الممزق. وقال أحمد: "أملنا أنه سوف تحصل إعادة إعمار، وسوف تدخل منظمات" للمساعدة، مضيفاً "لا أعتقد أن مجهوداً فردياً قادر على أن يحمل كل هذا العبء".وتسبب النزاع في سوريا على مدى أكثر من 13 عاماً، بمقتل نحو نصف مليون شخص ونزوح الملايين ودمار كبير بالبنى التحتية للبلاد. وقال المسؤول المحلي بيبرس الزين (46 عاماً) أنه تم تنظيم حملة لإعادة بعض أهالي حمورية إلى بلدتهم من شمال غرب سوريا، ممن لا يملكون امكانية العودة.وروى الزين بينما وقف قرب مسجد دمرت مئذنته بشكل كبير: "أحضرنا حتى الآن 106 عائلات"، مشيراً الى أن إجمالي الراغبين في العودة الى حمورية يصل الى ألفي عائلة، مشيراً الى أن "البنية التحتية غير موجودة، صفر"، مؤكداً الحاجة الملحة لصيانة شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات وغيرها.ومن بين العائدين أيضاً سارية الزين (47 عاماً) شقيق بيبرس، لكنه ترك زوجته وأولاده الخمسة في شمال غرب البلاد، وعاد بمفرده حالياً لترميم منزله حتى تتوافر فيه شروط الحد الأدنى للحياة. وقال سارية مشيراً الى الجدران المتضررة والمتهالكة أن "الأضرار ناتجة عن المعارك التي حصلت، وقصف النظام بالبراميل والصواريخ".وذكره الدمار أيضاً بمقتل ابنته التي كانت تبلغ من العمر 7 سنوات مع 33 شخصا آخرين أكثر من نصفهم أطفال، بضربة جوية العام 2015. وأضاف أن زوجته التي كانت في المنزل وقتها، نجت بأعجوبة من الإصابة بشظايا دمرت جزءاً من أحد جدران منزله.وأقامت العائلة في منزل مستأجر بشمال غرب سوريا الى أن "هبط عند وقوع الزلزال" العام 2023، لتنتقل بعد ذلك إلى مخيم للنازحين، ومنه إلى مدينة عفرين. ويأمل سارية أن ينهي أعمال الترميم الأساسية سريعا، لكن مازال يتعين عليه القيام بإصلاحات هائلة في المنزل، خصوصاً لجدار منهار يحتاج إلى إعادة بناء كاملة.وقال سارية أن أولاده "متحمسون جداً، يتصلون بي كل يوم، ويقولون لي إنهم يريدون العودة". وأضاف: "متفائلون جداً، ذهب عنا الظلم، وهذا أهم ما في الأمر".